وصف الكاتب جدعون ليفي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن الإسرائيلي الذي يشعر بحب وطنه ليس شريرا، وإنما هو أعمى، ارتضى أن تقوم الدولة بغسيل مخ كامل له. وسخر ليفي من مفهوم الإسرائيلي "الوطني"، مشيرا إلى أن سلسلة الحملات التحريضية الإسرائيلية الأخيرة اتسمت بالنفاق والخداع، وأوضح أن حملات المقاطعة التي شنها الإسرائيليون "بوطنية" شملت كل شيء، فهي ضد تركيا والسويد ومحكمة العدل الدولية والمركز الإسرائيلي لمعلومات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بيتسليم" وصندوق دعم إسرائيل الجديد، والإعلام، والقاضي ريتشارد جولدستون والعالم نعوم تشومسكي والممثل إلفيس كوستيللو والنائبة حنين زعبي والرئيس الأمريكي باراك أوباما والعالم كله، إذا لزم الأمر. والإسرائيلي الوطني -في رأي ليفي- يحلم بالديمقراطية، لأنهم علموه في المدارس أن الديمقراطية "شيء جيد" وأنه ينبغي عليه - كإسرائيلي ووطني- أن يروج دائما لفكرة أن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. والإسرائيلي الوطني عادة راض عن الانتخابات وحكم الأغلبية، لأن الأغلبية في رأيه دائما على حق، وطالما تتخذ الأغلبية كل القرارات، فليذهب المعارضين والأقلية للجحيم. والإسرائيلي الوطني هو الذي يريد أن يفتح التلفزيون والصحف ليطلع على العالم من زاوية أن "كل شيء على ما يرام"، وإن لم يكن العالم رائعا، فيكفيه أن تكون إسرائيل كذلك. وهو لا يريد أن يقرأ من أعمدة الصحف، إلا تلك التي تهاجم العرب، وتقتل كل الأصوات المعارضة اليسارية و"كارهي إسرائيل"، وتندد بدعاة الإضراب في غزة، وتسحق حزب الله وإيران وتركيا دائما. وعلى الرغم من أن الإسرائيلي "الوطني" يحب السلام، فإنه يريد حربا كل سنتين أو ثلاث سنوات، ولا يهمه ما الذي حدث فعلا في أي واقعة، ولن يسأل لماذا أو كيف، لأنه لا يهتم كيف يرى العالم إسرائيل، هو في الغالب يعرف أن هذا العالم أصلا يكره إسرائيل. وأضاف ليفي أن الإسرائيلي "الحقيقي" لا يهتم بالأراضي الفلسطينية، ولا بمعرفة ما يحدث هناك، ولا يعنيه الفقراء أو المهمشين أو المطحونين. لكنه في نفس الوقت، يهرع إلى الصحف والتلفزيون ووسائل الإعلام كافة شاكيا وباكيا إذا شعر للحظة بالحرمان. والإسرائيلي الوطني يحب أن يكره محكمة العدل الدولية، ويحب أن يهاجمها، لكن في اللحظة التي يشعر فيها بأدنى مشكلة تواجهه، فإنه لا يتورع أن يرتمي في أحضان المحكمة ويشكو للعالم كله همه. والإسرائيلي الوطني هو الذي يريد أن يحب العالم إسرائيل حبا غير مشروط، لكنه في نفس الوقت يريد أن تتجاهل إسرائيل العالم بأكمله، بقوانينه وحدوده، لتفعل ما تشاء. وهو الذي يريد أن تعقد إسرائيل صفقة مع تركيا، بشرط أن تكون كلها في الصالح الإسرائيلي. وهو الذي يريد أن ينشر القنابل الفسفورية في غزة، ثم يصفق العالم له مكافأة على ما فعل، على اعتبار أن القنابل مجرد "أمطار بيضاء" لا ضرر منها ولا ضرار! والإسرائيلي الوطني هو الذي يتمنى أن تفرض الأممالمتحدة عقوبات على إيران، بينما تتغاضى تماما ونهائيا عن أي ملحوظات تجاه إسرائيل. وبالنسبة للإسرائيلي الوطني، العالم يتكون من إسرائيل، وأمريكا.. لكن ليست أي أمريكا، بل تلك التي لا تعترض أبدا على ما تفعله إسرائيل، أي إنه يريد أن تكون أمريكا موجودة بشكل ما، حسبما يتفق مع رغباته. والإسرائيلي المحب لوطنه هو الذي يشعر أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما "مريبة". وهو الذي يريد لكل اليهود في كل العالم أن يتبرعوا لإسرائيل، وأن يفدوا إليها من شتى بقاع الأرض ليعيشوا فيها ويقدسوها، لكنه في نفس الوقت يرفض أن يدخل بعض اليهود أمثال القاضي ريتشارد جولدستون أو تشومسكي إلى أرض إسرائيل المقدسة، ويتهمهم بمعاداة السامية. أما البرلمان الإسرائيلي، فيجب أن يمثل بعض الإسرائيليين بالتحديد، وفي رأي الإسرائيلي المحب لوطنه، لا يجوز أن يضم الكنيست أعضاء مثل حنين زعبي أو أحمد طيبي، ويستحسن ألا يضم أي عربي على الإطلاق، اللهم إلا نواب مثل أيوب كارا مثلا. ويعتقد الإسرائيلي الوطني أن هؤلاء يجب أن يدافعوا عن الأسرى الإسرائيليين، مثل جلعاد شاليط مثلا، لكن لا يحق لهم الدفاع عن أي أسير من أي جنسية أخرى مهما كانت حالته. وبالنسبة لشاليط، فالإسرائيليون جميعا يريدون إطلاق سراحه، لكن دون مقابل على الإطلاق، ودون تحرير أي أسرى "إرهابيين" فداء له. ولابد أن يدعم الإسرائيلي الوطني الجيش وقادته، دعما غير مشروط، فهم محصنون ضد النقد، حتى لو قتلوا امرأتين كانتا تلوحان براية بيضاء في غزة، أو قتلوا سائق شاحنة عربي في القدس من مسافة قريبة، أو قتلوا ناشطين سلميين أتراك بلا أي داعي.. كل هذه أشياء لا تستحق الذكر، وإن ذكرها أحد فهو حتما خائن! واختتم جدعون ليفي سخريته المريرة قائلا إن هذا النموذج من الإسرائيليين يعيش في دولة مستحيلة، واللحظات الوحيدة التي يمكن أن ينتقد فيها هذا الإسرائيلي بلده ستكون إما أثناء ازدحام مروري أو في الطوابير التي لا تنتهي، أو عندما تتوقف قوات الجيش الإسرائيلي عن قتل الأبرياء!