هل يكفي خبر أو شائعة لإنعاش صناعة السيارات الأمريكية؟ يرجح خبراء أن هذا ما حدث بالضبط, بعد متابعة الأداء الأمريكي فيما يخص الإعلان عن عيوب ببعض السيارات اليابانية, والإعلان عن رشاوي قدمتها شركة مرسيدس لمسئولين حول العالم بما في ذلك مصر. فهل كانت حروب السيارات بين الكبار يمكن أن تنطلق شرارتها لوم لم تؤد الأزمة المالية منذ نهاية2009 إلي انهيار ثلاث شركات كبري في الولاياتالمتحدة؟ الانهيار لم تفلح معه خطة انعاش بلغت700 مليار دولار لانقاذ صناعة السيارات في الولاياتالمتحدة؟ بل إن خبراء يقولون إن الأسوأ قادم بعد أن تحولت مدينة ديترويت معقل هذه الصناعة إلي منطقة مهجورة, فالشوارع خالية في المنازل غادرها السكان, والكارثة تبدو ملامحها في أن من بين10 وظائف هناك وظيفة واحدة علي الأقل تعتمد علي صناعة السيارات. خبراء ومسئولون في صناعة السيارات لايستبعدون وجود مؤامرة تحكم السلوك الأمريكي الذي يمتد من اليابان إلي ألمانيا, إذ إن الرشاوي التي قدمتها شركة مرسيدس كانت معروفة, وسجلات الشركة توثقها, فلماذا تثير أمريكا هذه القضية الآن, بعد تعثر صناعة السيارات الأمريكية؟ السؤال الثاني: لماذا لم تظهر عيوب السيارات اليابانية إلا في فروعها الأمريكية؟ يري المهندس صلاح الحضري رئيس رابطة مصنعي السيارات أن الشركات الأمريكية تحاول وقف تقدم نظيرتها اليابانية والأوروبية وتهدف من وراء إضعاف ثقة المستهلكين في هذه السيارات إلي حماية الشركات الأمريكية من الإفلاس, عن طريق ضرب الشركات المنافسة, وهي محاولة لانقاذ صناعة تمثل درة الصناعة الأمريكية ورمزها أيضا. ولا يستبعد عادل الصيرفي رئيس شركة مصر لتجارة السيارات سابقا أن تفعل أمريكا أي شيء ففي الحرب التجارية كل الاحتمالات واردة بل إنني أرجح بقوة أن تكون شركات السيارات الأمريكية وراء ما يحدث في صناعة السيارات. وقد قرر القضاء الأمريكي إغلاق التحقيقات في ملف الانحرافات المالية التي لحقت بشركة دايملر الألمانية, بناء علي دعوي رفعتها وزارة العدل الأمريكية, بشكل ودي, وقالت وكالة رويترز إن شركة دايملر كانت قد عقدت العزم علي نقل20% من انتاجها من فئة مرسيدس سي إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية, وهي بذلك تراهن علي ضعف الدولار من ناحية وقوة اليورو من ناحية أخري, ولعل ذلك أحد الأسباب التي دفعت وزارة العدل الأمريكية إلي إثارة تجاوزات الشركة الألمانية في هذا التوقيت. فمن وجهة نظر سياسية واقتصادية, فإن هذه الخطوة مهمة لشركة مرسيدس لأنها ستكفل لها وضعا تنافسيا أقوي كما تتيح لها فرصا كبيرة للنمو حسبما أشار رئيس الشركة ديترريتشه. إن موقع الشركة الجديد بأمريكا في منطقة توسكالوزا بولاية آلاباما سينتج20% من الكمية في المستقبل, وسيترتب علي ذلك أن تقل تكلفة السيارة الواحدة, من هذه الفئة, بمقدار ألفي يورو. وفي ظل الخسائر التي تكبدتها شركات السيارات الأمريكية نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية, وإغلاق بعضها لمقار إقليمية تبدو الأسباب الحقيقية التي دفعت وزارة العدل الأمريكية لفتح تجاوزات الشركة الألمانية في هذا التوقيت, لاسيما أن هذه المخالفات حدثت عام.2004 ويصعب علي الإدارة الأمريكية قبول خسائر قدرت منذ عام2005 بنحو88 مليار دولار في هذا القطاع, كما أن وزارة الخزانة الأمريكية تمتلك أكثر من60% من شركة جنرال موتورز الجديدة, وكل هذا يدفعها إلي أن تفسح المجال أمام منافسي جنرال موتورز. وعندما تتحد شركة دايملر مع شركة رينو الفرنسية, ويضمن هذا التحالف الجديد لكلتا الشركتين أبارحا تقدر ب4 مليارات يورو فإنه من الطبيعي أن تسعي واشنطن للحيلولة دون اتمام هذا العقد, وتم ذلك عن طريق إعلان تجاوزات شركة دايملر. كما فتحت الإدارة الأمريكية جبهة أخري مع شركة تويوتا اليابانية, بزعم أن الأخيرة أخفت عن عملائها عيوبا تتعلق بعامل السرعة في سياراتها وكانت هذه هي الذريعة التي جعلت أمريكا تطالب اليابان بغرامة تقدر بأكثر من16 مليون دولار, ويعد هذا التعويض أكبر مبلغ يفرضه مكتب سلامة الطرق الأمريكيةNHTSA وعندما رفضت الشركة اليابانية دفع المبلغ تمت إحالة الملف برمته إلي القضاء ليفصل فيه. ويبدو أن الهدف من فرض هذه الغرامة علي الشركة اليابانية هو أن تويوتا موتور كورب احتلت صدارة أكثر الشركات مبيعا بدلا من جنرال موتورز. واستند مديرو شركة تويوتا في هذا الرفض إلي أن السلطات الأمريكية كان لديها علم بهذا العيب منذ عدة أشهر ولم تنصح مواطنيها بالعدول عن شراء هذه الفئة التي تنتجها شركة تويوتا. كما أن المسئولين في الشركة اليابانية فور علمهم بوجود هذا العيب, في29 سبتمبر الماضي, أعلنوا عن سحب3.8 مليون سيارة من الولاياتالمتحدة فقط كمرحلة أولي وسحبوا أكثر من9 ملايين سيارة من العالم, منها نحو6 ملايين سيارة من أمريكا وحدها, ويتساءل مديرو شركة تويوتا: كيف يتسني لواشنطن فرض غرامة؟! وفي رأي علاء السبع عضو الشعبة العامة لصناعة السيارات أن أمريكا أعلنت الحرب علي صناعة السيارات اليابانية والأوروبية, ويستدل علي هذا بزيادة مبيعات شركات مثل فورد وجنرال موتورز بنسبة40% في الفترة الأخيرة بعد الإعلان عن عيوب صناعية في سيارات تويوتا التي تستحوذ علي13% من المبيعات الأمريكية( نحو مليوني سيارة) وقال إن جميع الماركات التي حدثت بها عيوب صناعة كانت في فروعها الأمريكية مثل تويوتا وهيونداي ونيسان وأن السيارات الأمريكية الأصل ظهرت بها نفس العيوب ولم يتم الإعلان عنها خاصة أن مكونات تويوتا هي نفس مكونات السيارات الأمريكية وتحصل عليها من نفس المورد. وتوقع عبدالمنعم سعودي رئيس شركة ورئيس اتحاد الصناعات السابق حدوث حرب تنافسية لأن أمريكا تحاول أن تجد منتجا أكثر قبولا في السوق وبالنسبة لما تطرحه من ملفات الفساد فلابد أن يكون لديها مستندات دقيقة تدل علي صحة ذلك فبعض شركات السيارات الكبري تمنح هدايا لبعض الجهات. وأضاف أن السوق بدأت تشهد زيادة في الطلب علي مستوي العالم بالنسبة للسيارات وأن الرؤية ستتضح أكثر في سوق السيارات نهاية30 يونيو المقبل ومدي تأثرها من الحروب غير الواضحة بين الشركات. وقال عفت عبدالعاطي رئيس شعبة السيارات باتحاد الغرف التجارية إن الصراع بين الدول المنتجة وضع قائم ولا يهدف إلي القضاء علي صناعة بعينها للدولة المنافسة, ولكن جميع الصناعات. وأضاف أنه بالنسبة لطرح ملف فساد مرسيدس بنز فإن الفساد والرشاوي قائمين منذ سنوات. ويري المهندس نبيل فريد حسنين رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية أن حجم السوق المصرية للسيارات والقوة الشرائية لتلك السوق لا يستدعيان أن تكون هناك حرب من الشركات الأمريكية تجاه الشركات الألمانية أو اليابانية للسيارات. وكان الرئيس الأمريكي السابق بوش قد مارس ضغوطا علي الكونجرس للموافقة علي اعتماد700 مليار دولار لدعم الاقتصاد الأمريكي في مواجهة الأزمة المالية ذهب منها15 مليار دولار لمصلحة انقاذ صناعة السيارات. ولم تفلح جهود بوش في انقاذ الشركات من التراجع حيث انخفضت مبيعات جنرال موتورز بنحو31% مقابل53% لكرايسلر و32% لفورد ومما فاقم من حجم المشكلة أن الشركات الثلاث الكبري فكرت منذ البداية في مواجهة المشكلة في فصل عدد كبير من موظفيها لتقليص النفقات وإغلاق عدد من خطوط الإنتاج وهذا يعني كارثة اقتصادية لاسيما أن انهيار هذه الشركات يعني إضافة ثلاثة ملايين عاطل جديد لسوق البطالة إذ إن وظيفة من أصل10 وظائف في الولاياتالمتحدة تعتمد بصورة مباشرة أو غير مباشرة علي صناعة السيارات بما يعني أن الحكومة الفيدرالية كانت معرضة لخسارة نحو150 مليار دولار. وإدراكا منها لحجم الكارثة استهل الرئيس أوباما حكمه بتقديم قروض إلي الشركات المتعثرة وصلت قيمتها إلي13.4 مليار دولار لانقاذ مواقفها المالية المتعثرة لكن الشركات لم تكتف بذلك فطالبت بالمزيد وهو ما ردت عليه الإدارة الأمريكية بأنها لن تدفع أي أموال إضافية إلا إذا قدمت الشركات الثلاث برنامجا متكاملا لإعادة الهيكلة يوافق عليه اتحاد العمال وهو أمر صعب نظرا إلي أن ذلك البرنامج يشتمل علي إغلاق بعض المصانع وشطب آلاف الوظائف. وقد شكل أوباما فريقا خاصا للإشراف علي قطاع السيارات بقيادة تيموتي جاثنر وزير الخزانة ولورانس سومرز كبير مستشاري الرئيس الاقتصاديين, مهمة هذا الفريق بحسب التقارير الواردة من واشنطن تكمن في محاولة إقناع جنرال موتورز بإلغاء التفكير في خيار إشهار الإفلاس وهو الأمر الذي تخشاه الولاياتالمتحدة لأنه يعني فقدان مئات الآلاف من الوظائف وضياع رمز صناعة السيارات الأمريكية. في المقابل وضعت الشركة فريق أوباما أمام خيار صعب إثر طلبها30 مليار دولار حتي عام2011 لإعادة هيكلتها والابتعاد عن فكرة إشهار الإفلاس كما أعلنت أنها ستستغني عن47 ألف وظيفة مؤكدة أن هذا أبسط شيء يمكن أن تفعله لانقاذ وضعها المالي قبل أن تعلن رسميا إفلاسها لاحقا وهو ما سبقتها إليه شركة كرايسلر. والمشكلة أن الأموال التي حصلت عليها جنرال موتورز وكرايسلر في شكل مساعدات من الحكومة الأمريكية لم تسفر عن أي تقدم في وضعهما المالي, وقد دخلت الشركتان في فبراير الماضي في مفاوضات مع اتحاد نقابات العمال لاقناعه بخطة إعادة الهيكلة وهي خطوة ليست بالهينة لأن النقابات لن تتنازل عن حق أعضائها بسهولة. في المقابل فإن شركة فورد أكدت أنها لا تحتاج إلي مساعدات مالية حاليا وستتمكن من التغلب علي مشاكلها دون مساعدات من الإدارة الأمريكية وتظل هذه النتيجة متواضعة لأضخم خطة اصلاح لإعادة هيكلة جنرال موتورز بعد إعلان إفلاسها رسميا بتكلفة40 مليار دولار فيما اعتبره أوباما بداية عهد جديد لصناعة السيارات في بلاده. وبمقتضي الخطة تم إغلاق11 من مصانعها مع تجميد النشاط في ثلاثة مصانع أخري إلي جانب خفض العمل في الشركة بنحو34% بما يعادل21 ألف موظف وخفض عدد الموزعين بنحو2600 شخص. كما تمتلك الإدارة الأمريكية60% من أسهم جنرال موتورز التي بدأت في سداد ديونها التي تصل إلي8 مليارات دولار للحكومتين الأمريكية والكندية.