** أحمد الصويعي مصباح للأناضول: - لا يوجد مسرح للمتعة فقط فالمسرح إما أن يكون اجتماعيا أو لا يكون.. وهو تأسس لمعالجة الجوانب الاجتماعية - الغرب تقدّم علينا وما ينتجه لصالح القضية الفلسطينية أكثر مما ينتجه العرب لصالحها ولصالح الشعوب العربية - مسرح المواطنة في الوطن العربي مفقود والعروض التي يؤلفها مخرجوها لا علاقة لها بالواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي - في الشارع العربي حركة للتحرر من الهيمنة الغربية والداخلية المرتبطة بالظلم والديكتاتورية - الفنان العربي الرسمي الذي يتلقى تمويلا من الدولة لا يمتلك الشجاعة لمعارضة مموله - المسرح سيظل مقاوما حتى وإن سيطر انتهازيون في بعض الفترات.. والشباب يقاوم وسينتج أعمالا جيدة أشاد المسرحي التونسي أحمد الصويعي مصباح بمهرجان "أيام قرطاج المسرحية"، لكنه دعا للتركيز على المضمون، معتبرا أن المسرح لم يعد يعبر عن الواقع، وما ينتجه الغرب لصالح فلسطين أكثر مما ينتجه العرب. ومساء السبت، انطلقت الدورة 26 للمهرجان، وتستمر حتى 29 نوفمبر الجاري، تحت شعار "المسرح وعي وتغيير، المسرح نبض الشارع". وتتضمن الدورة 12 عرضا بالمسابقة الرسمية، و15 عرضا بقسم "مسرح العالم"، و16 عرضا تونسيا، و6 عروض عربية وإفريقية، و12 عرضا للطفولة والناشئة. كما يشمل 6 عروض للهُوَاة، و16 عرضا في قسم "مسرح الحرية" الذي تشارك فيه وحدات سجنية ومراكز إصلاح. وقال مصباح، وهو مخرج ومؤلف مسرحي ومفتش للتربية المسرحية بالمعاهد الثانوية، في مقابلة مع الأناضول: "التجربة رائدة، لأن أيام قرطاج المسرحية كانت أول مهرجان متوسطي عربي". ولفت إلى أن المهرجان "من تأسيس ثلة من الفنانين، على رأسهم المرحوم منصف السويسي (مخرج تونسي) مدير أول دورة (للمهرجان) عام 1983". وأضاف أن "دورات المهرجان تواصلت وعرفت منعرجات نزلا وصعودا وأحيانا إلغاء المسابقة الرسمية". وتابع: "ونزل مستوى الاهتمام بالمهرجان، ولكن رجعت المسابقة الرسمية للمهرجان ورجع إشعاعه عربيا إفريقيا وحتى دوليا". و"يبقى المهرجان قيمة ثابتة ومكسبا وطنيا مهما جدا للإشعاع الثقافي التونسي وللمثقف التونسي الناشط في العمل المسرحي أو المحب للمسرح"، بحسب مصباح. ** المسرح اجتماعي وحول شعار الدورة الحالية "المسرح وعي وتغيير"، قال مصباح، الذي درس الفن المسرحي في تونس ومصر، إن "المسرح لم يكن للفرجة، بل للتطبيق والتطهير والعلاج". واستطرد: "الجانب الاجتماعي والجانب العلاجي من أجلهما تأسس المسرح، فالمسرح (يكون) اجتماعي أو لا يكون، وليس هناك مسرح للمسرح أو مسرح للمتعة فقط". واعتبر أنه "إذا غاب الجانب الاجتماعي عن المسرح، فسميه أي شيء غير المسرح". وتابع: "فكرة المسرح الاجتماعي المطروحة في هذه الدورة ربما جاء بها المنظمون لتجديد هدف المسرح الأساس". وأردف أن "المسرح يكون اجتماعي أو لا يكون، وحتى عندما يكون سياسي، فالسياسة هي شكل من أشكال العمل الاجتماعي". واستدرك: "لكن المسألة ليست في التسمية، بل في حقيقة التسمية وتطبيقها والالتزام بمضمونها". ** نبض الشارع وحول شعار "المسرح نبض الشارع"، قال مصباح إن "الشارع فاعل ومتحرك وفي تفاعل وجودي". ورأى أن "السؤال هو كيف هو المسرح مع ما يستجد في الواقع الاجتماعي والسياسي؟ التوافق بين الشعار وما عرض خلال الدورة الماضية ضعيف جدا إن لم يكن منعدما". وأوضح أن "شعار الدورة الماضية هو المقاومة، وحرصت أن أتابع كل العروض، خاصة في المسابقة الرسمية عسى أن أجد أثر الشعار في العروض". واستدرك: "فلم أجد عرضا واحدا مقاوما بمفهوم المقاومة التي تغنينا بها، وهي مقاومة فلسطينية في مواجهة الكيان الصهيوني". وأُقيمت الدورة السابقة في وقت كانت تشن فيه إسرائيل، بدعم أمريكي، حرب إبادة جماعية عى الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 8 أكتوبر 2023. مصباح، الذي عمل في مصر وليبيا قبل أن يستقر في تونس، أردف: "يصبح السؤال هنا، لماذا رفعت العنوان ولم تحدد شروط قبول العروض بالتناغم مع شعار الدورة". وتساءل: "العروض العربية الإفريقية المشاركة حاليا هل ستكون فعلا صوتا للشارع؟ أنا أشك من خلال تجربتي في رصد العلاقة بين المسرحيين والمجتمع". وتابع: "ففي مصر هناك مهرجان المسرح التجريبي، والعروض فيه لا علاقة لها بالتجريب، لأن نفس العروض التي تُعرض فيه تعرض في بيروت والرباط وبغداد". و"نفس العروض العادية تذهب إلى القاهرة وتسمي نفسها مسرحا تجريبيا، نحن لنا مشكلة في المصطلحات والالتزام بمضمونها. لنا مفارقة بين الأعمال المسرحية والواقع"، كما زاد مصباح. ** معاناة الشعوب وحول اهتمام الدورة 26 بمعاناة الشعوب العربية، قال مصباح: "في الشارع العربي الآن هناك حركة للتحرر من الهيمنة الغربية والهيمنة الداخلية المرتبطة بالظلم والديكتاتورية والاستبداد". وتساءل: "هل المسرح العربي صوت للشارع ؟ أشك في ذلك". وتابع: "أكون سعيدا لو وضعت اللجنة المنظمة (للمهرجان) شرطا أن يكون العرض مستوحى من نبض الشارع العربي وتوعيته مهما كانت الفكرة". واعتبر أنه "منذ انسحاب الممثل عبد القادر مقداد (تونسي أنتج مسرحيات ناقدة للأوضاع قبل ثورة تونس في يناير 2011) الساحة الفنية إلى عزلته الإرادية، لم نعد نشاهد عروضا اجتماعية". و"مسرح المواطنة في الوطن العربي مفقود، منذ أن توقفت بعض الأسماء عن الكتابة والإخراج"، بحسب مصباح. وعدّد منهم "روجيه عسّاف في لبنان، ووفاة سعد الله ونّوس (سوري 1941 -1997)، وتوقف عز المدني في تونس عن الكتابة، وإن كانت كتابته تراثية لها أبعاد اجتماعية". وتابع: "أصبحت العروض التي يؤلفها مخرجوها لا علاقة لها بالواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي ولا بالتاريخ التونسي وحتى العربي" "بل هي عروض تنسخ عروضا أجنبية، فتحضر عروضا يصفق لها الجمهور، وعندما تسأل عن موضوع العرض لا أحد يجيبك"، كما زاد مصباح. ** أوضاع صعبة مصباح تساءل: "هل ما خُصِص لفلسطين في الدورة السابقة أنتج شيئا في توجيه الناس للقضية نحو سلوك أو وعي أم هو مجرد شعار يرفع وينتهي". وتابع: "حتى في ندوة المقاومة التي نظمتها الهيئة العربية للمسرح ليس فيها حديث عن فلسطين ومستقبلها وما يمكن أن ننتج لفائدة القضية مسرحيا". ورأى أنه "كان يمكن أن تنطلق ورشات لكتابة نصوص وإعداد عروض تخص القضية الفلسطينية، لكن لم يُنجز أي شيء كانت فقط شعارات للاستهلاك الآني". وأضاف أن "الغرب تقدّم علينا في هذا المجال، وما ينتجه لصالح القضية الفلسطينية أكثر مما ينتجه العرب لصالح القضية الفلسطينية ولصالح الشعوب العربية". واستطرد: "السودان يعاني (من تداعيات الحرب بين الجيش و"قوات الدعم السريع" منذ 2023) وكل الشعوب العربية تعاني بصور مختلفة، ولكن الفن هل أنجز صورة حقيقية عنها؟". واعتبر أنه "لا يملك الفنان العربي الرسمي الذي يتلقى تمويلا من الدولة، الشجاعة لمعارضة مموله.. ما دام التمويل من الدولة أو من الأنظمة سيظل المسرحي والمثقف تابعا". ** المسرح "المقاوم" رغم ذلك رأى مصباح أن "المسرح سيظل مقاوما، حتى وإن سيطر عليه بعض الانتهازيين في بعض الفترات.. أنا متابع جيد لما يقدمه الشباب، الشباب يقاوم وسينتج ذلك نوعا من الأعمال الجيدة". وأردف: "هناك منظومة قديمة سيطرت ولا تزال تسيطر، وهي منذ 30 عاما مشرفة على النشاط والمهرجانات، هذا سيتغير.. الأجيال القادمة لها رؤية مختلفة". واعتبر أن "ما قام به الطوفان (هجوم "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023) عدّل كثيرا من الموازين داخل العقل العربي، وخاصة العقل الشبابي، وأنا متفائل. وفي ذلك اليوم هاجمت "حماس" قواعد عسكرية ومستوطنات بمحاذاة غزة، فقتلت وأسرت إسرائيليين؛ ردا على "جرائم الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى"، بحسب الحركة. وتحتل إسرائيل منذ عقود فلسطين وأراضي في سورياولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدسالشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.