رغم الانتقادات التي تطاله مؤخرًا بسبب تراجع مستواه، يظل محمد صلاح النجم الأبرز في صفوف ليفربول، والعقدة التاريخية لمانشستر يونايتد، الفريق الذي لم ينجُ يومًا من بصماته التهديفية، ومع ذلك، تبدو الأسابيع المقبلة حاسمة في رسم ملامح مرحلة جديدة في مسيرة «الملك المصري» داخل قلعة «أنفيلد». في مقاله بصحيفة تليجراف، كتب جيمي كاراجر، أسطورة ليفربول، أن صلاح، بعد سبع سنوات من التألق المتواصل، يمر بفترة جفاف تهديفي غير معتادة بالنسبة له، إذ لم يعد بنفس الحدة والتأثير اللذين ميّزا أداءه في المواسم الماضية، ومع اقتراب كأس الأمم الأفريقية في ديسمبر المقبل، يدرك ليفربول أن استعادة نجمه لمستواه تمثل مفتاح الحفاظ على لقبه تحت قيادة مدربه الجديد آرني سلوت. ورغم القلق الذي يسيطر على جماهير «الريدز»، فإن تجربة صلاح الطويلة تؤكد أن التسرع في الحكم عليه خطأ، فقد اعتاد النجم المصري الرد داخل الملعب كلما شكك أحد في قدرته على البقاء في القمة. وليس هذا التراجع الأول في مسيرته؛ ففي أبريل 2024 واجه موجة انتقادات مماثلة، ورد حينها مدربه السابق يورجن كلوب قائلاً: «لست قلقًا بشأن صلاح، فهذا أمر طبيعي لأي مهاجم، وهو من أكثر لاعبينا نضجًا واتزانًا». ومنذ رحيل كلوب وتولي سلوت المسؤولية، تجددت التساؤلات حول مستقبل صلاح، خاصة بعد مشادته الشهيرة مع المدرب الألماني في مباراة وست هام، وما تبعها من تكهنات حول انتقاله إلى الدوري السعودي، غير أن صلاح، وكعادته، اختار الرد بطريقته الخاصة، إذ قاد ليفربول بعد عام واحد فقط للتتويج مجددًا بلقب الدوري الإنجليزي، وحصد جائزتي أفضل لاعب في الموسم. كثيرون يشبّهون شخصية صلاح الذهنية بكريستيانو رونالدو في الصلابة والإصرار على النجاح وتحطيم الأرقام، فكلما زادت الانتقادات، ازداد إصراره على الرد بالأداء والأهداف. ويعرف مانشستر يونايتد هذا جيدًا؛ فالنجم المصري سجل 16 هدفًا في شباك «الشياطين الحمر»، رقم قياسي لم يحققه أي لاعب في تاريخ المواجهات بين الفريقين، ليصبح «كابوسهم الأبدي» ومصدر رعب لدفاعاتهم في كل لقاء. ورغم التراجع النسبي في مستواه مطلع هذا الموسم، فإن لذلك أسبابه المنطقية، إذ فقد صلاح الانسجام المعتاد مع زميله ترينت ألكسندر أرنولد بعد سبع سنوات من الشراكة الناجحة، ليتناوب على الجهة اليمنى أربعة ظهيرين مختلفين هذا الموسم، كما أن تعديلات سلوت التكتيكية في الوسط والدفاع أثرت على التوازن الهجومي للفريق. ومع أن صلاح أضاع مؤخرًا ثلاث فرص محققة أمام تشيلسي، فإنه لا يزال يمثل التهديد الأكبر في منظومة ليفربول الهجومية. إحصائيًا، يعيش صلاح إحدى أقل فتراته إنتاجًا منذ انضمامه إلى النادي، حيث سجل خمسة أهداف فقط في آخر 21 مباراة، منها هدفان من ركلات جزاء، بعدما أحرز 32 هدفًا في 42 مباراة قبلها، وفي الموسم الحالي، لم يسجل سوى هدف واحد من اللعب المفتوح. ورغم ذلك، يبقى تأثيره داخل الفريق محوريًا، وهو ما دفع إدارة ليفربول إلى تمديد عقده لعامين إضافيين الصيف الماضي، رغم بلوغه الخامسة والثلاثين مع نهاية العقد. ويبدو أن سلوت يخطط لتدوير مشاركة صلاح ومنحه فترات راحة أطول، خاصة مع انشغاله ببطولة أمم أفريقيا المقبلة، تمهيدًا لتعويد الفريق على اللعب بدونه تدريجيًا. وفي الوقت ذاته، بدأت إدارة النادي تفكر في مرحلة ما بعد صلاح، بوجود أسماء مثل ألكسندر إيزاك وفلوريان فيرتز لقيادة الجيل القادم، لكن «الملك المصري» لا يزال يملك من الطموح والإصرار ما يؤجل هذه المرحلة لسنوات. حتى وإن تراجع مستواه البدني بعض الشيء، فإن بصمته على تاريخ ليفربول الحديث لا تُمحى، تمامًا كما فعل كيني دالجليش في السبعينيات، وجون بارنز في الثمانينيات، وستيفن جيرارد في الألفية الجديدة. محمد صلاح سيبقى الرمز الأبرز ل«أنفيلد» في عصره الذهبي، وأي رهان على نهايته المبكرة يظل مغامرة خاسرة، خاصة بالنسبة لمانشستر يونايتد، الذي يعرف جيدًا ماذا يعني أن يواجه صلاح في يومٍ استعاد فيه بريقه.