إذا نجحت إسرائيل فى إقامة علاقات فعلية مع إقليم «أرض الصومال» المنشق، وإذا حصلت على قواعد عسكرية هناك، وإذا لم تتصد الدول المتضررة لذلك، فإنه سيكون ضربة موجعة للأمن القومى العربى، خصوصا المصرى، فى وقت يعانى هذا الأمن من ثغرات متعددة من كل الجهات.. مساء يوم الجمعة الماضى، فجّر رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته جدعون ساعر، قنبلة استراتيجية من العيار الثقيل بالإعلان عن الاعتراف الرسمى بإقليم «أرض الصومال» جمهورية مستقلة وذات سيادة، والتخطيط لإقامة علاقات كاملة وفتح سفارات. بعدها مباشرة قال رئيس ما يسمى بإقليم أرض الصومال، عبد الرحمن محمد عبدالله عرو، إن ما حدث لحظة تاريخية وإنه سعيد بالانضمام لاتفاقيات إبراهام، وقبل الدعوة لزيارة إسرائيل، ويأمل فى بداية شراكة استراتيجية معها. هذه الخطوة الخطيرة لم يرحب بها أحد حتى مساء الجمعة، فى حين تم رفضها من غالبية دول المنطقة، خصوصا الصومال ومصر وجيبوتى وتركيا، التى أصدرت بيانا رباعيا مشتركا اعتبر الخطوة سابقة خطيرة وتهديدا للسلم والأمن الدوليين. فى حين اعتبرها الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، خطوة استفزازية مرفوضة. أما جاسم البديوى، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجى، فقد اعتبرها تجاوزا خطيرا لمبادئ القانون الدولى، وأعلنت مفوضية الاتحاد الإفريقى رفضها للخطوة مجددة التزامها بوحدة وسيادة الصومال.. ما سبق هو الخبر، والآن إلى المعلومات الأساسية.. إقليم أرض الصومال يقع فى الطرف الشمالى الغربى من الصومال، على الضفة الجنوبية لخليج عدن عند مدخل مضيق باب المندب المؤدى للبحر الأحمر وقناة السويس، ولديه سواحل بطول850 كيلومترا ومساحته 175 ألف كيلو متر وعدد سكانه 6٫5 مليون نسمة. والعاصمة هوجسيا ويسكنها نحو 800 ألف نسمة. الإقليم يعانى عزلة دولية شبه شاملة، وكذلك اقتصاده الذى يعتمد بالأساس على تحويلات المهاجرين وتصل إلى 400 مليون دولار وتجارة المواشى. هو حاول الاستقلال حينما حصل الصومال على استقلاله عام 1960، والغريب أن إسرائيل عرضت الاعتراف به وقتها مستقلا، لكن حالة تمرده على الدولة الوليدة انتهت بعد أيام قليلة. لكن فى عام 1991، وحينما سقط نظام محمد سياد برى ونشبت الحرب الأهلية، وجد الإقليم الفرصة السانحة للانشقاق وإعلان قيام دولة أرض الصومال التى لم يعترف بها أحد حتى جاءت المفاجأة الإسرائيلية. والآن نسأل عن دلالات وخطورة الاعتراف الإسرائيلى الأخير.. أولا: الخطر الأكبر هو تمزيق الصومال وإقرار الانشقاق وتثبيته فعليا عبر الدعم الإسرائيلى وفى الغالب الأمريكى وقبل هذا وذاك الدعم الإثيوبى. ثانيا: تمركز إسرائيل فى الإقليم سيعنى إذا تمكنت من إقامة قواعد عسكرية سيطرتها الفعلية على باب المندب، لأن هذا الإقليم يشرف على مدخل باب المندب من الجهة الأخرى المقابلة لليمن، وبالتالى أحكام إسرائيل للهيمنة على بدايات ونهايات البحر الأحمر حتى إيلات وتهديد الملاحة فى قناة السويس حرفيا، بصورة أخطر مما فعله الحوثيون فى العامين الماضيين حتى لو كانت نيتهم دعم الفلسطينيين. ثالثا: وجود إسرائيل فى أرض الصومال وتعاونها مع إثيوبيا الذى سيخرج من السر إلى العلن سيشكل خطرا داهما على ما تبقى من الصومال وكذلك تهديد جيبوتى وإريتريا والسودان ومصر. رابعا: إثيوبيا هى الكاسب الأكبر بعد إسرائيل، فرغم أنها بلد مقر الاتحاد الإفريقى الذى أدان خطورة الاعتراف، لكنها كانت أول من دعم هذا الانشقاق، وفى 31 مارس 2016وقّعت اتفاقا تجاريا مع الإقليم لتشغيل ميناء بربرة الرئيسى والمعطل بفعل نشاط ميناء جيبوتى، واتفقت مع الإقليم فى العام الماضى على إقامة ميناء تجارى وقاعدة عسكرية، لكن التحرك المصرى أجهض هذه الخطوة حتى الآن. واستقبلت رئيس الإقليم عرو فى منتصف أكتوبر الماضى.. خامسا: بهذا التطور تكون الرسالة الإسرائيلية الأمريكية الإثيوبية لمصر هى كالتالى: كل حدودكم المباشرة وغير المباشرة صارت ملتهبة، ونستطيع أن نهدد الأمن القومى المصرى فى القرن الإفريقى. سادسا: على الفلسطينيين أن يقلقوا لأن إسرائيل وأمريكا طلبا من إقليم أرض الصومال فعليا استقبال بعض سكان قطاع غزة. والنظام الموجود فى هذا الإقليم مستعد لفعل أى شىء من شأنه إضفاء بعض الشرعية الإقليمية والدولية حتى لو كان الثمن التعاون مع الشيطان، ويقال إن بعض قادة هذا الكيان المنشق قد هنأوا قبل ذلك إسرائيل لانتصارها على ما أسموه الإرهاب أى المقاومة الفلسطينية!!! جيد أن تكون هناك موجة إدانات لهذه الخطوة لكن ذلك لا يكفى، وعلى مصر قيادة تحرك واسع النطاق لمواجهة هذا التطور شديد الخطورة.