ظهرت البيانات الرسمية الصينية أمس الاثنين وصول الفائض التجاري للصين خلال أول 11 شهرا من العام الحالي إلى أكثر من تريليون دولار لأول مرة في تاريخ ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ووفقا لبيانات إدارة الجمارك الصينية بلغ الفائض التجاري للصين خلال الشهر الماضي 7ر111 مليار دولار ليصل إجمالي الفائض منذ بداية العام إلى 08ر1 تريليون دولار بزيادة نسبتها 1ر22% عن الفترة نفسها من العام الماضي. في الوقت نفسه تتوقع مؤسسة الاستشارات البريطانية كابيتال إيكونوميكس وصول إجمالي الفائض التجاري للصين خلال العام الحالي ككل إلى 23ر1 تريليون دولار أي ما يزيد على 1% من إجمالي الناتج المحلي للعالم. وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) قال جيمس كينج الباحث الزميل في برنامج الصين والعالم وآسيا والمحيط الهادئ بالمعهد إن الصين في هذه الحالة ستحقق أعلى فائض تجاري في العالم كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وهو ما يكشف الكثير عن التغير الكبير في مكانة الصين في الاقتصاد العالمي. ومن أهم التحولات التي ساهمت في هذا الفائض الزيادة الحادة في صادرات الصين من المنتجات عالية التقنية، وهو ما يسبب صدمة للمنافسين في الغرب، الذين اعتادوا اعتماد الصين على تصدير السلع منخفضة التكنولوجية ورخيصة الثمن على مدى عقود مضت. كما ان النمو القوي لصادرات الصين إلى الأسواق غير الأمريكية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي ودول الجنوب العالمي، ساعد بكين على تجاوز تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة على منتجاتها. في الوقت نفسه، استقر الطلب الصيني على الواردات إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، مع تفوق العلامات التجارية الصينية على نظيراتها الغربية. ويعد الفائض التجاري الضخم واضحا، لكنه على الأرجح غير مستدام، مما يلفت الانتباه إلى انخفاض قيمة العملة الصينية اليوان (الرينمنبي) أمام العملات الرئيسية الأخرى في العالم. وشكلت القوة المتنامية لصادرات التكنولوجيا الفائقة عاملا حاسما في نمو صادرات الصين ككل خلال العام الحالي، بعد أن تجاوز معدل نموها معدل نمو الصادرات ككل الذي بلغ 4ر5% سنويا خلال أول 11 شهرا من العام الحالي. وشهدت صادرات السيارات، وخاصةً السيارات الكهربائية، ارتفاعا حادا، مع استحواذ الشركة الصيبنية على حصة سوقية عالمية على حساب الشركات اليابانية والأوروبية المنافسة. وقد تجاوزت الصيناليابان لتصبح أكبر مصدر للسيارات في العالم. ومن المتوقع أن تصدر أكثر من 6 ملايين سيارة في عام 2025، مع احتمال وصول الرقم إلى حوالي 8 ملايين سيارة في عام 2026. ورغم أن الصين لا تزال متأخرة عن الشركات الأمريكية مثل إنفيديا في تكنولوجيا أشباه الموصلات المتقدمة، فإنها تتحول بسرعة إلى قوة مهيمنة في سوق "الرقائق القديمة"، وهي رقائق أقل تقدما تُستخدم عادة في مجموعة من المنتجات مثل السيارات والأجهزة المنزلية والأجهزة الطبية. وزادت صادرات أشباه الموصلات الصينية بنسبة 7ر24% خلال الأشهر الأحد عشر الأولى. كما منح الصعود في سلم التكنولوجيا الصين مكانة مهيمنة في الأسواق العالمية لبناء السفن، مع نمو صادراتها بنسبة 8ر26% خلال العام الحالي. كما يتكرر تفوق الصين في مجالات أخرى حيث تقدم الشركات الصينية التكنولوجيا المتقدمة لمنافسيها في الغرب بتكلفة منخفضة بنسبة كبيرة. وبحسب معهد أيه.إس.بي.آي الأسترالي تتصدر الصين أسواق العالم في 66 تقنية من بين 74 تقنية يتابعها المعهد، و تتصدر الولاياتالمتحدة الأسواق في التقنيات الثماني المتبقية. جاء هذا الأداء القوي للصادرات الصينية خلال العام الحالي، مناقضا تماما لحالة التشاؤم التي سادت أغلب الشهور الأولى من العام عندما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية ضخمة على الواردات الصينية. وبعد سلسلة من الشد والجذب بين واشنطنوبكين أصبح متوسط الرسوم الجمركية الأمريكية الحالية على السلع الصينية 5ر47% مقابل 145% في ذروة الحرب التجارية بين الجانبين. وبالفعل انخفضت الصادرات الصينية إلى الولاياتالمتحدة بنسبة 9ر18% خلال أول 11 شهرا من العام، لكنها زادت بشدة إلى الأسواق الأخرى بما في ذلك الاتحاد الأوروبي الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة. وتعزز أرقام التجارة الخارجية للصين وفائضها التجاري الضخم الأصوات التي تتحدث عن أن سعر العملة الصينية أمام العملات الرئيسية الأخرى لا يعكس هذه الحقائق وأنها أقل كثيرا مما يجب أن تكون عليه. ولم تعد هذه الأصوات موجودة خارج الصين فقط، وإنما ظهرت أصوات صينية مؤثرة تطالب بضرورة السماح بارتفاع قيمة اليوان الصيني أمام الدولار ليعكس حقيقة أن الصين أصبحت تمتلك أكبر فائض تجاري في العالم كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي العالمي. وقال مياو يانليانج، كبير المحللين في شركة تشاينا إنترناشونال كابيتال كورب، وهي بنك استثمار صيني إنه مع تزايد تنافسية قطاع التصنيع الصيني، أصبحت الفرصة مواتية لرفع قيمة اليوان. وقال ويجيان شان، الرئيس التنفيذي لشركة بي.أيه.جي للاستثمار إن رفع قيمة الرنمينبي تدريجيا بنسبة "لا تقل عن 50% خلال السنوات الخمس المقبلة" سيكون ممكنا ومفيدا للصين. من ناحيته يقول جيمس كينج إن الوقت حان لكي تدرك بكين أن فائضها التجاري الضخم غير مستدام، وإنه عليها السماح بارتفاع قيمة اليوان تدريجيا وبشكل مطرد خلال السنوات الخمس المقبلة، بما يُسهم في تعزيز الواردات الصينية ويُوفر بعض الدعم للمنافسين في أوروبا والولاياتالمتحدة وأماكن أخرى، والذين يفقدون حصتهم السوقية بسرعة أمام الصادرات الصينية إلى أسواقهم المحلية. وإذا لم يحدث ذلك، فمن المرجح أن تتزايد المشاعر المؤيدة للحمائية التجارية في الغرب، مما يؤدي إلى تزايد الحواجز الجمركية وغير الجمركية التي تهدف إلى إبعاد البضائع الصينية عن أسواقها المهمة.