يمكن القول إنه على الرغم من أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق يتسحاق شامير ارتكب خطأ عندما لم يستغل الفرصة الذهبية التى سنحت له فى أثناء ولايته فى بداية تسعينيات القرن العشرين الفائت من أجل إقرار ترتيبات سياسية تعزز الاستقرار الإقليمى، فإن تمسكه باستمرار الوضع القائم كان مبررا، وذلك فى ضوء المكانة الدولية القوية التى كانت إسرائيل تحظى بها فى إثر انهيار الاتحاد السوفييتى وتحول الولاياتالمتحدة إلى دولة عظمى وحيدة، وكذلك فى ضوء فقدان أعداء إسرائيل القدرة على مهاجمتها عسكريا. غير أن الوضع الآن يبدو مختلفا تماما ومع ذلك، فإن بعض المقربين من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مازال يحن إلى شامير، ويتطلع إلى تكرار النجاح المحدود الذى حققه فى حينه، وكان فحواه عدم تقديم تنازلات والمراوحة فى المكان وكسب الوقت. كما أن هذا البعض يتطلع إلى عدم التورط فى مغامرة سياسية على غرار مغامرات كل مدن رؤساء الحكومة السابقين يتسحاق رابين وإيهود باراك وإيهود أولمرت، وإنما إلى بناء الوطن القومى من الداخل بصبر ونفس طويل. لكن إذا كان نتنياهو يفكر، بصورة جادة، فى أن يكرر خيار شامير، فإن ما يتعين عليه فعله هو أن يفكر فى الأمر مرارا وتكرارا، ذلك بأن الأوضاع لم تعد كما كانت عليه، والغرب والعالم لم يعودا مثلما كانا عليه، فضلا عن أن الواقع فى سنة 2010 بات أقسى بما لا يقاس من الواقع فى سنة 1990. ففى سنة 1990 كان فى إمكان إسرائيل ضرب أى نقطة فى الشرق الأوسط فى أى لحظة ممكنة لكن فى سنة 2010 أصبح فى إمكان أعداء إسرائيل ضرب أى نقطة فى دولة إسرائيل فى أى لحظة ممكنة. فحركة «حماس» قادرة على قصف وسط تل أبيب بعشرات الصواريخ الإيرانية التى يبلغ مدى كل منها 75 كيلومترا والمزود برءوس حربية تبلغ زنة كل منها 150 كيلوجراما، كما أن حزب الله قادر على ضرب وسط إسرائيل بمئات الصواريخ وبضعة صواريخ سكود تصل زنة كل رأس حربية منها إلى نصفط طن، ولدى كل من سوريا وإيران قدرات صاروخية هائلة. وفى سنة 1990 كانت الحلبة الشرق أوسطية مستقرة، وأمكن احتواء حربين فى الخليج وانتفاضتين فلسطينيتين، والسبب هو أن الولاياتالمتحدة كانت سيدة العالم، الأمر الذى مكنها من تشكيل وقيادة تحالف إقليمى معتدل وقوى ضمن استقرارا إستراتيجيا، لكن الحلبة الشرق الأوسطية فى سنة 2010 ليست مستقرة والولاياتالمتحدة آخذة فى التراجع وإيران تحاول الحلول محلها كدولة إقليمية عظمى وقائدة فى الوقت نفسه فإن القوى التى تقوض الاستقرار الإقليمى آخذة فى الصعود، فى حين أن القوى التى تضمن الاستقرار هى فى حالة حرجة. إن الصورة واضحة للغاية نافذة الفرص التاريخية التى فتحت فى إبان فترة شامير والتى تستغنل من جانبه آخذة فى الانغلاق، الأعوام العشرون السمان فى الشرق الأوسط تقترب من نهايتها، إسرائيل باتت الآن مهددة من الناحيتين العسكرية والسياسية كما لم تكن مهددة منذ انهيار الاتحاد السوفييتى وفى حال استمرار الأوضاع الحالية فإنها ستسفر عاجلا أم آجلا عن انفجار كبير. فى المقابل، فإن الاستنتاج واضح أيضا نتنياهو لا يملك خيار شامير، ولا خيار وضع قائم «status quo» يمكن الاستناد إليه وفى حال انعدام مبادرة سياسية إسرائيلية تكبح الاتجاهات الحالية فإن السقوط حتمى لا محالة وإذا لم يتحول بنيامين نتنياهو إلى رئيس حكومة مثل مناحم بيجن الذى توصل إلى اتفاق سلام مع مصر، فإنه سيصبح مثل جولدا مائير رئيس الحكومة الأسبق التى اندلعت حرب أكتوبر 1973 فى أثناء ولايتها.