«يوم بلا شاشات» عنوان حملة أطلقتها الدكتورة منى الحديدى، أستاذة الإعلام المعروفة، وتجد فى كل يوم شركاء جدد ينضمون إليها، من بينهم مكتبة الإسكندرية، التى استضافت ندوة حول هذا الموضوع، تحدث فيها عدد من أساتذة الإعلام المرموقين، وأدارها الدكتور أحمد زايد، مدير المكتبة. تنطلق الحملة من اعتقاد بخطورة بقاء الأطفال أمام شاشات التليفون المحمول والكومبيوتر لفترات طويلة، نظرًا لأن لها تداعيات نفسية واجتماعية وصحية عليهم، وبالتالى تحتاج تلك الظاهرة إلى مواجهة حقيقية، وقد يكون فى إطفاء الشاشات لمدة يوم إشارة للمهمة الصعبة، وهى تنظيم علاقة الأطفال بالشاشات المضيئة، على نحو لا يسبب لهم متاعب، ويتيح لهم الإفادة من فرص الانفتاح والتعليم والتثقيف وتبادل الخبرات التى يوفرها الفضاء الرقمى. ندوة مهمة حضرها عشرات الشباب والشابات وممثلو العمل الأهلى وطلاب وطالبات كليات ومعاهد الإعلام، ذكرت فيها آراء قيمة، أكدت وجهة نظر سابقة عندى أن القضية ليست تقنية أو فنية بقدر ما هى ذهنية عقلية فى المقام الأول. فالشخص فى مجتمعنا، أسوة بالمجتمعات الأخرى، يقضى وقته بين حالتين أوف لاين، وأونلاين. الأولى هى الوجود فى الواقع المادى، والانخراط فى العلاقات المباشرة، وتمثل الثانية حالة الوجود فى الفضاء الرقمى. ونظرًا لأن الإنسان كل لا يتجزأ، ولا يستطيع أن يقسم ذاته بين عالمين، فإن حياته أمام الشاشة هى امتداد لحياته فى الواقع المادى. والطريقة التى يتعامل بها فى الحياة المادية، هى نفس الطريقة التى يلجأ إليها فى الحياة الإلكترونية. مثال على ذلك الشخص التافه فى الحياة الواقعية تافه أيضًا فى الحياة الافتراضية، والشخص الشهوانى فى علاقاته الاجتماعية، ونظرته لذاته والآخر، هو كذلك على الفضاء الرقمى، والعكس صحيح، فإن الشخص الذى تشغله أفكار تقدمية فى الحياة، سوف يفتش عنها على الشبكة العنكبوتية. الفارق الوحيد أن الفضاء الإلكترونى يمنح الشخص وقتًا متسعًا، غير محدد، بعكس الواقع المادى. إذا كان هناك شخص مغلوب بحمى الاستهلاك، فقد يتيح له الواقع فرصًا للتسوق أقل بكثير ما يتيحه له الواقع الافتراضى. أخلص من هذا إلى أن بناء الاتجاهات الإيجابية لدى الشخص فى الواقع هى التى تدوم معه حين يكون بمفرده أمام الشاشة، لمدة زمنية يختار هو مداه. من هنا فإن الخشية على الأطفال من الإنترنت مشروعة، ولكن ليس العلاج فى رأيى هو الحد من استخدامهم للإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعى، لأن ذلك لم يعد سهلًا، بل يتعين بذل الجهد لحسن تكوينهم، وتوجيههم فى مراحل الحياة المبكرة على استخدام أفضل لعقولهم، وأجسادهم، ومشاعرهم، إذا تحقق ذلك سيكون لديهم بوصلة داخلية توجه سلوكهم فى الاتجاهات التى تبنى شخصياتهم. يجب ألا نخشى على طفل تعود أن يقول لا.