مدبولي: افتتاح مشروعات كبرى بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس يناير المقبل    محافظ كفر الشيخ يطلق مبادرة كفر الشيخ بتنور ويتفقد رصف 10 شوارع بالإنترلوك    منظومة تراخيص ذكية للمشروعات العقارية في العاصمة الجديدة    تفجير مدرعة إسرائيلية في رفح الفلسطينية وفتح تحقيق    زاها وديالو يقودان هجوم كوت ديفوار ضد موزمبيق في أمم إفريقيا    مصر ضد جنوب أفريقيا| شاهد مهارات استثنائية من صلاح وزيزو في مران الفراعنة    شاب يتخلص من والدته بسبب خلافات الميراث بالمنيا    مركز المناخ: ليلة أمس الأبرد منذ بداية الشتاء والحرارة سجلت 7 درجات    السكة الحديد تُسير الرحلة41 لإعادة الأشقاء السودانيين طوعياً    أول تحرك من «المهن التمثيلية» بعد واقعة تصوير الفنانة ريهام عبدالغفور    النائب العام الفلسطينى يزور مكتبة الإسكندرية ويشيد بدورها الثقافى الريادى    محافظ الدقهلية: الزيادة السكانية تمثل تحديًا رئيسيًا يعوق جهود التنمية    رئيس جامعة الإسكندرية يعلن صدور قرار بإنشاء فروع للجامعة في الإمارات وماليزيا    الإدراية العليا تحيل 14 طعنا للنقض على نتيحة انتخابات النواب للدوائر الملغاة    التصدي للشائعات، ندوة مشتركة بين التعليم ومجمع إعلام الفيوم    رئيس الوزراء: مصر كانت بتتعاير بأزمة الإسكان قبل 2014.. وكابوس كل أسرة هتجيب شقة لابنها منين    الكنائس المصرية تحتفل بعيد الميلاد المجيد وفق التقاويم الكاثوليكية والأرثوذكسية    القبض على المتهم بإنهاء حياة والدته بسبب مشغولات ذهبية بالمنيا    الكاميرون تواجه الجابون في الجولة الأولى من كأس أمم إفريقيا 2025    مدرب بنين: قدمنا أفضل مباراة لنا رغم الخسارة أمام الكونغو    البورصة المصرية تربح 4 مليارات جنيه بختام تعاملات الأربعاء    بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    محافظ قنا يعقد اجتماعًا موسعًا للاستعداد لانطلاق الموجة ال28 لإزالة التعديات    تقارير: نيكولاس أوتاميندي على رادار برشلونة في الشتاء    الكنيست الإسرائيلي يصدق بقراءة تمهيدية على تشكيل لجنة تحقيق سياسية في أحداث 7 أكتوبر    هذا هو موعد ومكان عزاء الفنان الراحل طارق الأمير    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    اليمن يدعو مجلس الأمن للضغط على الحوثيين للإفراج عن موظفين أمميين    الصحة تواصل العمل على تقليل ساعات الانتظار في الرعايات والحضانات والطوارئ وخدمات 137    غدا.. استكمال محاكمة والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته فى الإسماعيلية    جامعة قناة السويس تعلن أسماء الفائزين بجائزة الأبحاث العلمية الموجهة لخدمة المجتمع    وزير خارجية تركيا يبحث مع حماس المرحلة الثانية من خطة غزة    أمم أفريقيا 2025| شوط أول سلبي بين بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    النائب محمد رزق: "حياة كريمة" نموذج للتنمية الشاملة والتحول الرقمي في مصر    إنفوجراف| العلاقات المصرية السودانية عقود من الشراكة في وجه الأزمات    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    تأجيل محاكمة عامل بتهمة قتل صديقه طعنًا في شبرا الخيمة للفحص النفسي    «أبناؤنا في أمان».. كيف نبني جسور التواصل بين المدرسة والأهل؟    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    وفاة أصغر أبناء موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب    محافظ الجيزة يتابع الاستعدادات النهائية لإطلاق القافلة الطبية المجانية إلى الواحات البحرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    ماريسكا: إستيفاو وديلاب جاهزان ل أستون فيلا.. وأشعر بالرضا عن المجموعة الحالية    "البحوث الزراعية" يحصد المركز الثاني في تصنيف «سيماجو» لعام 2025    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    ضياء السيد: إمام عاشور غير جاهز فنيا ومهند لاشين الأفضل أمام جنوب إفريقيا    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    وزير الصحة: قوة الأمم تقاس اليوم بعقولها المبدعة وقدراتها العلمية    وكيل صحة بني سويف يفاجئ وحدة بياض العرب الصحية ويشدد على معايير الجودة    محمد إمام يكشف كواليس مشهد عرضه للخطر في «الكينج»    القومي للطفولة والأمومة يناقش تعزيز حماية الأطفال من العنف والتحرش    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    بني سويف.. مصرع شخصين وإصابة 6 آخرين إثر تصادم تروسيكل مع سيارة نقل بطريق جرزا الواسطى    كانت بتزور جدتها.. محامي طالبة طب فاقوس بالشرقية ينفي صلتها بخلافات الميراث    بوتين يرفض أى خطط لتقسيم سوريا والانتهاكات الإسرائيلية    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين يفيض الحنين!
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 07 - 2010

فى السفر سبع منافع.. قالوا. لكن من جرب السفر يعرف أن له أكثر من ذلك بكثير. تبعد فتقترب. هذه هى المعادلة.. وتبعد أيضا فترى أكثر وضوحا، وتسافر لتبقى هنا.. وترحل لتملأ مخزون الذاكرة بصور متعددة تجدها طازجة دائما.. كما أنك تسافر لتحلم أو لتعيش أو لتستنشق عطر زهرة لم تعرفها أو تر شجرة ذات غصون خضراء غابت عن مكانك هى ولونها.. تسافر لأنك تحن للنخلة والنحلة والعصفور المرفرف بأجنحة الطيف.
تسافر لأن السفر يخلق مساحات للخيال ويمحى أيضا مساحات أخرى كنت قد تخيلتها خطأ. ترسم صورة للهناك، للآخر، لشوارع وطرقات متفرعة ومبانٍ تحمل لونا موحدا وأحيانا ألوانا متقاربة. كم هو جميل التناغم فى الاصفطاف سواء للبشر أو الحجر. لمسارح ومقاهٍ لا تتعطر بتبغ الشيشة بل بروائح الأجساد المنتشية بعطورات هى عصارة مئات الأزهار.
رحيقها يسقى مصانع عطور فى باريس وروما، والآن حتى فى عواصم كانت حتى وقت قريب تعشق الروائح المستوردة، ثم عادت لقديمها بين المسك والعنبر. خلطة تسكن كف فتاة أو تختبئ خلف أذنها فينتشر العطر الجميل فيما الكل يبحث عن سر المكان.
السفر والحلم كثير ما يتقاطعان. تحلم فتسافر أو ربما تسافر لتتعلم فن الحلم بعد أن أصبح خارج الكوابيس وأثناء ساعات النوم المختزلة حراما، وربما شيئا من المنكر.
تسافر لتعيد صياغة التاريخ والجغرافيا التى تعلمتها من كتب تحمل طبقات من غبار الزمن السحيق. تفسخ عقدك مع تلك الكتب وتعود لتنبش الماضى العريق بنفسك. تتلامس مع تقاطعات الحضارات.. هنا طريق العطور وهناك طريق التوابل وبعدها طرق ومدارات.
أما الجغرافيا فتعاينها بنفسك تجلس عند حدود كانت. تحبس أنفاسك لتلتقط صورة تعيدها معك فى ملف يزدحم بالصور والمشاهد هى زادك عندما يفيض بك الحنين.
تعيد التاريخ والجغرافيا فى ألبوم صور. تحاول أن تحافظ عليه. تحمله حيث ترحل. لا تتركه يبتعد لكأن فى ذلك ضياع للحظات سرقت من زحمة الأيام المتلاطمة.
فى السفر سرقة للنفس من اكتظاظ الزمن أو هى قفزة فى الهواء لقطف منال قد نطاله وقد نفشل. عزاؤنا أننا حاولنا كما علمنا صلاح جاهين «أنا اللى بالأمر المحال اغتوى.. شفت القمر.. نطيت لفوق فى الهوا.. طلته.. ما طلتوش.. إيه أنا يهمنى وليه.. مدام بالنشوى قلبى ارتوى.. عجبى»!! ولكل تفسيره لكلمات شاعرنا الجميل ذاك الذى عجب من الكثير. هو الذى جعل للمفردة معانى عدة وأعاد لها مكانتها بين الكلمات المبعثرة فى قواميس اللغات.
بعضهم يخشى القفز، يتهيأ، يتحفز، لكنه يقع فى حفرة خوفه إلا أننا لا نزال نعيد تكرارها كلما قال حاولت ولم «أطل».. فتعيد الجوقة التكرار «لك شرف المحاولة»!
ينتشى القلب بمجرد المحاولة التى نخزنها بين أضلعنا. نحفظها هناك فى المساحة الخاصة جدا بعيدا عن نظر المتطفلين والحاسدين والمتوجسين والباحثين عن قصص لتسلية جلسات الشاى العصرية يمررنها بين رشفة وأخرى فينتشى الجو بحبور وضحك زائف!
هو السفر ذو الفوائد السبع، وأهمها اشتياق للاشتياق. تخزين لطاقة تساهم فى تظليل الأيام القاسية ببردها وحرها. القسوة ليست فقط فى قيظ الصيف بل أيضا فى صقيع ليل الشتاء وظلمته الموحشة.
ترحل عن المكان إلى المكان.. تتخفف من كل الأحمال الثقيلة على الجسد أو النفس أو الذاكرة. تتخلص من بعض ماضٍ، تقوم بجردة أخيرة على الذكريات. تغسل بماء زهر الياسمين الدماغ. تلف الياسمينة حول الياسمينة وبينهما تغرس فله تحضنها بخيط رفيع لتلتصقا هذه بتلك كل منها تمنح بعضا منها للأخرى. أليس الواحد للكل والكل للواحد وفق مبدأ العدل الأول وربما الحب الأول أيضا؟!
فى السفر لا تسمع إلا العصافير، لا يحاصرك إلا الحمام ولا تستنشق الا الياسمين. ربما لأنه الهناك، لأنه المؤقت الجميل!
عند الرحيل يعود الهدوء المتعب يسكننا. صمت مريب يسود صمت مشاغب. نشتاق إلى صخب الهناك المريح. نتحسس نشوى الارتحال وجلد الحقائب المسافرة. كم منا يحمل فى حقائبه أحلى عمره وأحيانا.. وطنه!
إن تسافر حتى ولو على بعد خطوات فضائيه من مكانك، يعنى أن تتنفس، تتجدد، تتعولم وتتعلم، أن المدن بساكنيها لا بحجارتها وطينها.. يعنى أن تغسل روحك بماء الزعفران وقليل من رحيق الورد وعبق الود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.