إن الهدوء الذى أعقب حرب لبنان الثانية «صيف سنة 2006» كان مخادعا، مثل الهدوء الذى أعقب عملية «الرصاص المصبوب» فى غزة «شتاء سنة 2009». ونظرا إلى عدم قيام الجيش الإسرائيلى، خلال حرب لبان الثانية، بالقضاء على حزب الله، فإن هذا الحزب تحول إلى وحش، وسرعان ما أقام قاعدة صواريخ إيرانية تهدد تل أبيب. فى المقابل، فإن التداعيات السياسية للحربين اللتين خاضتهما الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة إيهود أولمرت «فى لبنان وغزة»، والصورة المتطرفة للحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، أسفرتا عن تآكل شرعية إسرائيل فى العالم، فضلا عن أن قدرة الجيش الإسرائيلى على الرد على التهديدات المتفاقمة من خلال عمليات عسكرية غير متكافئة ومتحررة من أى كوابح، تعرضت لمساس كبير. إن جوهر الهدوء «فى الحدود الشمالية» كان معروفا سلفا، وفحواه أن الهدنة مؤقتة. ومع أن هذا الهدوء أتاح للمؤسسة السياسية فى إسرائيل إمكان إطلاق مبادرة سياسية، ومع أن تدهور مكانة إسرائيل الاستراتيجية كان يستوجب إطلاق مبادرة كهذه، إلا أن هذه المؤسسة السياسية لم تحرك ساكنا. لابد من القول ان «رئيس الحكومة السابق» إيهود أولمرت بذل محاولات فى هذا الشأن، فقد تخلى بسبب حرب لبنان الثانية عن خطة الانطواء، وحاول إجراء مفاوضات مع السوريين وكذلك مع الفلسطينيين، لكنه على الرغم من براجماتيته لم يكن متسلحا برؤية سياسية عميقة، ولذا، فإنه ساهم فى تخليص السوريين من الحصارالدولى الذى كان مفروضا عليهم قبل أن يحصل منهم على تنازل حقيقى. وفى إثر ذلك، حاول أن يتوصل مع الفلسطينيين إلى اتفاق يضع حدا للنزاع، ولكنهم لم يكونوا معنيين بذلك مطلقا. وبالتالى، فإن الخطوات السياسية لحكومة أولمرت كانت خطوات جوفاء، ذلك بأنها منحت إسرائيل فترة هدوء لم تستغلها لإحداث تغيير حقيقى. أما رئيس الحكومة الحالية، بنيامين نتنياهو، فيدعى أنه يحاول فعل شىء، وأن الواقع الصعب الذى يواجهه ناجم عن حربى أولمرت، وأن أطرافا كثيرة إسرائيلية وفلسطينية وإقليمية ودولية تكدس الصعوبات فى طريقه. ربما يكون نتنياهو على حق فى ادعاءاته، غير أننا لا نلمس أنه يدرك خطورة الوضع القائم، وأن قوة الردع الإسرائيلية استنفدت مفعولها. إن الرصاصات التى أطلقها جنود الجيش اللبنانى أول من أمس لم تسفر عن إشعال حرب، أو عن وضع حد للهدوء «فى الحدود الشمالية»، لكنها أسفرت عن إحداث شرخ فى هذا الهدوء. فضلا عن ذلك، فإن الحادثة الموضعية فى الحدود الشمالية تعيد التذكير بحوادث حدودية موضعية فى منطقة الحدود مع سوريا فى ستينيات القرن العشرين الفائت، والتى أسفرت فى نهاية الأمر عن اندلاع حرب الأيام الستة «حرب حزيران. يونيو 1967». لقد حان الوقت كى يدرك نتنياهو أننا نعيش آخر أيام الأعوام السمان، وأنه إذا لم يتحرك فورا من أجل تغيير السياق الاستراتيجى، فإن الهدوء فى الحدود الشمالية لن يصمد طويلا.