مرة أخرى اشتعلت أسعار اللحوم لتعود إلى مستوياتها قبيل حملة المقاطعة الشهيرة التى نجحت فى فرملة الزيادة الكبيرة فى أسعار اللحوم قبل ثلاثة أشهر.. ليتحول سوق اللحوم فى مصر إلى لغز معقد يستعصى على الفهم.. التوقيت هذه المرة بالغ الحساسية .. فأيام قليلة تفصلنا عن الشهر الكريم الذى يزيد فيه استهلاك المواد الغذائية خاصة اللحوم ولا يستطيع أحد أن يطالب بمقاطعة اللحوم.. تراوحت الأسعار فى الأحياء الشعبية والمتوسطة بين 55 و60 جنيها للكيلو، بينما ارتفعت فى الأحياء الراقية بين 65 و70 جنيها للكندوز العادى، أما البتلو فتراوحت أسعارها بين 90 و110 جنيهات فى محال الجزارة والهايبر ماركت وكارفور.. وفيما ظلت الحكومة مثل المرة السابقة تراقب الموقف من بعيد دون أدنى تدخل فى سوق اللحوم اكتفى مجلس الوزراء بالتأكيد على توافر جميع السلع الاستهلاكية فى السوق بما سماه أسعارا مناسبة واكتفت الوزارات المعنية بالإعلان اليومى عن طرح آلاف الأطنان من اللحوم المجمدة والمبردة وهو ما تجاهلته سوق اللحوم البلدية والذى استمرت أسعاره فى الصعود مع كل يوم يقربنا من الشهر الكريم. الحكومة فشلت «الحكومة فشلت تماما فى حل مشكلة اللحوم» للمرة الثانية خلال شهور قليلة والنتيجة كما يؤكد الدكتور اميل اسكندر مستشار وزير الزراعة السابق هى قلة الإنتاج المحلى وعدم كفاية اللحوم المستوردة إلى جانب عدم جودتها، مشيرا إلى أن أسعار اللحوم البلدية ارتفعت قبل رمضان بنحو 20% كما ارتفعت اسعار اللحوم المجمدة هى الاخرى بنسبة 100% خلال شهور قليلة وفى ظل غياب دور الدولة لتصل إلى نحو 33 جنيها مقابل 17 جنيها منذ شهور. يؤكد اسكندر أن مشكلة اللحوم البلدية مرتبطة بمنظومة اللحوم بصفة عامة كالدواجن والاسماك والخلل فى ادارة سياسات هذه المنظومة أدى إلى ارتفاع أسعار الدواجن والأسماك والتى كان يمكن أن تكون بدائل مناسبة للحوم البلدية لافتا إلى ان السياسات الحكومية فى مجال الثروة الحيوانية فشلت فى تنمية هذه الثروة خاصة فى مجال اللحوم البلدية حيث تراجع عدد الحيوانات بشكل كبير ترتب عليه تعطيل طاقات كبيرة فى مصانع العلف المحلية التى اصبحت تعمل الآن ب10% فقط من طاقتها جهاز للأمن الغذائى ولحل مشكلة اللحوم بشكل عاجل يقترح الدكتور اميل اسكندر استيراد عجول ذكور عمرها عامان من بلدان مسموح بالاستيراد منها وفقا لمنظمة الصحة العالمية مع اخذ التحصينات اللازمة وتذبح بالمنافذ الحدودية ثم تطرح للمستهلكين من خلال منافذ تابعة للدولة والمجمعات ويشير اسكندر إلى ضرورة انشاء جهاز للأمن الغذائى يتولى جميع الأمور الخاصة بتوفير السلع الأساسية مثل اللحوم على أن يتبع الجهاز مجلس الوزراء ويضم ممثلين لوزراء التجارة والاستثمار والتضامن الاجتماعى وخبراء مستقلين فى مجال الغذاء. يتحفظ اسكندر على ترك أسعار اللحوم لتحدد من جانب المستوردين أو التجار دون رابط أو ضابط، مشيرا إلى أن أسعار اللحوم معروفة عالميا كما أن تكاليف النقل والأعباء الأخرى معروفة وإضافة هامش ربح نسبته 10% يعد هامشا مناسبا وعادلا للبائع والمشترى أما آليات العرض والطلب التى تتحدث عنها الحكومة كلما طالب أحد بمراقبة الأسعار فيقول عنها اسكندر «لما يكون فيه ناس محترمة يكون فيه آليات عرض وطلب». أسعار مانعة ووفقا لاسكندر فإن شرائح واسعة من الشعب لا تستطيع الآن أن تأكل لحوما بلدية ولا حتى مستوردة وحتى لحوم المجمعات التى تباع بأسعار تتراوح بين 35 و38 جنيها لا تباع واقعيا بهذا السعر لأن «القطعيات» غالبا ما تحتوى نسبة غير قليلة من الدهون وللتغلب على ذلك يقترح مستشار وزير الزراعة السابق أن تباع هذه اللحوم معبأة فى أكياس حتى لا تكون مجالا للتلاعب أما اللحوم المجمدة فيجب أن تستورد من أماكن غير موبوءة وأن تكون ذات مواصفات جيدة، مشيرا إلى أن المستورد المصرى يستورد أسوأ أنواع اللحوم المجمدة بحسب اسكندر الذى يؤكد أن اللجان التابعة لوزارة الزراعة والتى تسافرعلى حساب المستوردين لا تقوم بمعاينة حقيقية للحوم. الحكومة لم تتحرك الحكومة لم تتخذ اى خطوات جدية خلال الفترة الماضية لحل مشكلة اللحوم وذلك وفقا لما يقوله الدكتور سعد الحيانى رئيس رابطة مربى الجاموس الذى يشير إلى عدم توفير مخصصات اضافية لمشروع البتلو أو تقديم أى تيسيرات أو تسهيلات للمربين وهو ما أدى إلى نقص كبير للحيوانات فى السوق « لم نر هذا النقص منذ 30 عاما». أسعار العجول ارتفعت جنيهين للكيلو القائم لتصل إلى 22 جنيها وهذه الزيادة مفروض تؤدى إلى ارتفاع فى سعر كيلو اللحم المشفى بواقع 4 جنيهات فقط ليدور السعر العادل بين 50 و52 جنيها مع ربحية مناسبة للجزار لكن الأسعار الحالية التى تتراوح بين 60 و70 فمبالغ فيها وليس لها أى مبرر. المشكلة التى يركز عليها «الحيانى» هى الارتفاع الكبير فى اسعار عجول التربية التى ارتفع سعرها إلى 27 جنيها للعجول التى يتراوح وزنها بين 200 و250 كيلو ويصل إلى 29 جنيها للاوزان من 150 إلى 200 كيلو وهذه الزيادة أدت إلى تخوف المربين وإحجامهم عن شراء العجول ويحذر الحيانى من استمرار المشكلة التى ستتفاقم بعد شهرين بحلول عيد الأضحى الذى يزيد فيه الطلب على اللحوم. «لو استمر هذا الحال لن نجد عجولا نربيها بعد 5 أو 6 أشهر» ويؤكد رئيس رابطة مربى الجاموس على ضرورة صدور قرار حاسم وملزم بمنع ذبح البتلو الصغير لمدة سنة مع إعمال رقابة حازمة ووضع عقوبات رادعة للمخالفين، مشيرا إلى أن القرار الوزارى بمنع ذبح العجول اقل من وزن 150 كيلو لم يطبق عمليا حتى الآن.. ويتخوف الحيانى من قرار وزارة الزراعة بفتح باب استيراد عجول التربية الصغيرة وانتشارها فى محافظات مصر لاحتمال دخول امراض وبائية ونقلها للثروة المحلىة مثلما حدث فى عام 2005. وبينما يؤكد د. سعد الحيانى أن مشكلة اللحوم لن تحل بدون تدخل الدولة ويرى أيضا أن آليات العرض والطلب وحدها لن تفلح فى فرض السعر المناسب مطالبا بدور رقابى للدولة على اسعار اللحوم وإلا زاد الانفلات إلى مستويات أكبر. حدث ما توقعناه «حدث ما توقعناه وسبق أن حذرنا منه» يقول هيثم محمد نائب رئيس شعبة القصابين «الجزارين» بالغرفة التجارية، مشيرا إلى أن أسعار العجول البقرى زادت 4 جنيهات خلال أقل من شهرين مما ادى إلى ارتفاع أسعار البيع للمستهلك ويعتبر محمد هذه التطورات طبيعية مع عدم تدخل الدولة وعدم اتخاذ إجراءات جادة لمواجهة مشكلة اللحوم التى تعرف الحكومة عنها كل شىء خاصة الحلول التى اقترحتها الشعبة والخبراء على السواء وقال إن البتلو مازال يذبح ويباع بأسعار تجاوزت ال100 جنيه للكيلو ارتفاع أسعار اللحوم أثرت على الطلب بحسب محمد الذى يؤكد أنه حتى «القادر خفض الكميات» ويحذر من زيادة حدة المشكلة بحلول عيد الأضحى ويرى أن الحل السريع للمشكلة هو قيام الدولة باستيراد عجول حية للذبح توزع على مجازر المحافظات بعد تحصينها. زبائن جدد للمجمعات إقبال غير طبيعى تشهده المجمعات الاستهلاكية على شراء اللحوم بعد ارتفاع أسعارها فى الجزارة بحسب إبراهيم الدسوقى رئيس قطاع المجمعات بالشركة القابضة للصناعات الغذائية الذى يؤكد أن الشركة تعاقدت على نحو 5 آلاف رأس ماشية لمواجهة الاحتياجات بخلاف اللحوم المجمدة وتمثل هذه الكميات بما يمثل 4 أضعاف ما كنا نوفره فى السنوات السابقة ورغم ذلك نخشى ألا تغطى الطلبات المتزايدة للمستهلكين بعد ارتفاع أسعار اللحوم البلدية. «شرائح جديدة مش عاملين حسابها عرفت طريق المجمعات» يقول الدسوقى لافتا إلى أن راكبى سيارات «المرسيدس وال بى ام دبليو» يشترون الآن لحوم المجمعات. ليزاحموا الطبقات المتوسطة والفقيرة التى كانت المجمعات تستهدفها مما خلق أعباء متزايدة على المجمعات خاصة أن شركات اللحوم المستوردة التى تذبح على الحدود بدأت ترفع أسعارها ولولا أننا تعاقدنا من فترة معها كنا اشترينا بالاسعار المرتفعة. وبينما يؤكد الدسوقى على دور الدولة فى مواجهة مشكلة اللحوم يحذر من ان المجمعات تعيش الآن ظروفا قاسية ولن تستطيع مواجهة الطلب المتزايد عليها خاصة أن اللحوم التى تبيعها هى نفس اللحوم التى تباع بمحال الجزارة والهايبر بسعر 60 جنيها للكيلو. حماية المستهلك جمعيات حماية المستهلك لم تستطع التصدى للمشكلة سوى بالدعوة إلى ترشيد الاستهلاك واستخدام البدائل وتقول الدكتورة سلوى شكرى رئيسة جمعية مصر الجديدة لحماية المستهلك أننا نقوم بعمل دراسات للاسواق ونعلن للمستهلك عن المنافذ التى تبيع بأسعار ارخص، مشيرة إلى ضرورة تقديم دعم الدولة للمجمعات الاستهلاكية وزيادة المعروض من اللحوم بها لتقديم البديل المناسب للمستهلك