مازال الحزن يسيطر على وسائل الإعلام الألمانية بعدما ودع منتخب ألمانيا منافسات بطولة كأس العالم بهزيمته صفر/1 أمام نظيره الإسبانى، ولكنها مع ذلك أبدت تفاؤلها بمستقبل الفريق. ورغم البطولة الكبيرة التى قدمها منتخب ألمانيا فى مونديال 2010 فقد عرفت الماكينات حدودها أمام المنتخب الإسبانى الساحر. وكتبت صحيفة «بيلد» فى عنوان صفحتها الرئيسية: «انتهى الحلم.. نجاح باهر، كم هم جيدون هؤلاء الإسبان، ولكننا مازلنا فخورين بلاعبينا». وأضافت الصحيفة: «سنحرز اللقب بعد أربعة أعوام أخرى.. هذا الفريق اليافع ينتظره مستقبل باهر، ولن تغير هزيمتهم فى مباراة واحدة من الأمر شيئا. بل على العكس، فمن الممكن أن تتعلم الكثير من مثل هذه الهزائم المريرة». وبرز نجم عدد من اللاعبين الشباب مثل توماس مولر ومسعود أوزيل وسامى خضيرة، أما لوكاس بودولسكى وميروسلاف كلوزه فقد عادا إلى مستواهما السابق الذى افتقداه طوال الموسم الماضى، بينما أطلق المدرب الألمانى يواكيم لوف على لاعب خط الوسط باستيان شفاينشتايجر لقب «قلب ومحرك» الفريق. ولكن كل هذا لم يؤثر كثيرا أمام إسبانيا التى تفوقت على المنتخب الألمانى المضطرب لتفوز 1/ صفر، كما فعلت من قبل فى نهائى بطولة الأمم الأوروبية يورو 2008. وكتبت مجلة «كيكر» الرياضية: «كان يجب أن يدرك لاعبون أمثال خضيرة وأوزيل أن الطريق مازال طويلا أمامهم للوصول إلى العالمية، فقد استغلوا الضعف الخططى فى فريقى إنجلترا والأرجنتين ولكنهم كانوا أقل مستوى بكثير من الإسبان الأكثر مهارة وخبرة». وأضافت المجلة: «ولكن يكفيهم عزاء أنهم قدموا أفضل عروض فى جنوب أفريقيا لفترة طويلة.. وما يتبقى الآن هو الأمل فى مستقبل باهر لهذا المنتخب». ورغم أن ألمانيا مازال أمامها مباراة أخرى بكأس العالم الحالية عندما تلتقى أوروجواى فى مباراة تحديد المركز الثالث، فقد عادت البلاد إلى حياتها الطبيعية بعد أسابيع من الفرحة الهستيرية. وعادت غالبية مئات الآلاف من الجماهير الألمانية فى هدوء تام إلى ديارها فى ليلة صيف دافئة بعدما نشر السكون خيوطه على أرجاء البلاد بعدما كانت تنهى لياليها السابقة من مباريات المونديال فى الاحتفال بفرحة وفخر. أما السؤال الذى يبقى مطروحا الآن هو ما إذا كان مدرب الفريق يواكيم لوف سيبقى فى منصبه أم سيرحل؟، وهو القرار الذى يعتزم المدرب الألمانى اتخاذه بعد عودته إلى بلاده. وبما أن «لوف» نفسه هو من صنع هذا الفريق فلا شك أن ألمانيا كلها سترغب فى بقائه. ولكن هناك سؤال آخر حول مايكل بالاك، وهل سيعود إلى منتخب ألمانيا من جديد أم لا؟ وهل إذا حدث سيستعيد شارة القيادة من جديد؟ وكان فيليب لام قد أصبح قائد ألمانيا الجديد خلال كأس العالم، وأعلن اللاعب هذا الأسبوع أنه يريد الاحتفاظ بشارة القيادة. وتساءلت «بيلد»: «هل تحتاج ألمانيا إلى خبرة بالاك فى مباراة مثل مباراة إسبانيا.. الواقع أننا خسرنا فى 2008 أيضا عندما كان بالاك بالفريق. ولكن هناك حقيقة أخرى، وهى أن منتخب ألمانيا مازال يتسع لبالاك وهو فى قمة مستواه». وإذا كانت عجلة المنتخب الألمانى قد توقفت عن الدوران للمرة الثانية على التوالى بالخسارة أمام إسبانيا فى الدور نصفى النهائى، لكن النسخة التاسعة عشرة من العرس العالمى هى بلا شك نقطة تحول فى كرة القدم الألمانية التى ينتظرها مستقبل مشرق بجيل موهوب وطموح وواعد. بعد مرور 4 أعوام على إنهائه النسخة الثامنة عشرة التى استضافتها عام 2006 فى المركز الثالث بفوزه على البرتغال بعدما كان خسر فى دور الأربعة أمام إيطاليا بعد التمديد، فشل المانشافت فى الأمتار الأخيرة أمام منتخب إسبانى رائع دافع عن سمعته بطلاً للقارة العجوز، وحجز بطاقته إلى النهائى الأول فى تاريخه. لكن لن يجرؤ أحد فى ألمانيا أو الاتحاد الألمانى على اعتبار خروج الألمان من دور الأربعة فى المونديال الأفريقى بمثابة فشل أو يطلب رأس المدرب يواكيم لوف، لأن الأخير نجح فى أول بطولة عالمية فى مسيرته الاحترافية فى قيادة المانشافت إلى تقديم أحد أفضل العروض فى تاريخ مشاركاته فى الأعراس العالمية بمنتخب شاب أبلى البلاء الحسن منذ البداية وحتى دور الأربعة على الرغم من غياب قائده مايكايل بالاك بسبب الإصابة. حتى إن القيصر بيكنباور أشاد بمنتخب بلاده قائلا «لم نلعب أبدا بهذه الطريقة!. الطريقة التى يلعبون بها وأسلوب لعبهم رائعان. الجميع يتحرك ويطلب الكرة، المنتخب يملك روحا معنوية رائعة.. لا أحد فى ألمانيا كان يتوقع أن يراهم يلعبون بشكل جيد جدا. اللاعبون يستحقون ما يحققونه». وأضاف بيكنباور، المتوج بطلا للعالم مرتين كقائد عام 1974 وكمدرب عام 1990: «يجب العودة إلى 20 عاما خلت لرؤية منتخب ألمانى قوى، ويلعب بهذا الشكل، وذلك عندما فزنا بكأس العالم عام 1990». وتابع: «ليس لدينا لاعبون مثل بيليه، ولكن الروح القتالية والثقافة التكتيكية، وكذلك القدرة على التركيز بأقصى حد ممكن فى نهائيات كأس العالم، حيث نبلغ على الأقل ربع النهائى منذ 1954، وأخيرا الروح المعنوية للفريق». صحيح، لم يكن أشد المتفائلين بالمنتخب الألمانى يتوقع هذا الظهور الرائع للمانشافت فى مونديال جنوب أفريقيا أو حتى نجاح مدربه الذى واجه مشاكل جمة قبل انطلاق النهائيات، بسبب سيل من الإصابات التى تعرضت لها الركائز الأساسية بدءاً من بالاك ورينيه إدلر وهايكو فيسترمان وكريستيان تراش، لكن لوف (50 عاما) راهن على فلسفته المرتكزة على اللعب الجماعى وأضفى عليها الأسلوب الهجومى مستغلا فنيات لاعبيه الشباب توماس مولر ولوكاس بودولسكى وباستيان شفاينشتايجر ومسعود أوزيل: وسامى خضيرة، وذلك على غير عادة الألمان الذين يمتازون بالواقعية. كشر الألمان عن أنيابهم منذ المباراة الأولى بفوز ساحق على أستراليا برباعية نظيفة، وعلى الرغم من الخسارة أمام صربيا صفر/1 فى الجولة الثانية فإن النتيجة لا تعكس سيطرة الألمان على المجريات وأكدوا ذلك أمام غانا فى الجولة الثالثة الأخيرة، وحجزوا بطاقتهم إلى الدور الثانى. لقن الألمان نظراءهم التقليديين الإنجليز درسا فى فنون اللعبة بالفوز على نجومهم واين رونى وستيفن جيرارد وجون تييرى وفرانك لامبارد 4/1، وأضافوا الأرجنتين وأسطورتها دييجو أرماندو مارادونا وأفضل لاعب فى العالم ليونيل ميسى إلى قائمة ضحاياهم فى ربع النهائى برباعية أيضا لكنها كانت نظيفة، قبل أن تفرملهم إسبانيا فى دور الأربعة على غرار ما فعلته أمامهم فى نهائى كأس أوروبا 2008 عندما تغلبت عليهم بهدف وحيد أيضا، وأحرزت لقبها الثانى فى مسيرتها والأول منذ عام 1964. لكن الجيل الألمانى الحالى يملك مستقبلا زاهرا ومشرقا وسيقول كلمته سواء على المدى القصير فى خلال بطولة كأس أوروبا المقررة فى بولندا وأوكرانيا بعد عامين (2012) أو البعيد فى النسخة العشرين من كأس العالم فى البرازيل عام 2014.