هل تعتبر قمة مجموعة العشرين للاقتصادات الكبرى التى انعقدت فى كندا مؤخرا، خطوة إلى الأمام باتجاه التعاون، أم خطوة إلى الخلف باتجاه التنازع؟ يبدو أن الإجابة تجمع بين الأمرين. إذ تقدم الدعوة إلى «خطة التعزيز المالى الموات للنمو» شيئا ما لكل الأطراف. ولكنها تفترض أمرا فى حاجة إلى إثباته، وهو أن التعزيز المالى السريع سوف يدعم النمو الآن، بدلا من أن يضعفه. ورغم ذلك، وبدلا من بحث النتائج على نحو تفصيلى، طرحت على نفسى سؤالا عريضا: إلى أين وصلنا؟ وعندما فعلت ذلك، وجدت نفسى أفكر فى لعبة الأطفال البريطانيين «تمرير لفافة الورق». وفى هذه اللعبة، تدور لفافة من الورق على هيئة طبقات تغطى كل منها الأخرى على المشاركين فى اللعبة إلى أن تتوقف الموسيقى. وعند ذلك، ينزع اللاعب الذى وصلت اللفافة إلى يده طبقة من الورق، وتبدأ اللعبة من جديد. والفائز هو الذى يفك طبقة الورق الأخيرة ويحصل على الجائزة التى تكون بداخلها. لكن لعبة تمرير لفافة الورق الخاصة بنا التى يلعبها البالغون أكثر تعقيدا؛ فهناك العديد من الألعاب التى تجرى معا فى الوقت نفسه، وهناك لفافات ورق متعددة، يحتوى بعضها على جوائز والبعض الآخر على عقوبات. ومن الأفضل أن يتم اللعب بشكل تعاونى، كما ورد فى ورقة صندوق النقد الدولى بشأن «عملية التقييم المتبادل لمجموعة العشرين» المقدمة إلى القمة. ولكن فعل ذلك أمر بالغ الصعوبة. فمع استخدام كلمات ملطفة للغاية نقول إن الأرجح هو الخروج بنتيجة لا تتسم بالتعاون. إليك أربعا من تلك الألعاب. تجرى الأولى داخل القطاع المالى، ويهدف كل لاعب فيها إلى ضمان انتهاء مطاف القروض الرديئة فى مكان آخر، بينما يحصل رسم على كل فرخ ورق يتم فكه على طول الطريق. وتدور اللعبة الثانية بين القطاع المالى وباقى القطاع الخاص، ويكون الهدف فيها بيع أكبر قدر ممكن من الخدمات إلى الأخير، مع ضمان أن ينتهى المطاف بالخسائر عند المستهلكين. وتدور اللعبة الثالثة بين القطاع المالى والدولة، ويتمثل هدفها فى ضمان أنه إذا خسرت كل الأطراف الأخرى، تنتهى تلك خسائر عند الدولة. وهكذا فعندما تنقذ الدولة القطاع المالى، يمكنه الربح من خلال قيام الدولة بتقليل عدد من يفلسون. وتجرى اللعبة الرابعة بين الدول. وهى تهدف إلى ضمان أن ينتهى المطاف بفائض العرض فى البلدان الأخرى. وتربح بلدان الفائض من خلال إفلاس القطاعين الخاص ثم العام على التوالى لدى الشركاء التجاريين. وربما يطلق على هذا «أفقر جيرانك، بينما تشعر إنك على خلق وأنت تفعل ذلك». إنها اللعبة التى تجيد ألمانيا لعبها فى منطقة اليورو. فما الذى يتعلق فى هذه الألعاب الأربع بقمة مجموعة العشرين؟ فى كلمة واحدة أقول إنه كل شىء. فقد نثرت اللعبة الأولى الأصول المسممة فى أنحاء النظام المالى. وتركت الثانية القطاع الخاص غير المصرفى محملا بالديون الزائدة مع التخفيض المالى. وأضرت الثالثة إلى حد كبير بالقطاع المالى للدول. فى حين ساعدت الرابعة على إحداث الأزمة وهى الآن عقبة فى سبيل الانتعاش. وقبل كل شىء، ترتبط كل هذه الألعاب ببعضها البعض، ولهذا لابد من تغييرها معا. وتفهم مجموعة العشرين هذا، ولكن إلى حد ما فحسب. وبالمعنى نفسه الذى يفترض أن تاليراند قاله بشأن البوربون، لم يتعلم واضعو السياسات شيئا ولم ينسوا شيئا، وليس آخر ذلك ما يتعلق بالجذور المالية الخفية للأزمة المالية الحالية. وفى أغلب الأحيان، تعالج المناقشة مسألة التعزيز المالى بشكل منعزل. ولكن هذا يعد خطأ فادحا. فالمهم ليس هو الدين العام فقط، ولكن جميع الديون. يظهر التقرير السنوى الأخير لبنك التسويات الدولية هذه النقطة بوضوح، حيث يوضح أن ثلاثا من دول العجز الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدةوإسبانيا بدت مواقفها بشأن الدين العام كأنها تخضع للسيطرة بشكل جيد، مادام دين القطاع العائلى يزداد بالنسبة إلى إجمالى الناتج المحلى. وفى حالة إسبانيا، تحسن وضع دين الحكومة بالقدر نفسه بشكل ثابت. وتعطى نسبة دين القطاع العائلى إلى الأصول المالية أيضا انطباعا جيدا مضللا بشأن مدى صحية الديون الضمنية. وعندئذ، وفى ظل الأزمة المالية وانفجار فقاعات الأصول، أصبح القطاع العائلى يتسم بالحد من الاعتماد على الائتمان والرفع المالى. يشبه الأمر انعكاس الصور فى المرآة: إذا أدار القطاع الخاص فوائض مالية (زيادة فى الدخل عن الانفاق)، لابد أن يكون هناك إما عجز مالى أو فائض فى الحساب الجارى (أو كلاهما). وكلما كان الفائض الخاص أكبر، لابد أن يكون العجز المالى أو فوائض الحساب الجارى أكبر. وفى المقابل، إذا ما اتجه العجز المالى إلى الانخفاض، لابد أن يزيد القطاع الخاص انفاقه بالنسبة إلى الدخل، أو لابد من تحسن الحساب الجارى. وبكل وضوح، لابد أن يحدث مع إنفاق أعلى، وليس مع دخول أكثر انخفاضا، خاصة بعد ركود عميق. ما علاقة هذا بقرارات مجموعة العشرين بشأن السياسات المالية؟ فى العام السابق على الأزمة المالية، كان لدى ثلاث مجموعات من الدول فوائض كبيرة فى الدخل عن الانفاق: قليل من البلدان الصناعية المتطورة، لا سيما ألمانيا واليابان والصين وقد شكلت فئة فى حد ذاتها وبعض مصدرى السلع. وفى الوقت نفسه، وفى ظل معاناة معظم اقتصادات الأسواق الناشئة عن الأزمة المالية، كان يجرى تعويض العجز من خلال عدد البلدان المتقدمة، خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ووسط وشرق أوروبا كذلك. وبعد ذلك، عندما انفكت الأزمة، تقلصت الفوائض لدى دول الفائض، بينما انهار الطلب الخارجى. ولكن الطلب الخارجى لديها كان مدعوما أيضا من خلال العجز المالى المرتفع، خاصة فى بلدان العجز: وهكذا، عوض الرفع المالى العام الخفض المالى الخاص جزئيا. والآن، ومع اللجوء إلى التضييق قسرا فى أطراف أوروبا وطوعا فى المناطق الأخرى، صار هناك مزيد من التقشف. وهناك اعتقاد واسع النطاق بأن يؤدى تخفيض النفقات هذا، من خلال تأثير الثقة، إلى زيادة نمو الإنفاق الخاص. ولكن كما أوضح التقرير السنوى لبنك التسويات الدولية، يميل التخفيض المالى إلى أن يكون أعمق وأطول أمدا فى اقتصادات ما بعد الأزمة. وعندما يتضرر مثل هذا الجزء المتسع من الاقتصاد العالمى، فمن المرجح أن يستمر الميراث السلبى مدة أطول. باختصار، ذهبت لفافة الأوراق التى تمثل فائض العرض من بلدان الفائض إلى القطاع الخاص فى بلدان العجز، ثم ذهبت، بعد الأزمة، إلى القطاع العام فى بلدان العجز أيضا. وبافتراض أن الكثير من بلدان العجز قام الآن بتخفيض النفقات، إلى أين يذهبون بعد ذلك؟ هذا أمر غير واضح، فربما يتم استيعاب الفوائض فى عجز خارجى أكبر فى عدد من البلدان الناشئة، بينما تسعى الأسواق المالية، تحت إغراء القدرة النسبية التى لدى تلك البلدان إلى الوفاء بديونها، إلى تحقيق ذلك؛ وربما، وهذا ما يخشاه مسئولو الولاياتالمتحدة، خاصة مع انتقال منطقة اليورو إلى الفائض الخارجى، إذ سينتهى الأمر بهذه الفوائض إلى عجز أكبر بالنسبة إلى العم سام العجوز الطيب. وربما تتقلص الفوائض، مع قيادة الصين للمسار. وربما تتبدد فى ركود عالمى يطول أمده. ومع ذلك، فمن الواضح تماما أن مناقشة الحاجة إلى تقليل العجز المالى على نحو منفرد لن تكون ناجحة. ولن يمكن تقليصه دون التخلص من المديونية المفرطة للقطاع الخاص المتضرر، أو تقليل الخلل فى التوازن الخارجى، أو كلاهما معا. إن اللعبة التى نلعبها مدمرة من الناحية الاقتصادية. وسوف نصبح على طريق الانتعاش، عندما نبدأ فى لعبة أفضل منها.