جهازا مدينتي بدر و6 أكتوبر يزيلان عدة مخالفات بناء بالتعاون مع الشرطة    وزارة الصناعة استمرار فتح باب التقدم والحجز إلكترونيًا عبر منصة مصر الصناعية الرقمية حتى 15 يونيو 2025 لعدد 1800 قطعة أرض صناعية    وزير الخارجية يلتقى اتصالًا من نظيره القبرصي    إذاعة الجيش الإسرائيلي: العثور على جثة يُرجح أنها تعود للمسؤول العسكري البارز في حماس محمد السنوار جنوبي غزة    بعد ساعات من تريلر 7Dogs.. رسالة ليسرا وإعلان لزيزو    خلال جولة مفاجئة بمجمع مستشفيات أشمون..وكيل الصحة بالمنوفية يشيد بجهود الفرق الطبية    كأس العالم للأندية.. حسين الشحات: الأهلي ليس غريبًا على المونديال وهدفنا الذهاب بعيدًا    صندوق مكافحة الإدمان ينفذ أنشطة توعوية للأطفال والشباب في الحدائق العامة والمناطق المطورة خلال عيد الأضحى    حجاج الجمعيات الأهلية يؤدون رمي الجمرات في أول أيام التشريق وسط تنظيم دقيق    وفاة 4 أشخاص جراء حريق كبير اندلع بسبب سكوتر كهربائي في فرنسا    محافظ الجيزة: ذبح 2202 أضحية للمواطنين بالمجازر خلال اليوم الأول والثاني لعيد الأضحى    زعيم حزب الديمقراطيين الإسرائيلي يدعو لإعادة المحتجزين فورًا من غزة    زلزال يضرب إيران بقوة 4.3 على مقياس ريختر    مصادر: الحكومة اللبنانية كانت على علم ببناء حزب الله مسيرات قبل أسبوع من الضربة الإسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية    لليوم الثاني.. 39 مجزر يستقبل الأضاحي في مراكز المنيا    عواد: أنا وصبحي نخدم الزمالك.. وسيناريو ركلات الترجيح كان متفقا عليه    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    خالد الغندور: 14 لاعبا سيرحلون عن الزمالك    تفعيل مخالفة مرورية رادعة.. النقل تناشد المواطنين بعدم استخدام حارة الأتوبيس الترددى على الدائري    السيسي يقود أحدث إنجازات الدولة في تطوير التعليم الجامعي    وزير الري يتابع الموقف المائي خلال إجازة عيد الأضحى    وزارة الداخلية تحتفل بعيد الأضحى مع الأطفال الأيتام وتقدم لهم الهدايا والفقرات الترفيهية    إصابة 8 أشخاص نتيجة انقلاب «ميكروباص» بطريق أسيوط- الفيوم الغربي    الخلاصة.. أهم أسئلة علم النفس والاجتماع لطلاب الثانوية العامة    مات فيها شاب.. تفاصيل "خناقة بالسلاح" بين عائلتين في حلوان    في ميت يعيش الكل يفرح    آخر تطورات الحالة الصحية لنجل الفنان تامر حسني    الكويت ترحب بقرار منظمة العمل الدولية منح فلسطين صفة دولة مراقب    الصحة: إصدار أكثر من مليون و417 ألف قرار علاج على نفقة الدولة بتكلفة تجاوزت ال10 مليارات جنيه خلال 5 أشهر    البنات والستات.. والشيشة    الرعاية الصحية: مستمرون في تقديم خدمات آمنة ومتميزة خلال العيد    محافظ أسيوط يعلن عن تشغيل غرفة طوارئ بالتأمين الصحي خلال عيد الأضحى المبارك    دعاء يوم القر مستجاب للرزق والإنجاب والزواج.. ردده الآن    من الصداقة للعداء.. خلاف «ترامب» و«ماسك» يُسلط الضوء على التمويل الحكومي ل«تسلا» و«سبيس إكس»    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    محمد الشناوي: كنا نتمنى حصد دوري أبطال إفريقيا للمرة الثالثة على التوالي    استقرار الزيت والفول.. أسعار السلع الأساسية اليوم السبت بالأسواق    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    الأزهر للفتوى يوضح أعمال يوم الحادي عشر من ذي الحجة.. أول أيام التشريق    سعر الخضار والفواكه اليوم السبت 7-6-2025 في المنوفية.. الطماطم 10 جنيها    استقرار أسعار الذهب في مصر خلال ثاني أيام عيد الأضحى 2025 وسط ترقب الأسواق العالمية    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    مها الصغير عن تصدرها التريند: «السوشيال ميديا سامَّة»    ديانج ينضم إلى معسكر الأهلي في ميامي.. صور    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    محمد هانى: نعيش لحظات استثنائية.. والأهلي جاهز لكأس العالم للأندية (فيديو)    بعد تصدرها الترند بسبب انهيارها .. معلومات عن شيماء سعيد (تفاصيل)    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نفهمك الآن يا أميتاف
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 04 - 2009

فى كتابه «فى الأرض القديمة» يحكى الروائى الهندى الشهير أميتاف جوش تجربته فى العيش فى قرية مصرية بمحافظة البحيرة فى أواخر السبعينايت أثناء إعداده رسالة الدكتوراه فى الأنثروبولوجيا الاجتماعية والتى يقتضى منهجها المعايشة الكاملة للمجتمع المبحوث. والكتاب ليس فقط وثيقة أنثروبولوجية مهمة عن الريف المصرى فى فترة تحول فاصلة ولكنه أيضا نافذة على «حوار حضارات» من نوع خاص لا ينغصه الإطار الاستعمارى الذى ميز على سبيل المثال دراسات المستشرقين عن مصر.
يحكى أميتاف جوش عن حياته وسط الفلاحين المصريين وعن تجربته كباحث تحول إلى مبحوث. يسأله الفلاحون عن كل ما يتعلق بالهند. هل هناك فلاحون مثلهم فى الهند؟.. وماذا يزرعون؟.. ويعجبون من وجود زراعة مطرية هناك ويعجبون أكثر من قول الباحث إن فى الهند من هم أفقر من أفقر المصريين. تتكرر الأسئلة مع كل مقابلة جديدة ودائما ما يصل الحوار إلى النقطة الأكثر إثارة لدهشة الفلاحين والأكثر إرباكا للباحث وهى النقطة المتعلقة بهويته الدينية. هل أنت مسلم؟ لا. مسيحى؟.. لا. يهودى؟.. لا. وعندما يخبرهم بأنه هندوسى يواجه بالدهشة المستنكرة: أنتم الذين تعبدون البقر وتحرقون الموتى؟.. وعبثا يحاول أميتاف أن يشرح أن الأمر ليس كذلك تماما وأنها طقوس دينية يجب فهمها فى سياق معناها بالنسبة للمؤمنين بالديانة الهندوسية.
ويتكرر هذا المشهد على مدى إقامة أميتاف بالقرية، حتى كان يوم دعا فيه إلى عرس بالقرية وأجلسه مضيفه فى الغرفة الداخلية مع ضيوف الشرف الآخرين وكان أغلبهم من خارج القرية فأثار فضولهم هذا «الدكتور الهندى» كما كان يعرف بالقرية وأمطره المدعوون كالعادة بالأسئلة وكالعادة أيضا وصل الحديث إلى نقطة الطقوس الهندوسية. فى ذلك اليوم فقد أميتاف أعصابه وغادر المكان فى غضب. لحقه مضيفه «نبيل» متسائلا فى دهشة عما أغضبه ولما لم يلق إجابة قال له نبيل: «إنها مجرد أسئلة ولا يمكن لذلك أن يتسبب فى أى أذى. لماذا تنزعج هكذا من حديث الأبقار وحرق الموتى؟.. إنهم يسألونك كما تسأل أنت، بدافع الفضول لا أكثر ولا أقل».
وهنا يقول أميتاف فى أحلى مقاطع الكتاب: «كثيرا ما تمنيت لو كنت قد قصصت على نبيل حكاية». ثم يبدأ فى سرد قصة من طفولته حين كان فى الثامنة وكان أبوه دبلوماسيا فى دكا عاصمة بنجلاديش. فى أحد الليالى رأى أميتاف الطفل جموعا من النساء والرجال والأطفال يهرعون إلى داخل حديقة منزلهم بأعداد غفيرة للاحتماء داخل أسوارها العالية. وأمره أبوه ليلتها أن يبقى فى الغرفة العلوية ولا يغادرها أبدا. وبالطبع دفعه الفضول إلى مغادرة الغرفة والنظر من الشرفة ليجد جموعا من الناس يحملون المشاعل يحاصرون أسوار المنزل فى محاولة لاقتحامه. عرف أميتاف لاحقا أن المحاصرين كانوا من الأقلية الهندوسية وأن المهاجمين من المسلمين وأنه لولا تدخل أصدقاء والديه من المسلمين باتصالهم بالشرطة فى الوقت المناسب كانت الجموع الهائجة قد اقتحمت المنزل وأحرقتهم جميعا. وعرف أيضا لاحقا أنه فى نفس ذات الليلة كانت هناك أحداث عنف طائفى مماثلة تماما فى مدينة كلكتا لكن الفرق هناك أن المحاصرين كانوا من الأقلية المسلمة والمهاجمين من الأغلبية الهندوسية.
يحكى أميتاف عن بلاده حيث تقطع أوصال الرجال بسبب ارتداء المرء لزى دون آخر وتبقر بطون النساء لارتدائهن غطاء رأس دون آخر. ويحكى عن عجزه عن شرح ذلك لنبيل أو أى من الفلاحين المصريين فى القرية بسبب الهوة التى تفصل عالمه عن عالمهم، ويقول: «رغم الأحداث العاصفة والتقلبات التى شهدتها هذه البلاد (مصر) ورغم الحروب التى خاضوها فإن عالمهم كان أرق بمراحل وأقل عنفا بمراحل وأكثر إنسانية وبراءة بمراحل من عالمى. ولم يكن لدى أمل أن يفهموا سر ذعر الهندى من رموز التمييز».
لابد أن أميتاف حين عاش معنا منذ نحو ثلاثين عاما لم يخطر له أن الريف المصرى الذى وجد فيه ملاذا وجدانيا ومرجعا للدفء والإنسانية سوف يصبح مسرحا لمشهد الجموع ذات المشاعل والتى تحكم الطوق على عائلات من أقلية دينية لتحرقها، ذات المشهد الذى أرق طفولته وثبت فى وعيه أن الاختلاف الطائفى ليس مزحة.
حين كان أميتاف معنا كانت الهند أقل تقدما مما هى عليه الآن وكانت مصر أكثر رقة. الآن سبقت الهند مصر فى التنمية ولحقتها مصر فى الهوس الطائفى. ارتقت الهند درجات فى مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا (والديمقراطية طبعا) وارتقت مصر درجات فى سلم الفرز والتمييز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.