فى الأجواء الفكرية والقيمية والأنظمة المليئة بالإشكالات التى يعيشها العالم كله حاليًا، من المهم أن يحاول المفكرون والمثقفون العرب أن يساهموا باستمرار فى توعية شابات وشباب الأمة العربية بوجود تلك الأجواء وخلفياتها، أولاً بالنسبة لوطنهم العربى وثانيا بالنسبة للعالم الذى أصبحت مشاكله وتأثيراته علينا قضية من قضايانا الذاتية. وهذا ما حاولنا القيام به عبر كل كتاباتنا الأخيرة، من خلال التركيز على مكونات المشروع النهضوى العرب»، دراسة ونقدا إن وجد ودعوة إلى تبنيها والنضال السياسى الجماهيرى من أجلها. اليوم سنحاول الحديث عن بعض جوانب موضوع تبنى وتطبيق الديمقراطية فى الوطن العربى، ونركز على العوائق التى وقفت ولا تزال تقف فى وجه الانتقال إلى النظام الديموقراطى. ونعتقد أن دراسة العوائق المهمة هى المدخل لفهم ما جرى فى الماضى وما يمكن أن يجرى فى المستقبل. فأول العوائق كان غياب دروس الممارسة الديمواقراطية فى التاريخ العربى، بعد أن وئدت تجربة تطبيق الشورى فى عهد الخلفاء الراشدين ليحل محلها نظام الملك العضوض المتناقض مع مبادئ وروح الشورى، وبالتالى كل مبادئ الديمقراطية كما نفهمها الآن. وإذن فالتاريخ العربى الإسلامى لم يسعف إطلاقاً بالنسبة لهذا الموضوع. ولما خرج العرب من تحت عباءة الحكم العثمانى التسلطى واستولى على مقدرات وطنهم وأمتهم الاستعمار الغربى، حكمهم بنظام ديموقراطى مخادع مشوّه ومنحاز للقوى الاستعمارية ولأقليات محلية صغيرة مستفيدة. وكانت النتيجة أنه عندما انزاح الاستعمار وبدأ بعض العرب بحكم أنفسهم بما اعتقدوا أنه حكم ديموقراطى، كان ذلك تقليدًا لديمقراطية استعمارية مشوّهة وليس أخذا بديمقراطية يمارسها الغرب فى مجتمعاته وعلى شعوبه. وتمثل ذلك كعائق آخر، إذ إن الحكم الوليد الديموقراطى المشوه كان مليئاً بالفساد وهيمنة أقلية على أكثرية. فكان طبيعيا أن تحدث الانقلابات العسكرية فى بعض الأقطار العربية من أجل تصحيح تلك الأوضاع. لكن مع الأسف لم تنقل الانقلابات العسكرية العرب إلى الديمقراطية وإنما نقلتهم إلى نظام حكم استبدادى آخر. بل إن سلطات الحكم العسكرى وتابعيها شددوا على أن الديمقراطية ليست أكثر من نظام بورجوازى يخدم الأغنياء وبالتالى حلت كلمات الشعبية والجماهيرية وأخواتها محل كلمة وشعار الديمقراطية. وفى الحال انتقل العرب إلى عائق آخر عندما ساعد الغرب الاستعمارى القوى الصهيونية على احتلال فلسطين فأصبح الموضوع الديموقراطى عند الكثير من القوى السياسية العربية مؤجلاً إلى ما بعد تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيونى. وعند ذاك تراجعت الديمقراطية من مركز الأولويات إلى مراكز مؤجلة من مثل مركز تحرير الطبقة العاملة وتطبيق المبادئ الاشتراكية العربية إلخ.. وشيئاً فشيئاً أصبحت الديمقراطية تقع فى هوامش الفكر القومى السائد آنذاك. أثناء كل تلك المسيرة لم يتوقف بعض الإخوة فى الحركات الإسلامية السياسية عن ترديد بأن الديمقراطية هى ملتصقة بالعلمانية، كما يريدها الغرب، وبالتالى فإننا يجب أن نطرح فقط شعار الشورى. ونسوا أن الشورى كانت توجيها قيميا إلهيا بالغ الأهمية ترك التفاصيل والتطوير والتطبيق للبشر ليقوموا بها حسب حاجات المجتمعات المتغيرة. وفى كل تلك النقاشات اختلط المقدس بغير المقدس وكثرت المماحكات ومثلت هى الأخرى عائقاً جديداً آخر. الآن يمر العالم الغربى فى مرحلة مراجعة متعمقة لتجاربه الديمقراطية خصوصا بعد أن دمر الفكر النيوليبرالى العولمى الكثير من المبادئ والقيم الديمقراطية. وهنا أيضا بدلا من أن نتعلم من أخطاء الغرب فى ممارساته للديمقراطية سابقا حتى نتجنب الوقوع فيها أثناء محاولاتنا الذاتية لبناء ديمقراطية عربية متوازنة وعادلة انبرت أصوات تقول بأن مراجعة الغرب لديموقراطيته هى دليل على أن الديمقراطية هى نظام حكم لا يصلح لنا وأننا نحتاج لأنظمة الحزم والشدة والمستنبدين العادلين. وهو ما قد يكون عائقاً مستقبلياً تستفيد منه الجماعات المهيمنة على ثروات المجتمعات. إزالة أو تعديل كل تلك العوائق هو مدخل رئيسى لموضوع الديمقراطية.