من كان يتخيل أن عملية إنقاذ صناعة السيارات، وهى من أكثر تحركات إدارة أوباما التى لم تلق شعبية، قد تصبح من أفضل الموضوعات التى نتحدث عنها؟ غير أننى لا أتخيل للحظة أن عودة الشركات التى تم إنقاذها، خصوصا جنرال موتورز، سوف تغير الطريقة التى نناقش بها دور الحكومة فى الاقتصاد. فعندما يتعلق الأمر بجميع ما تفعله الحكومة تقريبًا، تغطى الأيديولوجية على الحقائق، وتتغلب الشعارات على الواقع، والكلمات المعسولة (مثل الاشتراكية) على البيانات. وحتى لا يكون هناك مجال للخطأ: استلزم إنقاذ جنرال موتورز وكرايزلر شجاعة سياسية، وأود أن أسجل كلمة حق ليس من أجل الرئيس أوباما فحسب، وإنما من أجل جورج بوش أيضًا. صحيح أن ولاية بوش كانت قد انتهت فى ديسمبر 2008، عندما منح الشركات 17.4 مليار دولار من برنامج مساعدة الأصول المتعثرة لإبقائها على قيد الحياة فترة كافية حتى يتيح لأوباما فرصة للتصرف. ولا شك أن الأمر تطلب شجاعة من بوش حتى يقرر عدم «ترك الرئيس القادم ليواجه انهيار صناعة أمريكية رئيسية خلال أيامه الأولى فى المنصب.» غير أن أوباما هو من قدم الجزء الأكبر من الأموال فما قدمه بوش إجمالا كان قد وصل إلى 25 مليار دولار قبل أن يغادر المنصب، بينما قدم أوباما 60 مليار دولار إضافية كما أن أوباما هو من أعد الخطة الصعبة لإعادة الهيكلة. وواجه كلا الرئيسين معارضة جماهيرية واسعة. فقد أظهر استطلاع أعدته محطة سى إن إن التليفزيونية فى ديسمبر 2008 أن 61 فى المائة من الأمريكيين يعارضون خطة إنقاذ الشركات؛ ولم يؤيدها سوى 36 فى المائة. وبعد شهرين، عندما تحرك أوباما أظهر استطلاع رأى أجراه معهد جالوب أن 72 فى المائة يعارضون تقديم الأموال الإضافية لشركات السيارات، بينما أيدها 25 فى المائة فحسب. وفى ذلك الوقت، كنت ضمن الأقلية المؤيدة للإنقاذ، لأن أى انهيار فى صناعة السيارات، سوف يدمر وسط الغرب المتداعى بالفعل. وكانت المشروعات الاستثمارية التى تعتمد على شركات السيارات ستنهار. ومنذ أسبوعين، خلص تقرير البيت الأبيض إلى أنه لولا تدخل الحكومة لكان نحو مليون شخص خسروا وظائفهم، وذهبت بعض التقديرات إلى أبعد من ذلك بكثير. وكان قرار فقدان واحد من أهم قطاعات التصنيع لدينا يمكن أن يكون محتومًا وهو تهديد خطير للغاية، حتى إن بوش المخلص بشدة لنظرية السوق الحر، لم يكن ليسمح بوقوعه. وذلك ما يجعل إدارة أوباما تتفاخر بزيادة نحو 55 ألف وظيفة فى قطاع السيارات منذ يونيو الماضى. وقد قال رام إيمانويل كبير موظفى البيت الأبيض، فى لقاء مع مجموعة من كتاب الأعمدة الصحفية: «إنقاذ صناعة السيارات مثلاً هائلاً على أن سياسات الإدارة ساعدت على حدوث تحول فى القاعدة الصناعية لبلدنا». وكانت الحجج المعارضة لخطة الإنقاذ متوقعة، ولكنها غير منطقية. فقد تشكك الكثيرون فى أن الحكومة لابد أن تتخذ قرارات مسيسة: مثل إغلاق مصانع بناء على النفوذ السياسى، أوتفضيلات أوباما لمجالس إدارات الشركات التى تحمى المشروعات المدللة لدى الإدارة على حساب التقديرات السليمة للنشاط الاستثمارى. لكن ذلك لم يحدث. وحتى برغم خسارة الإدارة للمعركة، عندما صوت الكونجرس لصالح حماية مصالح تجار السيارات، سمح البيت الأبيض لشركات صناع السيارات بالعمل كشركات خاصة. وقال رون بلوم، أحد مخططى عملية إعادة الهيكلة الرئيسيين، لكتاب الأعمدة: «خلال الشهور التسعة أو العشرة الأخيرة، لم نكن نتدخل» وأضاف إن المديرين كان يتم اختيارهم وفقًا لخبرتهم بالعمل وليس لانتمائهم السياسى. والمفارقة، أن ستيف فوربس، المرشح الجمهورى الأسبق للرئاسة، أكد رواية الإدارة فى مقال رأى نشرته «بوليتيكو» منذ اسبوعين، وكان يهدف إلى حرمان أوباما أى فضل فى عودة صناعة السيارات للتعافى. وقال فوربس «تستخدم إدارة جنرال موتورز مبادئ الإدارة الصلبة والمحافظة فى السوق الحر من أجل إعادة الشركة إلى تحقيق الأرباح طويلة الأجل». ولكن ذلك بالضبط هو ما قال معارضو الإنقاذ أنه لا يمكن أن يحدث أبدا إذا تدخلت الحكومة. وقد كانوا مخطئين بشهادة فوربى نفسه. ولهذا استطاع أوباما أن يعلن فى زيارته الأخيرة لمصنع كرايزلر بديترويت «للمرة الأولى من 2004 تعمل جميع شركات صناعة السيارات الأمريكية الثلاث على نحو مربح». ما يعنى أنه من المتوقع أن يستعيد دافعو الضرائب ما دفعوه وربما أكثر. فهل يعترف العاملون فى مجال الأعمال من أصحاب العقليات العملية بأن هناك مناسبات يمكن أن يكون التدخل الحكومى فى صالح الرأسمالية حيث ينقذها من بعض القوى التى تطلق لها العنان؟ أوافق على أن وول ستريت حافلة بالأشرار، الذين كان من الممكن أن يحققوا انتصارا فى غياب مساعدة الحكومة. كما يتجاهل العديد من رجال الأعمال إلى مدى يعتمدون على الحكومة الكفء، حتى يستطيعوا مواصلة الشكوى من الضرائب والقيود التنظيمية. ولكن بصراحة: لولا الحكومة لكنا خسرنا أجزاء كبيرة من صناعة السيارات لدينا. فهل يعنى ذلك أهمية لأحد؟