نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالًا للكاتبة شيماء المرزوقى، تناولت فيه مقارنة عميقة بين الكتابة على الورق بالقلم والكتابة على لوحة المفاتيح، وما تتركه كل وسيلة من أثر فى الفهم والتذكر. وتشير الكاتبة إلى أن السرعة التى تمنحها التقنية لا تعنى بالضرورة فهمًا أعمق، فالقلم وإن كان أبطأ، إلا أنه يدفع العقل إلى التركيز والتفكير والتحليل، ما يجعل التعلم أكثر رسوخًا. وتستند إلى دراسات علمية تؤكد أن الكتابة اليدوية تساعد على تحويل الكلمات إلى أفكار مترابطة، بينما يؤدى النقل السريع عبر الحاسوب إلى فقدان المعنى والاكتفاء بالشكل.. نعرض من المقال ما يلى: عندما تفكر بدفاتر الورق الهادئة، ولوحات المفاتيح السريعة، نقضى وقتًا فى التنقل بين طريقتين لتدوين الملاحظات من دون أن نتوقف لنسأل: أيهما أعمق أثرًا فى الفهم والتذكر؟ قد يبدو أن السرعة تميل كفتها لصالح لوحة المفاتيح والتقنيات الحديثة، لكن الفهم ليس سباقًا مع الزمن بقدر ما هو عمق فى المعالجة التى تحدث داخل دماغك. حين نكتب على لوحة المفاتيح نستطيع التقاط كل كلمة بسرعة قد تتسبب أحيانًا بالأخطاء الإملائية، أما حين نكتب باليد فنحن مضطرون للاختيار والاختصار وإعادة الصياغة. هذا البطء النسبى ليس عيبًا، بل قد يكون نقطة القوة التى تدفع العقل إلى معالجة أعمق لما يسمعه، فيحوله من كلمات إلى أفكار مترابطة. تدعم ذلك دراسة نشرت فى مجلة العلوم النفسية عام 2014 أجراها الباحثان بام مولر ودانيال أوبنهايمر، قارنت بين طلاب يدونون ملاحظاتهم بالحاسوب وآخرين باليد أثناء محاضرات متشابهة. أظهر التحليل أن من كتبوا باليد تفوقوا فى أسئلة الفهم المفاهيمى، ليس لأنهم حفظوا أكثر، بل لأن طريقة التدوين نفسها أجبرتهم على التلخيص والتمييز بين الفكرة والعبارة، بينما وقع مستخدمو الحاسوب فى فخ النقل الحرفى الذى يلتقط الشكل ويفوت المعنى والفهم. يعنى ذلك أن لوحات المفاتيح غير مهمة، وأننا يجب أن نعتمد على الورق، بل المغزى فى المعرفة متى تستخدم أيًا منها. فى مواقف تتطلب توثيقًا حرفيًا أو سرعة عالية، قد يكون الحاسوب أفضل رفيق، لكن حين يكون الهدف فهم الأمور بعمق أكبر، فإن قلمًا بطيئًا يفوز على لوحة مفاتيح سريعة. الكتابة اليدوية ترغمك على طرح الأسئلة أثناء السماع: ما الفكرة الرئيسية؟ ما الأمثلة التى تجسدها؟ كيف أعبر عنها بكلماتى؟ هذه العمليات الصغيرة تبنى جسرًا بين المعلومات الجديدة ومخزوننا السابق من المعلومات، فتثبت المعانى بدلًا من مرورها السريع. اختيار وسيلة التدوين ليس قرارًا عشوائيًا، بل له فارق بالنتيجة. إذا كنت تريد توثيق كل التفاصيل بسرعة فالحاسوب أداة لا غنى عنها. أما إذا كان المطلوب فهمًا أعمق وقد يبقى فى ذهنك لمدة أكبر، فجرب أن تعود إلى الدفتر والقلم. قد تكتب كلمات أقل، لكنك على الأرجح ستفكر أكثر، وستخرج من التجربة بعقل حمل الفكرة بتفاصيلها وليس بشكلها.