توقفت عجلة المنتخب الألماني عن الدوران في دور الأربعة للمرة الثانية على التوالي بالخسارة أمام اسبانيا في الدور نصف النهائي من نهائيات كأس العالم لكرة القدم المقامة حاليا في جنوب إفريقيا، لكن النسخة التاسعة عشرة من العرس العالمي هي بلا شك نقطة تحول في كرة القدم الألمانية التي ينتظرها مستقبل مشرق بجيل موهوب وطموح وواعد. بعد مرور 4 أعوام على إنهائه النسخة الثامنة عشرة التي استضافتها عام 2006 في المركز الثالث بفوزه على البرتغال بعدما كان خسر في دور الأربعة أمام ايطاليا بعد التمديد، فشل المانشافت في الأمتار الأخيرة أمام منتخب اسباني رائع دافع عن سمعته بطلا للقارة العجوز وحجز بطاقته الى النهائي الأول في تاريخه. لكن لن يجرؤ أحد في ألمانيا او الاتحاد الألماني على اعتبار خروج الألمان من دور الاربعة في المونديال الإفريقي بمثابة فشل او يطلب رأس المدرب خواكيم لوف، لان الأخير نجح في اول بطولة عالمية في مسيرته الاحترافية في قيادة المانشافت الى تقديم احد أفضل العروض في تاريخه مشاركاته في الإعراس العالمية بمنتخب شاب ابلى البلاء الحسن منذ البداية وحتى دور الأربعة على الرغم من غياب قائده الفذ ميكايل بالاك بسبب الإصابة. حتى ان القيصر فرانتس بكنباور اشاد بمنتخب بلاده قائلا "لم نلعب ابدا بهذه الطريقة!. الطريقة التي يلعبون بها وأسلوب لعبهم رائعين. الجميع يتحرك ويطلب الكرة، المنتخب يملك روحا معنوية رائعة... لا أحد في ألمانيا كان يتوقع أن يراهم يلعبون بشكل جيد جدا. اللاعبون يستحقون ما يحققونه". وأضاف بكنباور المتوج بطلا للعالم مرتين كقائد عام 1974 وكمدرب عام 1990: "يجب العودة الى 20 عاما خلت لرؤية منتخب الماني قوي ويلعب بهذا الشكل وذلك عندما فزنا بكأس العالم عام 1990". وتابع "ليس لدينا لاعبين مثل بيليه، ولكن الروح القتالية والثقافة التكتيكية، وكذلك القدرة على التركيز بأقصى حد ممكن في نهائيات كأس العالم، حيث نبلغ على الأقل ربع النهائي منذ 1954، وأخيرا الروح المعنوية للفريق". صحيح، لم يكن أشد المتفائلين بالمنتخب الالماني يتوقع هذا الظهور الرائع للمانشافت في مونديال جنوب افريقيا او حتى نجاح مدربه الذي واجه مشاكل جمة قبل انطلاق النهائيات بسبب سيل من الإصابات التي تعرضت لها الركائز الأساسية بدء من بالاك ورينيه ادلر وهايكو فيسترمان وكريستيان تراش، لكن لوف (50 عاما) راهن على فلسفته المرتكزة على اللعب الجماعي واضفى عليها الأسلوب الهجومي مستغلا فنيات لاعبيه الشباب توماس مولر ولوكاس بودولسكي وباستيان شفاينشتايجر ومسعود اوزيل وسامي خضيرة، وذلك على غير عادة الالمان الذين يمتازون بالواقعية. كشر الألمان عن أنيابهم منذ المباراة الأولى بفوز ساحق على استراليا برباعية نظيفة، وعلى الرغم من الخسارة امام صربيا صفر-1 في الجولة الثانية الا ان النتيجة لا تعكس سيطرة الالمان على المجريات واكدوا ذلك امام غانا في الجولة الثالثة الأخيرة وحجزوا بطاقتهم الى الدور الثاني. لقن الالمان نظراءهم التقليديين الانجليز درسا في فنون اللعبة بالفوز على نجومهم واين روني وستيفن جيرارد وجون تيري وفرانك لامبارد 4-1، وأضافوا الأرجنتين وأسطورتها دييجو ارماندو مارادونا وأفضل لاعب في العالم ليونيل ميسي الى قائمة ضحاياهم في ربع النهائي برباعية ايضا لكنها كانت نظيفة، قبل ان تفرملهم اسبانيا في دور الأربعة على غرار ما فعلت أمامهم في نهائي كأس أوروبا 2008 عندما تغلبت عليهم بهدف وحيد أيضا وأحرزت لقبها الثاني في مسيرتها والأول منذ عام 1964. لكن الجيل الالماني الحالي يملك مستقبلا زاهرا ومشرقا وسيقول كلمته سواء على المدى القصير في خلال بطولة كأس أوروبا المقررة في بولندا واوكرانيا بعد عامين (2012) او البعيد في النسخة العشرين من كأس العالم في البرازيل عام 2014. وعلق لوف على مشوار المانشافت عقب الخسارة قائلا "أنا مدرب لا يركز على النتائج والترتيب. يمكن أن نكون سعداء جدا بالعروض التي قدمناها في هذه البطولة خصوصا أسلوب لعبنا". وأضاف "بالتأكيد نشعر بالاستياء لخروجنا من دور الأربعة، لكن تهانينا الى المنتخب الاسباني لانه لعب بطريقة جيدة جدا (امس). انه أفضل منتخب منذ عامين او ثلاثة اعوام، انه الاقوى. سيطر على مجريات المباراة وحرمونا من فرض أسلوب لعبنا على غرار مباراتينا الأخيرتين. من الصعب أمام هذا المنتخب الرائع الذي يلعب بطريقة جيدة ويمرر الكرات بين لاعبين بأريحية كبيرة". وتابع "لقد فازوا بكأس اوروبا 2008 بطريقة رائعة وانا متأكد بأنهم سيتوجون ابطالا للعالم. انهم لاعبو ريال مدريد وبرشلونة، تشافي وانييستا لاعبان من الطراز الرفيع". "هذا المنتخب الشاب اكتسب الكثير من الخبرة، وهذا مهم جدا لهؤلاء الشباب في الاستحقاقات المقبلة" هذا ما قاله هداف المنتخب ميروسلاف كلوزه الذي يحتاج الى هدف واحد لمعادلة الرقم القياسي في عدد الأهداف المسجلة في النهائيات والموجود بحوزة البرازيل رونالدو (15 هدفا). وقال أوليفر بيرهوف المهاجم الدولي السابق ومدير المنتخب الحالي: "بالنسبة للاعبين الذين خاضوا نهائيات 2006 والشبان، كنا نملك أملا كبيرا، اعتقدنا بحظوظنا حتى النهاية. أسبانيا كانت ببساطة الفريق الأفضل (امس). لم ننجح بفرض طريقة لعبنا في هذه المباراة. رغم ذلك، نحن راضون كثيرا عن الشبان، ولو أننا تلقينا خسارة اليوم، أنا متأكد اذا نظرنا الى الوراء، سنشعر بكثير من الفخر مما قدمناه في هذا المونديال". ووسط هذا التفاؤل يسود غموض كبير المعسكر الألماني وتحديدا عقد مدربه لوف الذي انتهى في 30 يونيو الماضي. "جوجي"، وهو لقب لوف، في موقف قوي للتفاوض على عقد جديد. ولكن لا شيء يوحي بانه سيجدد عقده لمدة سنتين أخريين لانه لم يهضم حتى الان رفض الاتحاد الالماني القيام بذلك في يناير الماضي بسبب خلافات مالية ادت الى تأجيل المفاوضات الى ما بعد المونديال. ورفض لوف أمس تأكيد بقائه على رأس الجهاز الفني لمنتخب المانيا بعد نهائيات كأس العالم، وقال "في ما يتعلق بمصيري سنناقش الامر بعد البطولة". لكنه اضاف ملمحا الى امكانية عدم الاستمرار في منصبه وامكانية التعاقد مع مدرب جديد وذلك للمرة الاولى بقوله "هذا المنتخب سيواصل تطوره مهما كانت هوية المدرب، انه مستمر في عملية التطور". ويعتبر لوف افضل مدرب في تاريخ المنتخب الالماني من حيث معدل الانتصارات حيث فاز فريقه باشرافه في 38 مباراة من اصل 55، وبلغ بقيادته نهائي كأس اوروبا عام 2008 وخسره امام اسبانيا صفر-1، ونصف نهائي مونديال جنوب افريقيا 2010 وسقط امام المنتخب ذاته بالنتيجة ذاتها. ويطالب لوف بتوسيع مهامه والإشراف على منتخب الشباب من جهة ودفع منح إضافية لمعاونيه قبل التوقيع على العقد الجديد. وكان لوف (50 عاما) تولى المهمة خلفا للمهاجم الدولي السابق يورجن كلينسمان بعد نهائيات مونديال 2006 في المانيا حيث كان يعمل مساعدا له، وقد تم جديد عقده للمرة الأولى بعد كأس أوروبا 2008 حتى نهاية مونديال 2010 في جنوب إفريقيا.