تحدث الباحث الأمريكي آندرو سايمون عن مفهوم «الأرشيف البديل» أو ما أطلق عليه «أرشيف الظل»، موضحًا أن هذا المفهوم كان نقطة الانطلاق الأساسية في عمله على كتاب "إعلام الجماهير.. ثقافة الكاسيت في مصر" الصادر عن دارالشروق. وقال إنه مع بداية البحث كان يشغله سؤال رئيسي: كيف يمكن كتابة دراسة تاريخية في ظل عدم إتاحة الوثائق الرسمية أو وجود عراقيل تحول دون الوصول إليها. وأضاف سايمون أنه لجأ إلى بناء أرشيف خاص به من خلال البحث في مصادر سمعية وبصرية متعددة، شملت أماكن مثل سور الأزبكية، وشركات الكاسيت، والمقابلات الشخصية، والمجلات القديمة، وغيرها، مشيرًا إلى أنه جمع ما يقرب من 20 ألف صورة التقطها من هذه المجلات على مدار عامين، فأصبحت جزءًا من أرشيفه الخاص. وأشار إلى أهمية ترجمة الكتاب إلى العربية، مؤكدًا أنه كان حريصًا على اختيار مترجم متميز عاش الفترة والأحداث التي يتناولها الكتاب، لافتًا إلى أنه منذ البداية لم يكن يريد كتابة كتاب موجه للغرب أو للأكاديميين فقط، بل لجمهور مصري، رغم أنه كتب باللغة الإنجليزية. وأضاف أن ترجمة الكتاب إلى العربية تمثل حلمًا تحقق، معربًا عن سعادته الكبيرة بها، ومؤكدًا أنه يخطط لترجمة مؤلفاته المقبلة إلى العربية. وأكد سايمون، خلال حفل توقيع ومناقشة كتاب «إعلام الجماهير.. ثقافة الكاسيت في مصر»، الذي نظمته دار الشروق بمبنى القنصلية، وسط حضور لافت من المثقفين والمهتمين بالتاريخ الثقافي والاجتماعي، أن أغلب الدراسات الغربية عن الشرق الأوسط تركز غالبًا على موضوعات نمطية مثل النفط أو الإسلام أو الإرهاب، بينما كان هو مهتمًا بالكتابة عن مصر الاجتماعية التي عرفها خلال إقامته بها عام 2017. وأضاف أنه أحب صوت أحمد عدوية، وكان يستمع إلى أغانيه في سيارات أصدقائه وحتى في المواصلات الأخرى، كما استمع إلى أغاني الشيخ إمام خلال الثورة، وهو ما شجعه أكثر عن الكتابة عن الحياة اليومية للمصريين، لا عن الصورة النمطية السائدة. وكشف سايمون عن امتلاكه نحو 500 شريط كاسيت نادر، موضحًا أنه يعتزم إتاحتها على الإنترنت في صورة رقمية خلال الفترة المقبلة. وقال إنه يرى تشابهًا كبيرًا بين طريقة استقبال الجمهور لأغاني أحمد عدوية في الماضي، واستقبال مطربي أغاني المهرجانات في الوقت الراهن، مشيرًا إلى استخدام المصطلحات نفسها مثل «انهيار الذوق العام» و«التلوث السمعي»، ومؤكدًا أن الرجوع إلى الأرشيف الصحفي يكشف تكرار الخطاب ذاته عبر الزمن. وفي رده على سؤال حول وجود تشابه بين الشيخ كشك والدعاة الجدد، نفى سايمون ذلك، مؤكدًا أن ظاهرة الشيخ كشك انتهت واختفى حضوره بصورة شبه كاملة. وشارك بالحضور كل من الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق، ومحمد بصل مدير تحرير جريدة الشروق، والفنان سعد حجو، وأسامة عرابي، والمخرجة ليالي بدر، والكاتبة الصحفية غدير حسين، وعمرو عز الدين، وكارمن التوارجي، ونادية أبو العلا مؤسسة جروب نادي قراء الشروق، ومحمد الشماع، ونانسي حبيب مسؤولة النشر بدار الشروق، إلى جانب عدد من الكتّاب والصحفيين والمهتمين بالشأن الثقافي. وفي تقديم الكتاب، أُشير إلى أن شريط الكاسيت، الذي يبدو اليوم قطعة من الماضي، كان في الربع الأخير من القرن العشرين نشاطًا ثقافيًا وسياسيًا وفنيًا واقتصاديًا مؤثرًا، أتاح بدائل واسعة في الغناء والفكر والخطاب العام، من أم كلثوم و«البيتلز» إلى أحمد عدوية والشيخ إمام والشيخ كشك. ويرصد الكتاب، عبر ستة فصول، كيف أسهمت تقنية الكاسيت في تفكيك احتكار الإعلام الرسمي قبل عصر الفضائيات والإنترنت، لتتحول من وسيلة ترفيه إلى ما يمكن وصفه بحق ب«إعلام الجماهير».