لا أحد يعرف على وجه اليقين تاريخ ميلاد أسطورة السينما العالمية «شارلى شابلن»، لكن الشىء الوحيد الذى يجمع عليه صناع السينما أن شابلن هو أول فنان يطلق عليه لقب «نجم» وتوضع صورته على أفيشات الأفلام لجذب الجمهور، بل والفنان الأول فى تاريخ السينما الذى يتقاضى الملايين عن أدواره. ويرجح الكثيرون يوم 16 أبريل 1889 تاريخا لميلاد السير تشارلى سبنسر شابلن، حيث يستعد العالم هذا الشهر للاحتفال بذكرى ميلاده ال120، وفى مصر ينظم مركز الثقافة السينمائية احتفالية خاصة بهذه المناسبة يعرض فيها أحد أهم أفلامه وهو «أضواء المدينة» الذى كتبه وأخرجه وقام ببطولته عام 1931. بدأ شابلن حياته طفلا بائسا لأب «سكير» يعمل بالمسرح ويستولى على ما تكسبه زوجته التى تشاركه العمل بالمسرح لينفقه على الخمر، بينما تحاول الأم المحافظة على تماسك الأسرة، ويتسبب مرضها المفاجئ فى وقوف شابلن لأول مرة على خشبة المسرح عندما كان فى السابعة من عمره، حيث فقدت والدته القدرة على النطق فخرج شابلن الطفل من الكواليس فى محاولة لإنقاذ الموقف بتأدية بعض المشاهد الارتجالية، ليبعد نظر الجمهور عن أمه، وحازت فقرته رضا الجمهور ومدير الفرقة معا. تطور الأمر بعد ذلك إلى إسناد أدوار صغيرة له فى عدة مسرحيات إلى أن أسند إليه دور رئيسى على يد المخرج وليام جيبلن فى مسرحية كوميدية بعنوان «كلاريس»، ثم ترك لندن بعد ذلك لأول مره عام 1910 بصحبة الفرقة على متن باخرة متهالكة إلى أمريكا، وتكررت الرحلة مرة أخرى بعد ثلاث سنوات ولكن هذه المرة على متن باخره أكثر رفاهية، وكانت بالفعل رحلة مختلفة. هذه المرة عرض عليه عقد للعمل مع ستوديو «كيستون»، وبهذا رسخ شابلن قدمه فى عالم السينما، وبدأت أفلامه فى الظهور تباعا بعدما انتقل إلى شركة «ماك سينت»، فظهرت أفلام «سباق سيارات الأطفال» و «الملاكم» ثم جاء عام 1915 بفيلمه العبقرى «المتشرد» الذى أبدع فيه شخصية «شالرو» المتشرد النبيل، صاحب البدلة المميزة والقبعة الشهيرة التى تلازم شابلن فى ذاكرة الجمهور حتى الآن. وساهمت تلك الشخصية فى ترسيخ قدم شابلن فى السينما لينال لقب «النجم»، ويكتب اسمه وتوضع صورته على الأفيش للمرة الأولى فى تاريخ السينما، فقبله لم يكن يوضع حتى اسم الممثل على الأفيش أو إعلان الفيلم، ولكن بعد ظهوره صارت تصنع له الدمى وتحرص شركات الإنتاج على الإشارة إلى أن شابلن يشارك فى الفيلم بجميع الطرق كى تضمن النجاح، كما صار الناس يهتمون لأول مره بأسماء الممثلين ويحفظونها. وفى عام 1917، عندما كان عمره 27 عاما، وقع شابلن عقدا مع شركة «فيرست ناشيونال» يحصل بمقتضاه على مليون دولار مقابل تقديم 8 أفلام خلال 18 شهرا، ليصبح أول النجوم الذين يتقاضون الملايين نظير عملهم الفنى، ووصل أجره عام 1923 إلى مليونى دولار سنويا بعد تعاونه مع شركة «يونايتد أرتيستس»، وعلق شابلن على ذلك فى مذكراته قائلا: «أصبحت النقود بالنسبة لى مجرد أرقام لم أستطع لمسها أو التعرف عليها أو وضعها فى حافظتى، كما كنت أحلم سابقا، فقط هى محشورة فى دفتر الشيكات بشكل غير مرئى». وكان شابلن من المعارضين لدخول الصوت إلى السينما فى البداية، لكنه رضخ بفعل التقدم الجارى حينها، وقدم أول أفلامه ممزوجا بالصوت وهو «الديكتاتور». اتهامه بالشيوعية قدم شابلن طوال تاريخه الفنى كوميديا جديدة بعيدة عن النمطية السائده آنذاك، فقدم أفلاما تنتقد الطبقات البرجوازية المتسلطة، كما قدم أفلاما عن الصعاليك وحياة التشرد، وبلغت قوة تأثيره أن صاحبت أفلامه بعض المظاهرات التى نظمها العمال والفقراء، وتطور الأمر إلى اتهامه بالشيوعية، خاصة بعد عرض فيلمه المثير للجدل «مسيو فيردو» عام 1947 المأخوذ عن مسرحية «عدو الشعب» للكاتب النرويجى هنريك أبسن. وساهم الفيلم فى اتهام لجنة «مكارثى» المناهضة للفكر الشيوعى آنذاك له باعتناق الشيوعية، وقامت وكالة المخابرات الأمريكية بوضعه تحت المراقبة، وجمعت ملفات عنه بلغ عدد صفحاتها نحو 1900 صفحة. وأجرت المخابرات معه تحقيقا مطولا انتهى بطرده من أمريكا عام 1952، ولشابلن تعليق شهير ردًا على طرده من أمريكا قال فيه: «لن أعود إلى أمريكا ولو علمت بوجود المسيح بها»، والطريف أنه عاد إلى أمريكا مجددا عام 1972 بعد تكريمة فى حفل الأوسكار. وقدم شابلن العديد من الأفلام المهمة بلغت 82 فيلما منها «حياة كلب»، «المهاجر»، «أضواء المدينة»، «السيرك»، «العصور الحديثة»، «سطوة الذهب». وانتهى المطاف به فى سويسرا، حيث استقر بها إلى أن توفى عام 1977 عن عمر ناهز 88 عاما تقريبا، وكان آخر أفلامه «كونتيسة هونج كونج»، وتم تأليف العديد من الكتب عنه فى مصر منها كتاب أصدره المخرج كامل التلمسانى بعنوان «عزيزى شارلى» عام 1958 وكتاب آخر بعنوان «هل أنت شيوعى يا مستر شابلن ؟» للكاتب رمسيس عوض صدر مؤخرا عن هيئة قصور الثقافة. ويذكر أن لشابلن العديد من الأقوال المأثورة الشهيرة منها: «الجوع لا ضمير له»، «نحن نفكر كثيرا، ونشعر قليلا»، «الديكتاتوريون يحررون أنفسهم، ولكنهم يستعبدون الناس»، «إنه من الشجاعة أن تجعل من نفسك أضحوكة»، «الحياة قد تصبح رائعة إذا تركك الناس وشأنك».