كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أن مصادر إسرائيلية أفادت بأن مروحيات عسكرية إسرائيلية بدأت، ليل 17 ديسمبر 2024، تنفيذ عمليات إنزال جوي سرية في جنوبسوريا، وذلك بعد تسعة أيام فقط من سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد. وذكرت المصادر أن هذه العمليات لم تقتصر على إيصال مساعدات إنسانية، بل شملت أيضًا شحنات أسلحة خفيفة وذخائر ومعدات عسكرية. وبحسب مسؤولين إسرائيليين سابقين شاركوا مباشرة في العملية، تضمنت الشحنات نحو 500 بندقية، إضافة إلى ذخائر ودروع واقية، جرى إسقاطها جوًا لتسليح ميليشيا درزية تُعرف باسم «المجلس العسكري». وأكد هؤلاء أن العملية نُفذت بسرية تامة ودون إعلان رسمي. ووفقًا للمصادر، جاءت هذه الخطوة في سياق رد إسرائيلي مباشر على الصعود المفاجئ لأحمد الشرع، الرئيس الانتقالي لسوريا حاليًا، حيث تنظر إسرائيل بعين الريبة إلى الشرع، الذي سبق أن قاد جماعة مسلحة كانت مرتبطة رسميًا بتنظيم القاعدة قبل أكثر من عقد. ولا تزال دوائر أمنية إسرائيلية تعتقد أن الشرع يحتفظ بعناصر متطرفة ضمن صفوف داعميه. ويرى مسؤولون إسرائيليون حاليون وسابقون أن إسرائيل تسعى إلى التأثير في مسار التطورات داخل سوريا عبر دعم ميليشيات درزية حليفة، في محاولة لإضعاف التماسك الوطني السوري، وهو ما من شأنه تعقيد مساعي الشرع لتوحيد البلاد بعد سنوات من الحرب الأهلية. وأشار تحقيق الصحيفة إلى أن الإمدادات الإسرائيلية السرية تأتي ضمن جهد ممتد منذ سنوات لدعم الطائفة الدرزية، وهي أقلية دينية لعبت أدوارًا سياسية بارزة في عدد من دول الشرق الأوسط، لافتًا إلى أن هذا الدعم ما زال مستمرًا حتى الوقت الراهن. وبحسب التحقيق، بلغ تدفق الأسلحة ذروته في أبريل الماضي، عقب اندلاع اشتباكات بين مقاتلين دروز ومسلحين إسلاميين موالين للشرع. إلا أن هذا التدفق تراجع في أغسطس، بعدما بدأت إسرائيل تحويل اهتمامها نحو مسار تفاوضي مع الشرع، وسط تصاعد الشكوك داخل الأوساط الإسرائيلية بشأن موثوقية التيارات الانفصالية الدرزية وقدرتها على تحقيق أهدافها. ورغم ذلك، أفاد قادة دروز في سوريا ومسؤول إسرائيلي سابق بأن إسرائيل واصلت تنفيذ عمليات إنزال جوي لمعدات عسكرية غير فتاكة، شملت دروعًا واقية ومستلزمات طبية، ما أسهم في إضعاف قدرة الحكومة السورية الجديدة على تركيز السلطة. وأضافت المصادر أن إسرائيل تقدم أيضًا مدفوعات شهرية تتراوح بين 100 و200 دولار لنحو ثلاثة آلاف عنصر من الميليشيات الدرزية، في إطار الحفاظ على توازن قوى في مواجهة السلطة المركزية في دمشق. واعتمد التقرير على مقابلات مع أكثر من عشرين مسؤولًا إسرائيليًا وغربيًا حاليًا وسابقًا، إلى جانب مستشارين حكوميين وقادة ميليشيات درزية وزعماء سياسيين في سوريا وإسرائيل ولبنان، تحدث معظمهم بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، كاشفين تفاصيل تعاون سري لم يُعلن عنه رسميًا. وأكدت إسرائيل استمرار التزامها بدعم الطائفة الدرزية في دول الشرق الأوسط، مشيرة إلى عمق العلاقات التاريخية بين الجانبين، إذ شغل الدروز مناصب رفيعة داخل الجيش والحكومة في إسرائيل، ما يجعلهم، من وجهة نظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حليفًا طبيعيًا داخل سوريا. وفي مقابلة أُجريت معه مؤخرًا في واشنطن، قال أحمد الشرع لصحفيي «واشنطن بوست» إن الدعم الإسرائيلي للحركات الانفصالية ينبع من طموحات توسعية، محذرًا من أنه قد يشعل حروبًا واسعة في المنطقة تهدد الأردن والعراق وتركيا ودول الخليج. وأضاف أن دمشق وتل أبيب «قطعتا شوطًا جيدًا نحو خفض التصعيد»، معربًا عن أمله في انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي سيطرت عليها خلال الأشهر الماضية، وعدم منح مساحة لقوى تعرقل استقرار سوريا. في المقابل، يقول مسؤولون إسرائيليون إن بلادهم، رغم الشكوك العميقة تجاه الشرع، أبدت براغماتية عبر تقليص دعمها العسكري للدروز وخفض وتيرة العمليات، لإتاحة المجال أمام التفاوض. وبعد لقاء جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والشرع في مايو، أوقفت إسرائيل في أغسطس تدفق الأسلحة إلى الدروز، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين ودروز، كما جُمّدت داخليًا نقاشات تحويل الدروز إلى ميليشيا وكيلة لإسرائيل، بسبب المخاوف من الانقسامات الداخلية والتورط في الصراع السوري. وأكد مسؤول إسرائيلي أن تل أبيب تقدم الدعم عند الضرورة القصوى، لكنها لا تنوي نشر قوات خاصة أو إدارة ميليشيات بالوكالة، مشيرًا إلى أن واشنطن تدعم بقوة المسار التفاوضي. وتشير تقديرات إسرائيلية إلى أن الطائفة الدرزية في سوريا ليست موحدة بالكامل خلف زعيمها الروحي الشيخ حكمت الهجري، الذي قاد دعوات انفصالية بدعم إسرائيلي. وفي تعليق رسمي، قال مسؤول حكومي إسرائيلي إن إسرائيل مصممة، منذ هجمات 7 أكتوبر 2023، على منع أي تهديد أمني لها وحماية حلفائها الدروز. ويرى محللون إسرائيليون وأمريكيون أن الدعم العسكري المكثف والانخراط في تعزيز النزعات الانفصالية أتى بنتائج عكسية وأضر بالعلاقات الإقليمية، في وقت أبدى فيه الشرع انفتاحًا دبلوماسيًا. وقالت دانا سترول، المسؤولة السابقة في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، إن هناك «إحباطًا متزايدًا في واشنطن» من السياسات الإسرائيلية التي تعرقل فرص قيام سوريا موحدة ومستقرة. وتشير المعطيات إلى أن التحركات الإسرائيلية سبقت سقوط الأسد، إذ أضعفت العمليات العسكرية الإسرائيلية خلال عام 2024 حلفاءه، إيران وحزب الله، ما مهّد للإطاحة به. وفي هذا السياق، عمل قادة دروز في إسرائيل على إعداد قيادة درزية سورية بديلة، تمثلت في العقيد السابق طارق الشوفي، الذي تولى قيادة «المجلس العسكري» في السويداء بدعم إسرائيلي. ووفق مصادر، تلقى المجلس دعمًا ماليًا وتسليحيًا عبر قنوات شملت «قوات سوريا الديمقراطية»، كما تلقى تدريبات في مناطق كردية شمال سوريا. وفي الوقت نفسه، عرض الشيخ الهجري خرائط لدولة درزية محتملة على حكومة غربية واحدة على الأقل مطلع عام 2025. وعقب سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، تحركت إسرائيل عسكريًا وسيطرت على مساحات واسعة داخل سوريا، ونفذت مئات الغارات الجوية، كما جرى تجهيز مروحيات «أباتشي» لنقل مساعدات وأسلحة إلى الدروز. واستمر الدعم، الذي شمل أسلحة ومواد إنسانية ومدفوعات مالية، رغم تصاعد الخلافات والانقسامات داخل الصف الدرزي. ويرى مراقبون أن السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا والدروز ما تزال قيد المراجعة، في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي واستمرار الجمود السياسي، مع تقديرات بأن إسرائيل ستواصل دعم الدروز ما دام غاب اتفاق أمني شامل مع دمشق.