عندما جئت القاهرة من قريتى بالصعيد للالتحاق بالجامعة فى أواخر عام 1982 عرفت قدماى فى الأسابيع الأولى طريق ندوات ومؤتمرات أحزاب المعارضة والنقابات المهنية خصوصا المحامين. سمعت فتحى رضوان، وممتاز نصار وخالد محيى الدين وفريد عبدالكريم وأحمد الخواجة ونبيل الهلالى وإبراهيم شكرى وعبدالعزيز محمد وغيرهم كثيرون وهم يجلجلون ضد كامب ديفيد والفساد والاستبداد، وقتها وأنا ابن ال18 عاما كنت أسأل نفسى كيف تعانى مصر من المشاكل ولديها رجال بوزن هؤلاء؟! هؤلاء العظماء ورغم قلة حيلتهم وحصار الحكومة لأحزابهم وقتها إلا أنك لم تكن تشك فى إخلاصهم للوطن وللقضايا التى يدافعون عنها، والأهم احترامهم لأنفسهم وبعدهم عن الفساد والشبهات. شيئا فشيئا بحكم العمل بدأت أقترب من قلب الحياة الحزبية والنقابية، وتصادف فى نهاية الثمانينيات أن جيل الكبار بدأ يرحل عن عالمنا مخلفا وراءه فراغا هائلا. ويبدو أن الحكومة أدركت السر، وقررت أن تفسد كل قيادات المعارضة بحيث يصبح الجميع «فى الهوا سوا». وبمنتهى الموضوعية فقد نجحت الحكومة نجاحا باهرا فى مهمتها الاستراتيجية، وانتهى الأمر بنا إلى المشهد البائس الذى شهدناه جميعا فى انتخابات مجلس الشورى يوم الثلاثاء الماضى. كيف حدث ذلك، ليس ذلك مهما وسوف نعرفه اليوم أو غدا. اللوم الأكبر ينبغى أن يوجه للمعارضين الذين قبلوا أن يتم شراؤهم بثمن بخس. لا أعرف كيف ينام أى قيادى معارض ليلا مستريح البال والضمير وهو يخون ما يرفعه من شعارات نهارا. كيف يقبل من يدعى تمثيل الفقراء والطبقة الكادحة وقوى الشعب العامل أن يبيع نفسه بمقعد؟! ألا يشعر هؤلاء بخجل من أولادهم وزوجاتهم؟! ألا يعرفون أن كل شىء فى زمن الانترنت والتويتر سيجد طريقه للنشر إن آجلا أو عاجلا. أحترم كثيرا من يعلن تأييده للحكومة وللحزب الوطنى علنا ويدافع عما يؤمن به، ولا أطيق الذين يهاجمون الحكومة نهارا وينامون فى حضنها ليلا. بالطبع هناك شرفاء كثيرون داخل أحزاب المعارضة وهم ضحوا كثيرا من أجل مبادئهم، لكن المشكلة أن القرار فى يد قلة احترفت السيطرة على هذه الأحزاب عبر حيل وتكتيكات متنوعة. العزاء الوحيد أن هذه الأحزاب تحولت إلى كيانات ورقية، ولم يعد أحد يشعر بها، ويكفى أن كل سعرها وقيمتها فى سوق البورصة السياسية لم يعد يساوى أكثر من مقعد فى الشورى.