انتهت انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى فى دورها الأول بنجاح أربعة وسبعين مرشحا للحزب الوطنى الحاكم ومعهم أربعة فقط من ممثلى أحزاب معارضة هى التجمع والناصرى والغد والجيل، بينما تجرى انتخابات الإعادة غدا على المقاعد العشرة المتبقية بين عشرين من مرشحى الحزب الوطنى والمنشقين عن الحزب دون وجود أى مرشح لحزب معارض صغير أو كبير. وليس فقط هذا النجاح «الكاسح» المعتاد للحزب الحاكم فى هذه الانتخابات هو ما يلفت النظر، ولكن أيضا مجموعة أخرى من النتائج والظواهر التى سيكون لها آثارها المباشرة والخطيرة على مجمل التطور السياسى والانتخابى فى البلاد خلال العامين الحالى والقادم، مما يتطلب من القوى السياسية والاجتماعية الحريصة على مستقبل البلاد أن تتخذ مواقف وخطوات محددة لمواجهتها. فأن يكتسح الحزب الوطنى مقاعد الشورى بهذا العدد فهذا ليس جديدا ولا منفصلا عن تاريخ هذا المجلس منذ إنشائه عام 1980، حيث لم يدخل إليه منتخبا قبل الانتخابات الأخيرة سوى عضوين عن حزب التجمع فى عامى 2004 و2007 وخلا تماما طوال ربع قرن كامل من وجود أى عضو منتخب منتسب لأى قوة معارضة سواء كانت حزبا شرعيا أم حركة أو جماعة محظورة أو نصف محظورة. وبإضافة المرشحين الأربعة المنتمين للأحزاب المعارضة الذين نجحوا فى الانتخابات الأخيرة يكون العدد الإجمالى للممثلين المنتخبين للمعارضة المصرية فى هذا المجلس منذ انتخابه وعبر أحد عشر انتخابا أجريت له هو ستة فقط من نحو 1900 عضو تم انتخابهم فيه خلالها منذ عام 1980، أى بنسبة 003, منهم، وهى نسبة لا تحتاج من فرط ضآلتها إلى تعليق إضافى يشرح معانيها البائسة سواء بالنسبة للمجلس أو لأحزاب المعارضة أو للديمقراطية المزعومة فى مصر. وتزداد المعانى بؤسا عندما نرى نسبة هؤلاء المعارضين الأربعة من بين المقاعد الثمانية والثمانين المنتخبة فى التجديد الحالى حيث لا تزيد على 4.5% تنخفض إلى النصف عندما نضعهم فى سياق أعضاء المجلس المنتخبين جميعا والبالغ عددهم 176 عضوا. ويزداد البؤس بؤسا عندما نقيس عدد الناجحين من مرشحى أحزاب المعارضة الشرعية على العدد الإجمالى لمرشحيها والبالغ 113 مرشحا لنصل إلى أن الناجحين منهم بلغوا نحو 3.6% بينما نجح للحزب الحاكم حتى الجولة الأولى 74 مرشحا من بين 78 خاضوها بنسبة تصل لنحو 95% منهم، وهو تناقض فج يصعب على عاقل أو شبه عاقل أن يقبله. هذا عن بعض حال المعارضة، أما عن حال عموم المصريين أو هؤلاء الذين تجرى الانتخابات باسمهم ويزج بهم فيها لانتحال إرادتهم باعتبارهم الناخبين الذين يرجحون كفة هذا المرشح أو ذلك الحزب عن ذاك، فهو أكثر بؤسا. فاللجنة العليا للانتخابات أعلنت أن نسبة الأصوات الصحيحة التى أدلى بها أصحابها فى الجولة الأولى للانتخابات قد بلغت 30.08%، وهى فى إعلانها قد ارتكبت خطئا قانونيا فادحا بإعلانها عدد الأصوات الصحيحة فقط دون إعلان إجمالى الأصوات بما فيها الباطلة، لأن هذا العدد هو الذى يحدد نسبة المشاركة من المصريين فى الانتخابات. وهنا تظهر المأساة الحقيقية، فاللجنة العليا للانتخابات بذلك الخطأ القانونى تكون قد اعتمدت نسبة لمشاركة المصريين فى هذه الجولة الأولى بإضافة الأصوات الباطلة قد تصل إلى نحو 33% وهى نسبة لا تصطدم فقط مع الحقيقة التى يعلمها كل مصرى عاقل رشيد وهى أن الذين حضروا انتخابات الشورى لا تصل نسبتهم الحقيقية إلى خمس هذه النسبة، ولكنها تصطدم أيضا مع نسب المشاركة شبه الحقيقية التى أعلنها القضاة أثناء إشرافهم على انتخابات مجلس الشعب ورئاسة الجمهورية عام 2005 والتى بلغت نحو 24% فى الأولى و23% فى الثانية. فكيف لعاقل أن يصدق أن نسبة الحضور فى انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى عام 2010 تتجاوز بهذا الحد نسب الحضور فى انتخابات مجلس الشعب الأكثر اشتعالا ورئاسة الجمهورية الأكثر أهمية فى عام 2005 الذى كان الحراك السياسى أثنائها يجتاح البلاد كلها. كذلك كيف لعاقل أن يقبل هذه الأرقام والنسب للمشاركة التى أعلنت بخصوص انتخابات الشورى الأخيرة وقبلها انتخابات الشورى عام 2007 والتى قيل إنها بلغت حينها 31.23%، عندما يرى أن انتخابات الشورى الوحيدة التى أشرف عليها القضاة جزئيا عام 2004 انخفضت فيها هذه النسبة إلى أقل من ربع هذه النسبة. كيف يمكن لمواطن أو لمحلل أو لأستاذ فى العلوم السياسية والدراسات الانتخابية، وهناك عديد من هؤلاء الأخيرين فى قيادة الحزب الحاكم، أن يفسر لنا بصورة علمية هذا التذبذب الكبير للسلوك الانتخابى للمصريين بغير اللجوء إلى تفسيرات تتضمن أفعالا يعاقب القانون مرتكبيها بسنوات من السجن أو الحبس. وبمناسبة هؤلاء المحللين والأكاديميين المتخصصين فى العلوم السياسية والدراسات الانتخابية فى قمة هرم قيادة الحزب الوطنى الحاكم، هل لهم أن يستكملوا «جميلهم» علينا فيفسرون لنا هذا التناقض الحاد فى نسب المشاركة كما أعلنتها اللجان العامة للانتخابات بين مختلف مناطق الجمهورية وكيف يمكن أن تتراوح بين 12% و65% تقريبا بالرغم من بعض التباين فى الخصائص الاجتماعية والثقافية لسكان هذه المناطق. ونرجو منهم أيضا أن يوجدوا لنا تفسيرا علميا للتباين الكبير فى نسب المشاركة بين دوائر مختلفة فى نفس المحافظة والسياق الاجتماعى المتشابه مثلما هو الحال فى محافظة القاهرة على سبيل المثال. كذلك فنحن ننتظر منهم تفسيرا علميا أو حتى منطقيا لانخفاض نسب المشاركة فى المحافظات الخمس التى تجرى بها الإعادة بصورة كبيرة عن النسبة العامة التى أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات، دون أن يضطروا إلى القول الصحيح بأن طبيعتها القبلية والاجتماعية وكلها إما فى جنوب الصعيد أو محافظات صحراوية وحدة المنافسة فيها هى التى حمت صناديقها من أن تحسم نتائجها من الدور الأول وتصل نسبة المشاركة فيها إلى النسبة الهائلة التى أعلنتها اللجنة العامة على مستوى الجمهورية. ونرجو أخيرا من المحللين والأكاديميين المتخصصين فى العلوم السياسية والدراسات الانتخابية فى قمة هرم قيادة الحزب الحاكم أن يضعوا فى اعتبارهم عند محاولة تفسير كل «العجائب» الانتخابية السابقة حقيقة أن النتائج الرسمية لانتخابات مجلس الشعب الأخيرة (2005) التى أشرف عليها القضاة تؤكد أن أعلى نسبة للمشاركة فى محافظات الجمهورية كانت نحو 33% وأن أقلها كانت نحو 14%، وذلك حتى لا يتورطوا فى تفسيرات قد تطيح بمصداقيتهم الأكاديمية بعد أن كل ما تعرضت له مصداقيتهم السياسية من جراء مشاركتهم فى قيادة الحزب الحاكم. وأما عن بقية حال المعارضة فحدث أيضا ولا حرج. فالأمر هنا يتعلق بالقوتين السياسيتين الأكبر فى معسكر المعارضة وهما حزب الوفد الشرعى وجماعة الإخوان المسلمين المحظورة. فقد أتت النتائج النهائية بسقوط كل مرشحى القوتين، وهم نحو 15 للإخوان و10 للوفد، بدون وصول أى منهم لجولة الإعادة وبأعداد أصوات قيل إنهم حصلوا عليها لا تبعث فقط على الخجل عند مقارنتها بما قيل أن منافسيهم من الحزب الوطنى قد حصدوها بل وتبعث أيضا على الرثاء لهاتين القوتين اللتين اعتقد المصريون، ومعظم المحللين للشأن المصرى من المصريين وغير المصريين أنها الأكبر من بين قوى المعارضة فى البلاد. فبالنتائج التى أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات بالنسبة للإخوان المسلمين يكون هؤلاء قد فقدوا بصورة مفاجئة وخلال أعوام أربعة كل مؤيديهم تقريبا بعد أن نجحوا فى انتخابات مجلس الشعب عام 2005 فى الحصول على نحو 1.8 مليون صوت أعطوهم 88 مقعدا مثلت خمسة مقاعد المجلس. وتزداد النتائج غرابة عند معرفة أن عددا من مرشحى الإخوان فى انتخابات الشورى هذه هم أنفسهم من أعضاء مجلس الشعب الحالى والذين حصلوا فى دوائرهم نفسها على آلاف الأصوات التى مكنتهم من هزيمة مرشحى الحزب الوطنى حينها. إلا أن كل ملامح الاستغراب تزول فور تذكر أنه منذ التعديلات الدستورية عام 2007 خاض الإخوان انتخابات الشورى فى نفس العام ثم انتخابات المجالس المحلية فى العام التالى ثم الانتخابات الأخيرة للشورى، ولم يحصلوا فى أى منها على مقعد واحد، الأمر الذى يؤكد أن مصيرهم الانتخابى لم يعد بيد الناخبين بقدر ما هو بيد من يدير الانتخابات بل والبلاد كلها وأنه اتخذ قرارا مركزيا باستبعادهم التام من أى مجلس منتخب فى مصر. أما ما جرى للوفد فهو أكثر سوءا وأدعى لاستغراب أكبر، فمن المفترض أن لهذا الحزب العريق جماهيره وأن لديه أيضا مرشحيه القادرين على الوصول إليها فى انتخابات الشورى بما يمكن بعضهم من النجاح فيها، ومن المفترض أيضا أن نجاحهم يفيد الحزب الوطنى الحاكم الذى لا تمل قياداته عن الحديث حول أهمية تقوية الأحزاب الشرعية وتدعيم المنافسة بينها فى الانتخابات العامة. إلا أن الوفد ارتكب على ما يبدو خطيئته الكبرى قبل أيام قليلة من انتخابات الشورى عندما تجرأ وأجرى انتخابات ديمقراطية شفافة لرئيسه أتت برئيس جديد له بينما فشل رئيسه السابق والذى أجريت الانتخابات تحت إشرافه فى تجديد رئاسته، بمن فيهم من قيادة الحزب الوطنى الذى لا يعرف مثل هذه التقاليد الديمقراطية بأنه تحد له وإحراج لمكانته أمام المصريين جميعا، فلم يكن هناك من سبيل لرد صفعة الوفد الديمقراطية سوى بصفعة انتخابية فى انتخابات الشورى تحرج قيادته الجديدة فى أولى خطواتها. ولعل الأمر ليس فقط مجرد رد لصفعة بل قد يكون أيضا محاولة من جانب الحزب الحاكم «لذبح القطة» كما يقول المثل الدارج للقيادة الوفدية الجديدة حتى تتمهل فى إدارة حزبها وتحسب ألف مرة مواقفها السياسية والانتخابية من الحزب الوطنى وحكومته وتتوقف عن أحاديثها حول تحويل الوفد إلى حزب جامع لمختلف القوى السياسية المحجوبة عن الشرعية والمعروفة بمواقفها الجذرية فى معارضة النظام السياسى الحالى. الخلاصة واضحة وجلية لكل من يملك ولو جزءا يسيرا من الفهم والعقل: بداية العامين الانتخابيين فى مصر بدأت بأسوأ ما كان يمكن لأحد تخيله، والإصرار من جانب الحزب الحاكم على الانفراد بالأغلبية الساحقة واحتكار كل المجالس المنتخبة لم يعد محل شك، وملامح انتخابات مجلس الشعب فى أكتوبر القادم والرئاسة فى سبتمبر 2011 تكاد تكون قد اكتملت وتظهر منذ الآن جلية واضحة لا يشوبها ضباب حيث سيكتسحها أيضا مرشحو الحزب الوطنى. وإذا كانت هذه هى خلاصة ما جرى وما سوف يجرى من جانب الحكومة وحزبها، فإن السؤال الأهم اليوم يتعلق بالخلاصة التى ستتبناها القوى المعارضة المصرية من حزبية شرعية ومحجوبة عن الشرعية بكل أصنافها من هذا الخلاصة الحكومية، فهل ستظل تتصرف بدون تنسيق فيما بينها أم أنها ستبادر وبسرعة لعقد لقاءات جادة تناقش فيها الموقف الجماعى الموحد الذى يجب أن تتبناه خلال الاستحقاقات الانتخابية القادمة وشروطها الديمقراطية الواضحة لخوضها وجديتها الكاملة فى مقاطعتها التامة إذا لم تتم الاستجابة لها. الإجابة عند هذه القوى المعارضة وفى مقدمتها حزب الوفد العريق الذى يتحمل اليوم بقيادته الجديدة وبالمثال الديمقراطى الذى أعطاه للجميع المسئولية الأكبر فى توحيد قوى المعارضة والتنسيق بينها لمواجهة الأيام الصعبة القادمة.