تدعم الشهادات المروعة التى أدلى بها جنود إسرائيليون الاتهامات بشأن ممارسة إسرائيل انتهاكات بالغة للقانون الدولى، خلال الهجوم الذى شنته على قطاع غزة. ويشير تشكيل حكومة يمينية قومية فى إسرائيل إلى أن الفترة المقبلة سوف تشهد مزيدا من تلك الانتهاكات. وبالرغم من أن الهجمات الصاروخية العشوائية التى تقوم بها حماس ضد المدنيين الإسرائيليين تمثل جرائم حرب أيضا، إلا أنها لا تعطى العذر لإسرائيل لممارسة انتهاكات. وبينما تشكك إسرائيل فى شهادات بعض الجنود، تشير الدلائل إلى أن إسرائيل ارتكبت المخالفات الست التالية: خرق واجباتها بحماية السكان المدنيين فى قطاع غزة؛ ذلك أنه بالرغم قيام إسرائيل بفك الارتباط مع قطاع غزة فى عام 2005، تظل تلك الأراضى واقعة تحت الاحتلال. ومن ثم، فقد أطلقت إسرائيل نيران أسلحتها ضد شعب هى ملزمة قانونا بحمايته. فرض عقاب جماعى فى صورة حصار، وهو ما يمثل انتهاكا للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة. ففى يونيو 2007، بعدما استولت حماس على قطاع غزة، فرضت إسرائيل قيودا خانقة على التجارة والحركة. وقد أدى الحصار الذى يعد بمثابة عمل من أعمال الحرب وفقا لقواعد القانون الدولى المتعارف عليها إلى انزلاق الأسر إلى هاوية الفقر، ومعاناة الأطفال من سوء التغذية، وحرمان المرضى من تلقى العلاج، مما أدى إلى الوفاة. ومن ثم، فقد واجه سكان غزة هجوم الشتاء، بينما كانوا فى حالة ضعف بالغ الشدة. الهجوم عمدا على أهداف مدنية. تسمح قوانين الحرب بالهجوم على أهداف مدنية فقط إذا كانت هذه الأهداف تشارك بشكل فعال فى العمليات العسكرية، وهو ما يعطى تدميرها أهمية كبيرة. غير أن الجنرال الإسرائيلى دانيال هاريل قال: «نحن لا نضرب فقط الإرهابيين ومطلقى الصورايخ، بل أيضا حكومة حماس بأكملها وكل أجنحتها». وتعهد الميجور أفيتال ليبوفيتش أحد المتحدثين العسكريين الإسرائيليين بأن «أى شىء مرتبط بحماس يعد هدفا مشروعا». وقد دمرت النيران الإسرائيلية المساجد والمستشفيات والمصانع والمدارس وأحد مرافق الصرف الصحى الرئيسية ومؤسسات مثل البرلمان والوزارات الرئيسية والسجن المركزى ومقار الشرطة وآلاف المنازل. قتل المدنيين عمدا دون مبرر عسكرى. عندما تُقصف المؤسسات المدنية، يُقتل أفراد ليسوا أعضاء فى القوات المسلحة للطرف المقاتل، ولا يشاركون بشكل مباشر فى العمليات العدائية. ويعطى القانون الدولى حق قتل المدنيين إذا كان الهدف من الهجوم عسكريا، على أن تكون الوسائل متناسبة مع المكاسب التى ستتحقق من ذلك. لكن هذا التناسب لا يكون مهما إذا كانت أهداف الهجوم ليست عسكرية من الأساس؛ ذلك أن العاملين لدى حكومة حماس شرطة المرور وكتبة المحاكم والسكرتيرين وغيرهم لا يصبحون جزءا من المقاتلين لمجرد أن إسرائيل تعتبر حركة حماس، التى تتولى الحكم، منظمة إرهابية. ولا تعتبر العديد من الدول العنف ضد الاحتلال الأجنبى إرهابا. ووفقا للمقرر الخاص للأمم المتحدة ريتشارد فولك فأنه من بين 1434 فلسطينيا قتلوا فى الهجوم على غزة، بلغ عدد المدنيين 960، بينهم 288 امرأة و121 طفلا. وقد أبلغ المحامون العسكريون الإسرائيليون قادة الجيش أن الفلسطينيين الذين يبقون فى مبنى مستهدف بالرغم من تنبيههم بضرورة مغادرته هم بمثابة «دروع بشرية طوعية»، أى مقاتلين. والجنود الإسرائيليون قد «طرقوا الأسطح» أى أطلقوا النيران صوب زوايا المبانى أولا قبل أن يضربوا النقاط الأضعف بهدف «تحذير» السكان الفلسطينيين كى يهربوا. وفى ظل إغلاق إسرائيل تقريبا جميع مخارج قطاع غزة المكتظ بالسكان، وفى ظل سيادة الفوضى فى القطاع، فإن ذلك يعد تباهيا شديد القسوة من جانب إسرائيل بأنها تلتزم بالقانون الدولى. فقتل المدنيين عمدا دون وجود ضرورة عسكرية تقتضى ذلك يعد انتهاكا صارخا لاتفاقيات جنيف، ويعد من قبيل جرائم الحرب فى ضوء مبادئ نورمبرج. استخدام القوة المفرطة عمدا. تحدث الجنرال جادى ازينكوت، قائد القيادة الشمالية الإسرائيلية العام الماضى بشأن الصراعات المحتملة مع جيران إسرائيل فى المستقبل قائلا: «سوف نستخدم القوة المفرطة ضد كل قرية تُطلق منها النيران على إسرائيل، ونسبب خسائر ودمارا هائلا». ويمكن أن يمثل هذا الاعتراف الصريح بشأن النوايا المخالفة للقانون دليل إدعاء ضد إسرائيل. استخدام أسلحة غير مشروعة، ومنها الفسفور الأبيض. أُجبرت إسرائيل فى النهاية على الاعتراف بأنها استخدمت الفسفور الأبيض فى قطاع غزة بعد أن أنكرت ذلك فى البداية. ومن الناحية القانونية، يمكن أن يُستخدم الفسفور الأبيض فى عمل ساتر دخانى، لكنه لا يجب أن يُستخدم كسلاح، لأنه يُحدث حرائق عميقة من الصعب جدا إطفاؤها. يجب أن يخضع الإسرائيليون الذين خططوا أو وجهوا الأوامر أو نفذوا هذه المخالفات المحتملة للمحاكمة. ويعد تعيين ريتشارد جولدستون، المدعى السابق للأمم المتحدة بشأن جرائم الحرب فى جنوب أفريقيا، لرئاسة لجنة لتقصى الحقائق فى جرائم الحرب المحتملة، التى قد يكون الطرفان المتحاربان قد ارتكباها فى النزاع الأخير فى غزة، هى خطوة مهمة فى الطريق الصحيح. New York Times