- المكتبات العامة حجر أساس بناء صناعة نشر قوية واقتصاد ثقافي مستدام. -أصدرنا 600 عنوان في عام واحد..ونصدر ما يقارب 350 عنوانًا سنويًا بين الجديد والمعاد طبعه - بعض الموظفين يرون في أنفسهم أوصياء على الثقافة - الكتاب المدرسي من أهم نشاطات الناشرين في العالم.. الوزارات تحدد القيم والمناهج ودور النشر تتنافس على التنفيذ.. وهذا سر تميز الدول المتقدمة في التعليم مثل فنلندا وكوريا وسنغافورة - حجم الصناعات الإبداعية يصل إلى 6.5 تريليون دولار.. والكتاب العربى يستحوذ على %0.5 فقط من السوق العالمية نستكمل في السطور التالية الجزء الثاني من حوار المهندس إبراهيم المعلم، رئيس مجلس إدارة الشروق، مع الإعلامي حازم شريف، في أحدث حلقات "CEO Level Podcast" المذاع على قناة جريدة المال باليوتيوب، حيث تتكشف ملامح رؤية شاملة تتجاوز حدود النشر والثقافة إلى مفهوم أوسع: كيف نبني مؤسسات قادرة على الحياة في عالم متغير. يتحدث المعلم بعين الناشر والمثقف ورجل الصناعة في آن؛ عن التجربة، والمخاطرة، والإيمان العميق بأن الثقافة ليست ترفًا بل استثمار في المستقبل. من ملعب الكرة إلى صفحات الكتب، ومن المطبعة إلى الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، يرى المعلم أن كل مجال يواجه التحدي نفسه: البقاء عبر التطوير. يضرب المثل بالنادي الأهلي، الوحيد – كما يقول – الذي يفكر بعقل اقتصادي، يستغل شعبيته واسمه التجاري لبناء شركات وعوائد جديدة. لكنه في المقابل يتوقف عند سؤال الملكية باعتباره جذر المشكلات التى يواجهها النادي. - تأسيس اتحاد الناشرين بعد سنوات من الغياب حول تأسيس الاتحاد أوضح المعلم قائلا:"كان عندنا اتحاد ناشرين قديم كان موجودا في الخمسينات، لكن مع التأميمات وتغيّر القوانين في الستينات، توقف نشاطه. لما حاولنا نرجّعه، اصطدمنا بقوانين قديمة بتتكلم عن وزارات ما بقتش موجودة أصلاً، وزارة الخزانة مثلًا بقت وزارة المالية، والمؤسسة المصرية العامة للأنباء والنشر اختفت وأصبحت الهيئة العامة، وهكذا حدثت الكثير من التغيرات في المسميات، والناشرين عندهم مشكلات بحاجة لحل، فضلنا نلفّ بين الوزارات إلى أن جاء وزير الثقافة فاروق حسني. قلنا له وكان معى الأستاذ محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب الآن «الحل إنك ترسل خطابًا رسميًا تقول فيه أن وزارة الخزانة هي وزارة المالية، وتخاطب وزير المالية بتعيين ممثلين بدل الجهات القديمة. وفعلاً اقتنع، وبعث بالخطابات، وبدأ اتحاد الناشرين المصريين يعود ثم تأسس اتحاد الناشرين العرب». لكن الصراع لم يكن إداريًا فقط، بل ثقافيًا وفكريًا في جوهره، كما يوضح المعلم: «كان في وقتها ناشرون في مصر ولبنان وسوريا والمغرب عندهم بعد فكري ووعي قومي ومشروع ثقافي حقيقي، لكن في المقابل كان هناك موظفون حكوميون يرون النشر خطر عليهم. عايزين يحتكروا الطباعة والنشر باعتبارهم الأدرى بمصلحة المواطن. وكانت هناك حملة منظمة ضد الناشرين المستقلين، بيتهمونا إننا رأسماليين وبنستغل الثقافة. فكان لازم ندافع عن فكرة الناشر المثقف الوطني، اللي بيشتغل بإيمان واحترام للمهنة، وكانت معركة وجود. واللي انتصر فيها مش الأشخاص، لكن فكرة النشر الحر نفسها. وده اللي مكّن مصر والعالم العربي من أن ينهضوا تاني». وفي سؤال حول تدخل الحكومات في حركة النشر والطباعة، قال المعلم إن المشكلة ليست في الحكومات ذاتها بقدر ما هي في عقلية بعض الموظفين الذين يرون أنفسهم أوصياء على الثقافة، موضحًا: «الموظف شايف إن هو اللي عارف مصلحة البلد، وهو اللي يحدد إيه اللي يُطبع وإيه اللي يُمنع، كأنه وحده اللي عارف المواطن محتاج يقرأ إيه! وده نوع من السيطرة لازم يكون في إيده، فيصرّ على إن الطباعة والنشر تفضل عنده». وأشار إلى أن بعض الوزارات لا تزال نشطة في مجال الطباعة، خاصة في الكتب المدرسية، لكنه يرى أن هذا النشاط يجب أن يكون بروح المنافسة لا الاحتكار، قائلًا: «أنا في آخر اجتماع لاتحاد الناشرين الدولي، شُفت إن أهم نشاطات الناشرين في العالم هو الكتاب المدرسي. الوزارات بتحدد القيم والمناهج، ودور النشر هي اللي بتتنافس على التنفيذ. وده سر تميز الدول المتقدمة في التعليم زي فنلندا، وكوريا، وسنغافورة، واليابان». وعند المقارنة بين دورة إصدار الكتاب المدرسي في تلك الدول وبين مصر، أوضح المعلم: «هناك دور النشر بتحشد طاقات البلد كلها: مؤلفين، خبراء تربية، رسامين، ومحررين، علشان يطلع كتاب علمي جذاب للطفل، لكل المراحل التعليمية. الدولة بتحط الإطار العام، ودور النشر تتنافس داخله. أحيانًا بيكون فيه اختيار مركزي، وأحيانًا بتختار كل ولاية أو مدرسة من المناهج اللي شايفها مناسبة، لكن عندنا التفكير مختلف. الوزارات بتشوف إن مسؤولية الكتاب المدرسي تخصها بالكامل، وإن دور النشر بس تنفّذ الطباعة». وأوضح أن المفكر طه حسين تناول هذه القضية مبكرًا في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، مؤكدًا ضرورة تحرير الكتاب التعليمي من قبضة البيروقراطية وإطلاق طاقات التنافس الإبداعي. واختتم المعلم حديثه بتحليل دقيق لمعنى الكتاب المدرسي في حياة الطفل، قائلاً: «الكتاب المدرسي هو المقابلة الأولى بين الطفل والكتاب. لو كان جميلًا وجذابًا وعصريًا، هيحب القراءة والتعليم، لكن لو كان جامدًا ومملًا، الطفل هينفر من الكتاب ومن المدرسة كلها. ووقتها، لو فقدت حب الطفل للقراءة، صعب جدًا ترجّعه تاني».
- بدايات تأسيس دار الشروق وتناول المعلم بدايات دار الشروق، موضحًا أن الانطلاقة لم تكن بعدد كبير من العناوين، إذ قال: «كنا بنعمل في السنة 20 أو 30 كتابا، لأن الإبداع نفسه كان في صعوبة في الوقت نفسه، وأضاف أن التطور جاء تدريجيًا حتى وصلنا في إحدى السنوات إلى إصدار 600 عنوان، لكنه أقرّ أن ذلك الرقم كان فوق قدرة السوق على الاستيعاب، موضحًا «هذا العدد أكبر على استيعاب المكتبات من الإصدارات خلال السنة». وأشار إلى أن دار الشروق تصدر اليوم ما بين 200 إلى 350 عنوانًا سنويًا ما بين كتب جديدة وإعادة طباعة، في حين أن دور النشر الأوروبية، على حد قوله تصل إلى إصدار أكثر من 1000 إلى 2000 عنوان سنويًا بفضل العدد الكبير للمكتبات العامة والمدرسية هناك. وأكد المعلم أن المكتبات العامة هي حجر الأساس في بناء صناعة نشر قوية واقتصاد ثقافي مستدام، قائلًا: المكتبات هناك بتشتري الجديد والجيد وبتوفره مجانًا للقارئ، وده بيخلق قاعدة اقتصادية للنشر والتأليف». وأضاف أن وجود عدد مناسب من المكتبات العامة بالنسبة لعدد السكان يجعل حركة النشر والتأليف أكثر نشاطًا وتجديدًا، لأن الناشر يصبح مدفوعًا لتقديم الجديد والمتميز بدلًا من تكرار الموجود. وعن نموذج العمل التجاري (البزنس موديل) للنشر، أوضح المعلم أن السوق في البدايات كانت تعتمد فقط على الكتاب الورقي، دون بدائل رقمية أو إلكترونية، وكانت وسائل الترويج محدودة في الصحف والنقد والمراسلات. «ما كانش فيه سوشيال ميديا، وكان أهم وسيلة دعاية هي المقالات النقدية والجوابات بين الكتّاب والقراء. وأشار إلى أن التصدير للأسواق وبداية إقامة معارض الكتاب في الدول العربية هو ما ساعد في إزدهار حركة النشر في تلك الفترة، لافتًا النظر إلى معاناة الناشرين مع ضعف شبكة المكتبات العامة والمدرسية قائمة حتى اليوم. أرقام المبيعات والظواهر الثقافية استعاد المعلم ذكريات من الستينيات والسبعينيات حين كانت بعض الكتب تحقق مبيعات ضخمة في زمن قياسي، قائلًا: «أيام دار القلم، في كتاب لعباس العقاد بعنوان "الثقافة العربية أسبق من الثقافتين اليونانية والعبرانية»، صدر عن سلسلة المكتبة الثقافية، باع 40 ألف نسخة في نص يوم سنة 1961، مضيفًا: ده رقم صعب جدًا يتحقق النهاردة». وتابع وكتاب "عودة الوعي" لتوفيق الحكيم باع نحو نصف مليون نسخة خلال ستة أشهر في السبعينيات، موضحًا أن تلك المرحلة شهدت نجومية حقيقية لكتّاب مثل أنيس منصور ومصطفى محمود ويوسف إدريس، إذ كانت الطبعة الواحدة من كتبهم لا تقل عن عشرة آلاف نسخة وكثيرًا ما تنفد خلال أسبوع واحد أحيانًا. وفي مقارنة بين زمنين، طرح الإعلامي حازم شريف، سؤاله على إبراهيم المعلم قائلًا: لو انتقلنا إلى 2025، أجدع كتاب في لغة السوق بيبيع كام نسخة؟ قال المعلم: «فيه كتب فعلاً بتبيع أرقام كبيرة، يعني في كتب توصل ل30 ألف نسخة، وأحيانًا أكتر من كده، لكن دي حالات قليلة، يمكن في السنة كلها. النهارده فيه كتاب بيوصلوا ل50 أو 60 ألف نسخة، زي أحمد خالد توفيق، وأحمد مراد، وعلاء الأسواني، ويوسف زيدان، ومحمد طه، وريم بسيوني، وغيرهم. وفي الكتب السياسية كمان، زي كتاب هيكل «أسرار المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل»، اللي باع 60 ألف نسخة في مصر فقط، وكان رقم ضخم وقتها».
وتابع: «الناس بتقرا، بس مش في كل موضوع ولا في كل وقت. في العالم كله فيه كتب أدب، وتاريخ، وسير ذاتية، وعلوم، وتنمية ذاتية... لكن معظم الإقبال دلوقتي على الرواية والخيال وكتب التنمية. وده كويس، بس القراءة لازم تفضل أوسع من كده. زي كتاب هيكل مثلًا، لمس حاجة في وجدان الناس فقرأوه بشغف، لأنهم كانوا عايزين يفهموا». في سؤال حول مستقبل صناعة النشر وطرق تمويلها، قال المعلم «حتى الآن، في معظم العالم العربي، الكتاب الورقي يظل الشكل الأكثر انتشارًا بنسبة كبيرة، بينما يشكل الكتاب الإلكتروني نسبة ضئيلة قد لا تتجاوز 2%. وللأسف، في حركة تزوير إلكتروني واسعة عبر ملفات PDF المصورة من الكتب، وهذه ليست نشرًا إلكترونيًا حقيقيًا. النشر الرقمي الحقيقي له مزايا تقنية واضحة منها إمكانية البحث داخل النص، دقة العرض، تكبير وتصغير الخط، وخصائص تفاعلية أخرى. أما ال PDF المصور فمجرد صورة لا تتيح هذه المزايا، وغالبًا ما يُستخدم في التوزيع غير المحسوب؛ لا أحد يعرف كميته الحقيقية أو عدد مرات تنزيله أو مبيعاته، بل وقد تُجرَّى عليه تعديلات واختصارات أو حذف أو إضافة مما يشوّه النص الأصلي. لذلك، نحن وغيرنا نبحث عن وسائل حديثة تتجاوز مجرد رقمنة الصفحات: ليس فقط الكتاب الرقمي والتوزيع الإلكتروني أو أجهزة القراءة كKindle، بل القراءة على الموبايل والكمبيوتر بواجهات ذكية وخدمات تتيح تفاعلاً حقيقيًا مع المحتوى». وكشف المعلم أن دار الشروق تعمل حاليًا على مشروع جديد من خلال الذكاء الاصطناعي، يهدف إلى تطوير مفهوم الكتاب نفسه، من حيث الشكل والمحتوى وطريقة الإخراج والتوصيل والتفاعل مع القارئ: «عايزين نعمل حاجة حديثة جدًا، في شكل ومحتوى وإخراج الكتاب وطريقة توصيله للقراء وتفاعلهم معه، مش هيكون مجرد نص يُقرأ، ده تجربة متكاملة. القارئ هيقدر يعيشها بلغات مختلفة، ويركز على المعلومة اللي تهمه ويستزيد منها، أو يسمع الكتاب بدل ما يقرأه، أو يجمع بين الاثنين» وتابع: «التطوير الحقيقي مش بس في الشكل أو الوسيط، ده كمان في طريقة البيع والتفاعل. هل القارئ هيشتري كل كتاب لوحده؟ ولا ممكن يشترك شهري أو سنوي ويقرأ أكتر؟ ولو اشترك، يبقى ليه حدود وعدد معين من العناوين؟». وأكد: «المرحلة الجاية سوف تستفيد من كل وسائل الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة المحتوى وعمقه، وجعل الكتاب أكثر تفاعلًا وحيوية مع القارئ، وذلك بالتعاون مع عدة شركاء». وأوضح المعلم: «احنا في الكتاب الورقي اتأخرنا عن العالم ما بين 400 و500 سنة. دلوقتي العالم بيدخل أبواب واسعة وفيها تطورات لازم ندخل معاه، وإذا قدرنا نسبق ونبقى جزء من العالم يكون أفضل، لافتًا إلى أن حجم الكتاب الورقي العربي في العالم نصف في المية ولذلك ليس له تأثير لا على الحركة أو مستقبل النشر». وتابع: «عشان أعمل الكتاب الورقي محتاج تأليف ورسم وورق ومطابع وعمّال وحبر، وبعدها مخازن ونقل لمكتبات لها إيجارات وديكور وتكلفة مهولة جدًا عشان يوصل للقارئ. أما النشر الإلكتروني والذكاء الاصطناعي جزء كبير من ده هيوصله، وهيخلي الكتاب يوصل لك في بيتك بدل ما تنزل وتشيل. فالمفروض ده الأسهل». وحول تشجيع صناعة النشر، قال المعلم: «المطلوب دلوقتي التركيز على الصناعات الإبداعية. فاليونسكو والاتحاد الدولي للناشرين من زمان لها اعتبار هائل. الصناعات الإبداعية تشمل محتوى ثقافي وإبداعي زي النشر: الكتب المدرسية، الجامعية، الدوريات العلمية، والصحف والمجلات، وكمان السينما والموسيقى والأوبرا والتصميمات المعمارية والإعلان والبرمجة ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي».
وأوضح المعلم: «حجم الصناعات الإبداعية في العالم يتراوح بين 2.6 و6.5 تريليون دولار حسب التعريف ودخول وسائل الاتصال ضمنها، وحجمها هائل وتأثيرها على الإنسان بالغ الأهمية، لأن : «الإنسان هو أساس أي تنمية، وأي تنمية هدفها تنمية الإنسان نفسه. مثال بسيط: أهم دخل لمصر دلوقتي هو الدخل اللي بيعمله الإنسان المصري من تحويلاته، اللي بتوصل بتزيد عن دخل قناة السويس والبترول. الصناعات الإبداعية تساعد في بناء الإنسان وتنميته وإسعاده. الدراسات العالمية بتقول إن دي أكبر صناعة تنمو، والإنسان متقبلها وسعيد بها، وتأثيرها، مع الصحة، هو الأكبر على الإنسان وعلى المستقبل». وأضاف: «مصر عندها ميزات نسبية هائلة. من زمان قدمت عدة مشاريع لإنشاء مجلس أعلى للصناعات الإبداعية، لكن ده محتاج تنظيم. في دول زي بريطانيا وفرنسا واليابان وإيطاليا، ووزير الثقافة هو نفسه وزير الصناعات الإبداعية والآثار والمتاحف والرياضة، لأن الرياضة جزء من الثقافة. مؤكدًا: الصناعات دي بالغة الأهمية، وتعمل تقدم حقيقي. عندنا تاريخ وكوادر ومزايا نفسية هائلة، فلازم نحميها وندرك أهميتها ونشجعها، ونوفر حماية حقوق الملكية الفكرية، لأنها أساس إطلاق هذه الصناعات». وتابع: «لازم نجمع أصحاب المصالح الحقيقيين في مكان، يعملوا خطط لكيفية حماية الصناعات دي، وتنميتها، وإزدهارها. ما يبقوش موظفين حكومة، لأن هدفهم مصالحهم الحقيقية، وحجمهم كبير جدًا في العالم، وفي بعض الدول بيشتغل في المجال ده 10–12% من الطاقة البشرية العاملة. يعني في تشغيل وبناء للإنسان. السلاح الحقيقي للإنسان في العمل والتقدم هو العلم والمعرفة والقدرة على التطبيق»
وأردف: «إحنا دلوقت في عصر التعليم التقليدي مش كفاية. لازم يكون فيه تعليم مستمر، وده هيجي من خلال الصناعات الإبداعية، لأن المناهج وطرق التعليم والكتب والمدارس جزء منها. طرق التعليم بتختلف وبتتطور، وفيها إبداع. لازم ندرك أهميتها، ونعمل الإجراءات اللي تخليها تزدهر وتنفع الإنسان». وأشار إلى بعد آخر: «تصدير الثقافة بمعناها الواسع – الكتاب، السينما، الفن، المسلسلات، الرياضة – ده بيساعد ويمهد لباقي الصادرات. اللي بيقرأ قصصك ويتفرج على أفلامك ويسمع موسيقاك بيقبل سياستك ويحب بلدك، وهيكون مستعد ياخد منتجاتك، صح؟. عندك اختيارين: إما تصدر ثقافة وتكون مركز إشعاع ونموذج وقوة ناعمة، أو تستورد وتكون مجرد مركز تلقي». وفي سؤال حول خطة النشر ومراحلها قال المعلم: « في طريقتين للعمل: يا إما الفكرة بتجي عند الناشر، يا إما الناشر هو اللي بيكلف كتابًا. وأضاف: « فيه ناس بتؤلف وتبدع من نفسها. إحنا كدور نشر جاد بنشتغل بلجنة تقييم، بتبحث كل ما يُقدم أولاً: هل الموضوع متناسب مع خطة النشر الحالية؟ هل ليه قبول في السوق؟ بعد كده يتم البحث علميًا ولغويًا: هل المحتوى مضبوط، هل يحتاج تنقيح أو تصحيح لغوي أو إضافة؟». وتابع: «لجنة القراءة دي بتكون سرية، واسم المؤلف بيتحجب، عشان القراء والمراجعين ما يكونش عندهم تحيز. بعد موافقة اللجنة، بيبدأ التنقيح: كل ما يكون الكاتب كبير، بيكون سعيد بالنقد والملاحظات. أحيانًا الكتاب الصغيرين بيكونوا حساسّين، وبيعتقدوا إن الإبداع مقدس حتى لو فيه معلومات غلط». وحول اختبار السوق للكتاب الجديد، قال: «الطبعة الأولى مش لازم تكون كبيرة، العدد محدود. في مصر والعالم العربي دلوقتي فيه تفجر مواهب في كتابة الرواية، لكن عدد القراء أحيانًا ما يوازي العدد الكبير من الكتاب. كمان المناهج والمدارس ما بتهتمش بالأدباء القدامى أو الحاليين، فالجسر بين الكاتب والجمهور ضعيف». وعن أمثلة عملية، أشار: «ممكن العكس يحصل. الدكتور أحمد زويل الله يرحمه عمل كتاب، لكنه ما نجحش تسويقيًا. الطبعة الأولى ما باعتش كما يجب. قابلته، وناقشت معاه تحديث الكتاب وإضافة أجزاء، وبالفعل حدثناه ونقحناه، وبقى الكتاب أفضل. لجنة النشر كانت متخوفة، لأنها قالت الناس ما بتقرأش في العلم، لكن مع دراسة السوق والتجربة العملية، أصدرنا منه 30 طبعة». وأضاف مثالًا آخر: «في كتاب للدكتور بطرس غالي كان فيه تخوف شديد لأنه كتاب متخصص جدًا، ناس قالت مين هيقرأ عن السياسة الدولية، أو مين اللي هيتابع في الموضوع ده، لكن بعد التقييم والتنقيح، تم نشره بشكل مناسب».
وحول كواليس لجنة القراءة ومفاجأت بعض المؤلفات ومسؤولية الناشر قال المعلم « ساعات بتحصل مفاجآت جميلة. أحيانًا نجاح محدود بيبين إن الكتاب مهم، وبعدين نجاحه بيكبر. زي كتاب "أوروبا تاريخ وجيز"، ترجمه الدكتور محمود محيي الدين، قلنا هنعمل طبعة، وعملناها. الكتاب مهم، مكتوب في المكتبة العربية، صدر منه 10 طبعات حتى الآن. وأضاف «دلوقتي فيه كتاب جديد، أربع أساتذة كبار في التاريخ بيشتغلوا عليه من سنتين، وأملي كبير إنه ينجح نجاحًا باهرًا ومبهرًا، وده كله بدون تكليف، مجرد شغف وإصرار». وقال المعلم أن فكرة التكليف في النشر تشبه دور رئيس التحرير، أحيانًا تكون هناك رغبة في إنشاء موسوعة أو سلسلة كتب عن مشاهير العلماء، أو سلسلة عن التاريخ، للكبار والصغار على حد سواء. بعد ذلك:«تُجمع مجموعة من الكُتاب الكبار، وتُناقش الأفكار معهم في جلسات فكرية، دون أن يُفرض عليهم ما يكتبونه، فالتركيز يكون على الفكرة نفسها ومن هو المؤلف الأنسب لتقديمها. وأشار إلى بعض المفاجآت التي واجهها في مسيرته: «ابتدينا مع أنيس منصور، الذي لم يكن لديه كتب من قبل. وكنت موجودًا في مصر وأبي في لبنان، ذهبت له وكان نجمًا يقوم بتحقيقات ويسافر ويكتب بشكل مقروء وجاذب في الصحف والمجلات، لكنه قال لي إنه لا يعرف على ماذا يكتب. قدمت له عقدًا ومقدمًا لتشجيعه، وهو قال لي: "أنت ذلتني، أنا أخذت فلوس كتير وصرفتها، ومقدرش أرجعها، وبعد أن بدأ الكتابة، انطلق بشكل مذهل». وأضاف: «كتاب الدكتور مصطفى محمود "القرآن: محاولة لفهم عصري" واجه هجومًا عند صدوره، لكنه حقق نجاحًا هائلًا ومبهرًا، وكان الدكتور مصطفى محمود في ذلك الوقت تقريبًا بلا كتب سابقة. حتى علاء الأسواني، مع روايته "عمارة يعقوبيان"، لم يكن ظاهرة من البداية، لكنه نجح نجاحًا كبيرًا، وأدى إلى متابعة القراء للروايات الأخرى وارتفاع حركة القراءة بشكل ملحوظ». وتابع: «هناك أيضًا أحمد مراد الذي أصبح ظاهرة، ويوسف زيدان مع روايته "عزازيل"، الذي كان قبلها مهتمًا بالتحقيق، وحتى "عزازيل" كان فيه خلاف مع لجنة النشر، لكن الرواية نجحت نجاحًا باهرًا، وأصبحت إعادة طباعتها سهلة، وحصلت على جائزة البوكر. كذلك، نورا ناجي تحظى باهتمام واسع، والدكتورة رضوى عاشور مكانتها عالية ومحترمة، دائمًا عليها إقبال في العالم العربي كله». وفي سؤال جديد قال الإعلامي حازم شريف:«متى فكرت إنك تتحول وتبقى رجل أعمال؟ أقصد إنك مش بس بتستثمر في نشاطك الأساسي؛ دور النشر، لكن كمان عندك أنشطة استثمارية أخرى زي التغليف وغيرها. متى بدأ عندك مفهوم رجل الأعمال أو فكرة التنوع دي؟ قال إبراهيم المعلم: «أنا ما ظنش إن عندي كونسبت رجل الأعمال، وبالمناسبة أنا مش سعيد باستخدام الصحافة لكلمة رجل الأعمال. في ناس بقى يعملوها تريقة ويكتبوها بالعربي "بيزنس" ويكتبوها كده بالياء ومش عارف إيه، ويخلطوا بين رجل الصناعة، والثقافة، والزراعة، والاقتصاد، وسمسار بيخد عمولة على بيع حاجة، وهو راجل أعمال! وراجل أعمال ماشي بشنطة سامسونايت أو الصور اللي كانت بتطلع زمان في الصحافة، واحد كده لابس نظارة سودا وفي بقه سيجار كبير وبكرش. مش كده ولا إيه؟ فأنا ما أعرفش راجل أعمال إيه؟» وأضاف المعلم موضحًا مسار التطور المهني لمجموعته: «إحنا بصفة عامة ابتدينا في النشر، ووصلنا لمستوى متميز في شكل الكتاب وإخراجه، وبقينا مدركين المستوى العالمي في الطباعة، فقلنا عايزين نعمل مطابع عشان نكمل، ونوصل للمستوى. فالطباعة مهنة، وأنا مهندس وأبويا خريج علوم، فعملنا مهنة الطباعة كما يجب أن تكون. فبقى في مطابع في بيروت، وبعدين في القاهرة، وتطورت المطابع.» وتابع: «الطباعة صناعة هائلة، فيها طباعة كتب ومجلات، لكن كمان فيها طباعة علب الأدوية، والأكل، والتلفزيونات. فأصبحت الصناعة كبيرة، وpackaging مش طباعة بس، طباعة وتغليف، فبنستكمل. وبقيت عايز الورق المناسب للاستخدام في الباكچينج، فعملنا مصنع علشان يعمل الورق. فهي كلها استكمال حلقات مرتبطة ببعض، وأظن إن إحنا تفوقنا.» وتابع: «إحنا حتى في النشر، ما وقفناش عند إصدار الكتب. عملنا دار نشر وسلسلة مكتبات، وشركة للإنتاج التلفزيوني، اللي عملت برامج وثائقية، وقدّمت دراما مأخوذة من كتبنا زي "عايزة أتجوز" و"أفراح القبة"، وكمان مسلسلات زي "سبعة تسعة"، وأفلام زي "الفيل الأزرق".» وفي محاولة لتبسيط هيكل المجموعة، قال الإعلامي حازم شريف: إذا أردنا نفلتر المسائل.. الوطنية للطباعة تحتها كام شركة؟ فأجابه المعلم موضحًا: أربع شركات: "الأولى مطابع الشروق، ثم شركة ويندسور لمواد الطباعة والثالثة شركة البدّار، وهى متخصصة في التغليف والتعبئة. أما الرابعة فهي الوطنية، اللي بتنتج الورق في مدينة السادات.» وانتقل الحديث إلى الخطط المستقبلية للشركة، فقال المعلم: : «التوسع ليس فقط في مجال الكتب، لأن الكتاب المدرسي سيظل موجودًا بل سيزيد. نحن أحيانًا ننسى أننا جزء من العالم، والعالم نفسه كان قد فرح بفكرة التابلت في التعليم، لكنه عاد وألغاه بعد أن أثبتت التجربة أنه مضر وليس مفيدًا، لأنه يُضعف العلاقة بين التلاميذ وبعضهم وبينهم وبين المدرس، ويصرف انتباه الأطفال نحو الجهاز نفسه بدلًا من المحتوى».
واستطرد المعلم متسائلًا: «اسأل نفسك: علب الأدوية، علب الأكل، الكراتين، أكياس التغليف… هل هتزيد ولا هتقل؟ كلها بتزيد. أحد مقاييس الحضارة هو استهلاك الإنسان من الورق، ونسبتنا في مصر ما زالت قليلة جدًا، حوالي الربع مقارنة بالدول الأخرى». وفي سؤال حول هل النسبة الصغيرة تعني وجود فرصة للنمو؟ فأجاب المعلم: لأ، معناها إن في جزء كبير من السكان ما عندوش الإمكانيات لاستخدام الورق الاستخدام الأمثل. الورق مش بس في الكتب، ده في الكراريس، والجرائد، وعلب الأدوية، وتنشيف الإيدين. كله بيستهلك ورق.»