يوافق يوم التاسع من ديسمبر من كل عام المناسبة العالمية للتوعية بمكافحة الفساد، الذي يمثل عائقا أمام التطور والمصلحة العامة. ولا تقتصر مكافحة الفساد على القوانين المحلية والدولية، إذ يختص اليوم العالمي برفع الوعي بدور كل فرد في منع الممارسات الفاسدة، في مسيرة طويلة حارب خلالها البشر الفساد منذ عهد المصريين القدماء والبابليين وحتى المنظمات الدولية المعنية بالشفافية. وتستعرض "الشروق" رحلة البشرية في مكافحة الفساد، وأبرز المنظمات التي تواجهه حول العالم، نقلا عن كتب: "أطر القوانين الدولية لمكافحة الفساد" لخوليو تريسينو، "قواعد مكافحة الفساد الدولي" لسيسيلي روز، و"مجابهة الفساد" لفريدز هيمان. وثيقة حور محب الفرعونية.. ثاني أقدم قانون ضد الفساد في التاريخ تصدر المصريون القدماء الأمم في مواجهة الفساد، إذ تُعد وثيقة الملك حور محب، آخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة، ثاني أقدم نص قانوني يجرم الفساد ويضع عقوبات رادعة له. وقد تضمنت الوثيقة، الصادرة في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، تجريم الرشوة والاختلاس وتحيز القضاة، وحددت العقوبات التي تراوحت بين الجلد والنفي وقطع الأنف، وصولا إلى الإعدام. كما نصت على رفع رواتب القضاة لمنع حاجتهم لتلقي الرشاوى. وكان صدور الوثيقة تحولا محوريا بعد سنوات من الاضطراب السياسي والجريمة التي تلت وفاة توت عنخ آمون وانتشار الفوضى من بعده. ويذكر أن الملك البابلي حمورابي، أصدر أقدم وثيقة قانونية من نوعها، وتضمنت نصوصا تعاقب على الرشوة وتراخي الحكام في حفظ الأمن وإهمال البنّائين، مع تحديد العقوبات المناسبة. العصر الحديث.. تحرك متأخر ضد الفساد خلال العصور الوسطى اعتمدت مواجهة الفساد على التعاليم الدينية، إذ أجمعت الأديان على تجريم الرشوة، لكن الممارسات الفاسدة كانت محدودة نظرا لبساطة المعاملات التجارية والسياسية. ومع دخول القرن التاسع عشر وظهور المنظمات والمكاتب المنظمة للمعاملات، ازداد انتشار الفساد وتعطلت المصالح. ورغم تشكيل عصبة الأمم ثم الأممالمتحدة في بدايات القرن العشرين، لم تتحرك تلك المنظمات رسميا ضد الفساد حتى عام 1979، حين قدّمت منظمة الاقتصاد والمجتمع بالأممالمتحدة مقترحا لقانون دولي لمحاربة الفساد، لكنه قوبل بتجاهل من الدول الأعضاء في ظل أجواء الحرب الباردة التي أعاقت التعاون في هذا المجال. التسعينيات.. عهد الصحوة تزايدت وتيرة الفساد الدولي خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، بحسب تصريحات كوفي عنان، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، وبحسب تقديرات خوليو توروسينو، الرئيس السابق لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. ومع توسع حرية الصحافة آنذاك، ازداد كشف قضايا الفساد، ما دفع منظمات إقليمية خارج الأممالمتحدة إلى التحرك لعقد اتفاقيات لمكافحة الفساد. وتُعد منظمة الشفافية الدولية من أوائل المؤسسات التي ظهرت لمواجهة الفساد، إذ أسسها موظفون سابقون في البنك الدولي بألمانيا عام 1993، ولم تصدر المنظمة قوانين أو عقوبات، لكنها أنشأت مؤشر مدركات الفساد الذي يصنف الدول وفق درجة الشفافية، ليصبح واحدا من أشهر المؤشرات عالميا. وكان الاتحاد الأوروبي من أوائل من أدخلوا قوانين مكافحة الرشوة في اتفاقياته عام 1993، ثم تبعته منظمة الدول الأمريكية باتفاقية مماثلة عام 1997. كما أقامت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في باريس أول اتفاقية دولية عابرة للقارات لمكافحة الرشوة عام 1999 بمشاركة أكثر من 40 دولة، لكنها تعرضت لانتقادات لضعف تأثيرها وعدم فرضها عقوبات رادعة. الأممالمتحدة تعلن الحرب على الفساد.. ويوم عالمي لأول قانون أممي عاد الحديث عن إصدار قانون دولي لمكافحة الفساد داخل الأممالمتحدة بمبادرة من مكتب مكافحة المخدرات والجريمة، الذي أكد أن جهود ملاحقة المجرمين تُعرقل بسبب الرشوة والفساد. وفي عام 2003 اقتُرح قانون دولي لملاحقة التهم المتعلقة بالفساد، ووافق عليه 86 دولة، وتم اعتماده رسميا في 9 ديسمبر 2005، وهو اليوم العالمي لمكافحة الفساد. ويشمل القانون قضايا الرشوة وغسل الأموال واستغلال السلطة والاختلاس. مؤشر الفساد.. بين التوعية والانتقادات يحظى مؤشر الفساد الذي وضعته منظمة الشفافية الدولية بشهرة واسعة؛ إذ يعتمد على استطلاعات رأي من منظمات إعلامية واستشارية عالمية، أغلبها في أوروبا والولايات المتحدة، لتصنيف الدول وفق مستوى الشفافية. ويتعرض المؤشر لانتقادات بسبب اعتماده على تقديرات وآراء معينة دون معايير اقتصادية مباشرة، بينما يُعد تأثيره الإيجابي الأبرز في تعزيز الوعي وتشجيع الدول على تحسين إجراءات مكافحة الفساد لتحسين تصنيفها.