إن زيارة رئيس الوزراء نتنياهو المرتقبة للولايات المتحدة تحوّل الانتباه بعيدًا عن ساحتَى غزة ولبنان، اللتين تصدّرتا جدول الأعمال السياسى-الأمنى فترة طويلة، نحو التهديد الإيرانى الذى تراجع، ولو موقتًا، إلى الخلفية. يأتى ذلك على خلفية التقارير بشأن الوتيرة السريعة التى تتسلح بها إيران بالصواريخ الباليستية، ومساعيها لسدّ الثغرات التى أتاحت الهجوم الإسرائيلى عليها فى عملية «شعب كالأسد». لكن فى ظل بناء حزب الله قدراته، هو الآخر، بوتيرة سريعة، تجد إسرائيل صعوبة فى مجاراتها، وبالنظر إلى اتجاه تعاظُم قوة «حماس» فى قطاع غزة، ستضطر إسرائيل إلى الاستعداد لمواجهة متزامنة وغير متدرجة على جميع الساحات؛ وسيتعيّن على نتنياهو إقناع الرئيس ترامب بذلك، واستبعاد إمكان التسوية فى هذه الساحات من جدول الأعمال، من أجل التركيز على التحدى الإيرانى. «أنهيتُ ثمانى حروب خلال عشرة أشهر، دمرتُ التهديد النووى الإيرانى، أنهيتُ الحرب فى غزة، وجلبتُ -لأول مرة منذ 3000 عام- السلام إلى الشرق الأوسط»، هذا ما أعلنه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى خطابه إلى الأمة فى نهاية الأسبوع الماضى، وحتى مَن يفضل صيغة مختلفة لهذه الأقوال، لا يمكنه أن يجادل فى المساهمة الهائلة التى قدمها الرئيس الأمريكى فى بلورة النظام الجديد فى الشرق الأوسط.
العمل بشكل أكثر حدة لقد أدّت إنجازات إسرائيل، بدعم من الإدارة الأمريكية فعلًا إلى إحداث تغيير فى ميزان القوى الإقليمى، لكنها لم تكن كافية لتكريس هذا التغيير فى المدى الطويل. بل أكثر من ذلك، لم يطرأ أى تغيير على مقاربة أعدائها حيالها، وبصورة عامة، وبصيغة مبسطة، كانت خلاصتهم الأساسية هى ضرورة الحفاظ على الوضع القائم، واستعادة التوازن، والتعاظم، والاستعداد بشكل أفضل للمرة المقبلة. وفعلًا، وُجهت الجهود فى هذا الاتجاه، وفى المقام الأول، من النظام الإيرانى الذى عمل على تعزيز قدراته، وكذلك قدرات وكلائه فى دول المنطقة. لقد أظهرت سياسة القوة الإسرائيلية ضد جهود إعادة البناء والتسلح أن إسرائيل استوعبت دروسًا سياسة الاحتواء، لكنها لم تُضعف حوافز العدو، ولم تُلحق الضرر بوتيرة تعاظُمه، الأمر الذى يضعها أمام خيارين: إمّا العمل بشكل أكثر حدةً، مع كل المخاطر التى ينطوى عليها ذلك، وإمّا شراء هدوء نسبى يكون ثمنه التعاظم. بعد السابع من أكتوبر وإنجازات العامَين الأخيرين، أصبحت المعضلة أقلّ تعقيدًا. يجب على إسرائيل أن تبادر وتحشد دعم إدارة ترامب لذلك. ولا يمكنها التنازل عن مطلبها بتفكيكٍ حقيقى لسلاح «حماس» وحزب الله. ومن هنا، يتضح أن على إسرائيل أيضًا منع جهود التسلح فى هذه الساحات، بما فى ذلك استهداف القادة المنخرطين فى هذه الجهود، حتى لو كان الثمن تجدُّد التصعيد. يدرك الرئيس ترامب ورجاله جيدًا المنطق الكامن وراء تحركات إسرائيل لتحقيق هذه الأهداف. وعندما سيزور رئيس الوزراء نتنياهو فى فلوريدا، بعد حوالى 8 أيام، سيحتاج إلى أن يضمن ألّا يأتى سعى الرئيس ترامب لتثبيت وقف إطلاق النار وتحقيق سلام إقليمى على حساب هذه الأهداف المهمة.