نشرت جريدة عكاظ السعودية مقالا للكاتب على محمد الحازمى، يدعو فيه إلى التمييز بين «الضجيج المالى» و«القيمة الاقتصادية الحقيقية» للذكاء الاصطناعى، مؤكدةً أن العبرة ليست فى ارتفاع أسهم الشركات، بل فى مدى قدرة هذه التقنية على إحداث ثورة فى الإنتاجية على أرض الواقع، إذ يقول الكاتب إنه على الرغم من وجود مؤشرات «فقاعة مالية» (تقييمات مبالغ فيها واستثمارات قائمة على التوقعات)، لكن هذه الفقاعة لا تلغى دور الذكاء الاصطناعى فى تحسين «الاقتصاد الحقيقى» عبر الصيانة التنبؤية فى الصناعة، والتشخيص الطبى، ورفع كفاءة الخدمات. لذا، يشير الكاتب إلى عدة خطوات ليصبح الذكاء الاصطناعى ثورة اقتصادية مستدامة، هما: خفض تكاليف الإنتاج، ورفع إنتاجية البشر، وتحسين جودة اتخاذ القرار.. نعرض من المقال ما يلى: فى كل تحوّل تقنى كبير، يتكرر السؤال ذاته: هل نحن أمام ثورة حقيقية تعيد تشكيل الاقتصاد، أم أمام فقاعة تضخم سرعان ما تنفجر؟ اليوم يُلح علينا هذا السؤال بقوة حول الذكاء الاصطناعى، فى ظل الارتفاع الحاد فى تقييمات الشركات، وتسارع الاستثمارات، وتزايد الحديث عن مستقبل الوظائف والإنتاجية. إذا نظرنا من زاوية الأسواق المالية، تبدو بعض مؤشرات «الفقاعة» حاضرة وبقوة. وهذا ملاحظ من خلال شركات تُقيَّم بمليارات الدولارات قبل أن تحقق عوائد ملموسة، وتدفقات استثمارية تقودها التوقعات أكثر مما تقودها النتائج. من يقرأ التاريخ جيدًا سيدرك أن هذا السلوك ليس جديدًا؛ فقد شهد العالم شيئًا مشابهًا فى مطلع الألفية بما يسمى فقاعة الإنترنت، حين انفجرت التقييمات قبل أن تستقر التكنولوجيا فى مسارها الطبيعى. وحتى تتضح الرؤية، الاقتصادات لا تُقاس فقط بحركة الأسواق المالية، وإنما بما يترجم على أرض الواقع من اقتصاد حقيقى. وهنا تتغيّر الصورة، فالذكاء الاصطناعى بخلاف كثير من التقنيات السابقة؛ حيث إنه بدأ يُظهر أثرًا واضحًا على الإنتاجية، وهى المؤشر الأهم لأى ثورة اقتصادية. فعلى سبيل المثال، فى الصناعة يُستخدم الذكاء الاصطناعى فى الصيانة التنبؤية وتقليل الأعطال، وفى الصحة يسهم فى التشخيص المبكر وتقليص الأخطاء الطبية، وفى الخدمات يرفع كفاءة العمليات ويخفض زمن الإنجاز والتكلفة. وفى ضوء ما سبق، يكمن الفرق الجوهرى، إذًا بين فقاعة مالية محتملة وثورة إنتاجية حقيقية. إن الفقاعات تولد حين تنفصل التقييمات عن القيمة المضافة، لكنها لا تُلغى جوهر الابتكار. فحتى فقاعة الإنترنت، رغم خسائرها، كانت البوابة التى خرج منها اقتصاد رقمى عملاق غيّر وجه العالم فيما بعد. حتى نطلق على الذكاء الاصطناعى ثورة حقيقية من منظور اقتصادى، لا بد من أن يترافق معه خفض تكاليف الإنتاج، ورفع إنتاجية القوى البشرية، وتحسين جودة القرار. المؤكد اليوم، أن كل المؤشرات تشير إلى أنه يسير فى هذا الاتجاه، وإن كان بوتيرة متفاوتة بين القطاعات والدول. ولهذا فإن السؤال الأدق ليس: هل الذكاء الاصطناعى فقاعة أم ثورة؟ بل: من سيحوّله إلى إنتاجية حقيقية، ومن سيكتفى بملاحقة الضجيج الاستثمارى؟ إجابة السؤال أعلاه، يعتمد اعتماد كليًا على الدول التى تميّز بين الضجيج والقيمة. فالأسواق قد تضخّم التوقّعات وتولّد ضجيجًا ماليًا مؤقتًا، فى حين تُترجم القيمة الفعلية إلى مكاسب إنتاجية مستدامة تعيد تشكيل الاقتصاد العالمى.