- 20 % من التلوث البحرى عالميًا ينتهى به المطاف فى «المتوسط».. و«التسربات البلاستيكية» تدمر الدول الساحلية - كل يورو تدفعه الدول الأعضاء كاشتراك فى صندوق اتفاقية برشلونة يجذب 9 أضعافه استثمارات خارجية - تحمّض المياه وارتفاع الحرارة يهددان بتدمير الشعاب المرجانية.. والصرف غير المعالج والمغذيات الزراعية أخطر التحديات كشف رئيس وحدة البحار الإقليمية فى برنامج الأممالمتحدة للبيئة لحماية وتعزيز البحار والسواحل، ألبرتو باتشيكو كابيلا، عن الوضع الدقيق الذى يمر به البحر الأبيض المتوسط، واصفًا إياه ب«البؤرة الساخنة» للتغير المناخى؛ إذ سجل ارتفاعًا فى درجة حرارة مياهه يتجاوز المعدلات العالمية بنسبة 20%، بما يفاقم ظاهرة تحمّض المحيطات ويهدد بتدمير الشعاب المرجانية، مؤكدًا أن «المتوسط» يستقبل خُمس التلوث البحرى عالميًا. وأضاف باتشيكو، فى حواره ل«الشروق»، أن اتفاقية برشلونة نجحت فى بناء نموذج تمويلى «ذكى» وفعال اقتصاديًا للدول الأعضاء، التى سجلت معدل التزام مرتفعًا بسداد حصتها فى صندوق الائتمان، موضحًا الكفاءة الاستثمارية لسكرتارية الاتفاقية؛ إذ تشير الحسابات إلى أن كل يورو أو دولار تدفعه الدول كاشتراك، ينجح فى جذب تمويلات خارجية لمشروعات بيئية تتراوح قيمتها بين 5 و9 دولارات، بما يحول الإنفاق الحكومى إلى «استثمار» بعوائد مضاعفة. وإلى نص الحوار: * كيف تصف حالة البحر المتوسط اليوم.. ولماذا يُعد بؤرة ساخنة للتغير المناخى؟ الوضع صعب للغاية ويستدعى تحركًا عاجلاً، البيانات التى بين أيدينا اليوم تؤكد أن البحر المتوسط هو بالفعل أحد أكثر البحار تأثرًا وتضررًا على مستوى العالم، والأخطر من ذلك هو ما رصدناه بشأن ارتفاع درجات حرارة المياه؛ فنحن نتحدث عن ارتفاع بنسبة 20% فوق المعدلات العالمية للاحترار فى المحيطات، وهذا الفارق الكبير يجعل تبعات الظاهرة المناخية على منطقتنا أشد قسوة وأكثر تعقيدًا من أى مكان آخر. هذا الاحترار المتسارع يضع النظم البيئية تحت ضغط هائل، ويزيد من إلحاح الحاجة لتبنى حلول مستدامة فورية لحماية السواحل، لأننا إذا انتظرنا أكثر، ستكون التكلفة البيئية والاقتصادية باهظة على الأجيال المقبلة. * ما طبيعة التلوث ومصادره الرئيسية التى تهدد حوض البحر المتوسط؟ تشير تقديراتنا إلى أن نحو 20% من التلوث البحرى عالميًا يتجه أو ينتهى به المطاف فى البحر المتوسط، نحن نواجه ما يشبه الحصار من الملوثات، وفى مقدمتها «التسربات البلاستيكية» التى لا تضر فقط بجودة المياه، بل تدمر الدول الساحلية وتؤدى لتدهور الأراضى المحيطة والشواطئ التى تعتمد عليها اقتصاديات السياحة. التلوث له مصادر متنوعة منها البحار، لكن المصدر الأساسى هو البر، ونحن نعمل بشكل مكثف على مواجهة التلوث الناتج عن المصادر البرية، وهذا يشمل إدارة استخدام المغذيات الدقيقة (الأسمدة والمبيدات) التى تستخدم فى الزراعة، ومياه الصرف الصحى التى تتدفق من المدن الساحلية الكبرى، وبالطبع القمامة البحرية والبلاستيك، وهذه العناصر مجتمعة تمثل عاصفة تلوث تضرب صحة المتوسط يوميًا. * ما خطورة الجمع بين تحمّض مياه البحر وارتفاع حرارتها على النظام البيئى فى المتوسط؟ هذا هو التحدى الخفى والأخطر، لأن معالجة آثار تغير المناخ لم تعد رفاهية، عندما نتحدث عن تحمض المحيطات، فنحن نعنى تغير التركيب الكيميائى للمياه نتيجة امتصاص الكربون، الخطورة تكمن فى الجمع بين هذا التحمض وبين ارتفاع حرارة المياه الذى ذكرت أنه يفوق المعدل العالمى. هذا المزيج القاتل يؤدى مباشرة إلى ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية وتدهور الموائل البحرية الحساسة، والشعاب المرجانية ليست مجرد مناظر جميلة، بل هى «مدن» تحت الماء تعيش فيها كائنات دقيقة وتنوع بيولوجى هائل، عندما تبيض الشعاب وتموت، نفقد جزءًا حيويًا من النظام البيئى الذى يحافظ على توازن البحر، لذا، نحتاج لتكثيف الأبحاث العلمية حول التحمض، والعمل بجدية على استعادة الشعب المتدهورة. * كيف تطورت اتفاقية برشلونة خلال هذه العقود؟ ولماذا يُعد عام 2025 محطة فارقة فى مسارها؟ اتفاقية برشلونة التى وقعت عام 1976 تطورت بشكل مذهل استنادًا إلى فهم مشترك ونضج سياسى بين الدول الأعضاء لضرورة حماية مستقبلها المشترك، نحن نحتفل بمرور 50 عامًا على إطلاق الاتفاقية، و30 عامًا على خطة العمل الخاصة بمواجهة التدهور، وهذا يعكس «مرونة» الاتفاقية وقدرتها على التكيف مع التحديات الحديثة التى لم تكن موجودة وقت توقيعها. عام 2025 يمثل محطة مفصلية؛ حيث يشهد تنفيذ خطط عمل موسعة وطموحة للغاية لا تقتصر فقط على التلوث البحرى التقليدى، بل تمتد لتشمل التصدى الجذرى لمصادر التلوث البرى، البرنامج الأممى نجح مؤخرًا فى مواءمة العلوم والتكنولوجيا لدعم هذا التعاون، مما يجعل الاتفاقية اليوم إطارًا متكاملًا لصون التنوع البيولوجى، وفرصة ذهبية لدعم المناطق المتضررة. * كيف نجح البرنامج الأممى فى تطوير آليات هذا التعاون الإقليمى ودعم الدول المتضررة؟ ركزنا على مواءمة العلوم والتكنولوجيا لخدمة التعاون بين الدول المطلة على المتوسط، مما مكنا من تعزيز الشراكات وتوفير التمويل اللازم لتنفيذ اتفاقيات دولية كبرى، ليس فقط «اتفاقية برشلونة»، بل أيضا أطر أخرى مثل «اتفاق مونتريال»، واليوم، أصبحت اتفاقية برشلونة توفر إطارا متكاملا لصون التنوع البيولوجى، وتتيح فرصا حقيقية لدعم المناطق المتضررة، ورسالتنا واضحة أن برنامج الأممالمتحدة للبيئة سيظل الداعم الأول للاتفاقية وللدول الأعضاء، لضمان بحر متوسط مرن وقادر على حماية ومواكبة تطلعات الأجيال المقبلة. * كيف تدعم اتفاقية برشلونة تمويل الحلول البيئية.. وهل هو مجدٍ اقتصاديًا للدول؟ هيكل التمويل لدينا مُصمم ليكون ذكيًا وفعالًا، وهو يتكون من شقين، الأول هو «صندوق الائتمان للبحر المتوسط»، والذى تساهم فيه الدول الأعضاء بنسب «مقدرة» ومحسوبة بدقة وفقًا لقوة اقتصاد كل دولة، وذلك على غرار معايير الأممالمتحدة، ولدينا نسبة التزام عالية جدًا فى الدفع تصل ل 89٪. أما الشق الثانى والأهم، فهو «التمويل القائم على المشاريع»، وهنا تظهر القوة الاقتصادية للاتفاقية؛ فالسكرتارية تعمل بكفاءة استثمارية عالية، تشير حساباتنا إلى أن مقابل كل يورو أو دولار تضعه الدول كاشتراك فى صندوق الائتمان، تنجح السكرتارية فى جلب واستقطاب تمويلات خارجية لمشاريع تتراوح قيمتها بين 5 إلى 9 دولارات، هذا يعنى أن الأموال التى تدفعها الحكومات ليست نفقة ضائعة، بل هى «استثمار» يعود عليها بفوائد مضاعفة عبر مشاريع ممولة من مرفق البيئة العالمية والاتحاد الأوروبى. * كيف سيؤثر التصديق الدولى على اتفاقية حماية التنوع البيولوجى على مستقبل البحر المتوسط؟ الاتفاق الجديد يسمح لنا بالتعامل مع التنوع البيولوجى فى المناطق التى تقع «خارج الولاية الوطنية» (المياه الدولية)، وهى مناطق كانت تعانى من فراغ تشريعى سابقًا، وبالنسبة للبحر المتوسط، هذا يعنى قدرة أكبر على حماية النظم البيئية فى قلب البحر بعيدًا عن الشواطئ، وهو ما يعزز من تكامل جهودنا الحالية تحت مظلة اتفاقية برشلونة.