على الرغم من التقدير الكبير الذى أكنه لرئيس جهاز الموساد، مئير دغان، إلا أن التقصير المتعلق بقضية قافلة السفن إلى غزة جعلنى لا أصدق ما يقوله، كما جعلنى غير واثق بقدرة أجهزة الاستخبارات والفرق العسكرية النخبوية على مواجهة التحديات الماثلة أمام دولة إسرائيل. فأنا لا أصدق أن منظمة استخباراتية لم تحل مشكلة «الجندى الإسرائيلى الأسير لدى «حماس» غلطا شاليط، فى إمكانها أن تحل المشكلة النووية الإيرانية. على مدار الأعوام الثلاثة الفائتة دأب رئيس هيئة الأركان العامة، غابى أشكنازى، على تأكيد أنه لا يستطيع قول أى شىء للجمهور العريض لأنه منهمك فى بناء قوة الجيش الإسرائيلى. وأعتقد أنه قام بعمل ممتاز فى مجال ترميم الجيش وتحديث قدراته، إلا أننى أعرف أنه مُنِى بفشل ذريع فى كل ما يتعلق بقافلة السفن، ذلك بأنه لم يقرأ الخريطة بصورة جيدة، ولم يعد القوات للمهمة المطلوبة، ولم يتخذ قرارات معقولة. كما أعرف أن أشكنازى لا يملك الجرأة الكافية كى يقف أمام الجمهور ويعترف بالفشل ويتحمل المسئولية عنه. من ناحية أخرى، فإننى لا أصدق ما يقوله وزير الدفاع، إيهود باراك، على الرغم من تقديرى لشجاعته، وعلى الرغم من أن مساهمته فى الأمن القومى الإسرائيلى لا تقدر بثمن. فباراك لم يفهم أنه لا يجوز المجازفة بتحالف إسرائيل الاستراتيجى مع تركيا، كما لا يجوز لإسرائيل أن تظهر بمظهر الدولة الإرهابية التى تتصرف مثل القراصنة فى المياه الدولية. وأنا لا أصدق أيضا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذى يؤكد خلال الأحاديث المغلقة أنه سينقذ إسرائيل من الخطر الإيرانى. فعلى الرغم من أننى أقدر كثيرا حكمته التاريخية وحبه لبلده وشعبه، إلا أننى أعتقد أنه يفاقم الخطر الإيرانى، ويمس مكانة إسرائيل الدولية، ويجعلها معزولة أكثر، ويشعل الجبهات كلها بدلا من تهدئتها. فبدلا من أن يقوم نتنياهو بتجنيد الفلسطينيين والسوريين والأتراك لمواجهة إيران، فإنه يدفع بهم نحوها، كما أنه بدلا من تجنيد الأمريكيين والأوروبيين لمصلحة إسرائيل فإنه يستنفزهما ضدها. لقد أصبحت، إثر التقصير فى قافلة السفن، متشككا أكثر فى قدرة نتنياهو على مواجهة التحدى الإيرانى المصيرى. هل يتعين، بناء على ذلك، أن يذهب كل من نتنياهو وباراك وأشكنازى ودغان إلى البيت؟ ليس بالضرورة. لكن من واجبهم جميعا الاعتراف بالتقصير واستخلاص العبر اللازمة والعمل على التصحيح. وفى موازاة ذلك، يتعين على الفور تأليف حكومة وحدة وطنية، وتشكيل هيئة قيادة قومية نوعية، وإطلاق مبادرة سياسية، وتنفيذ توصيات لجنة فينوغراد «التى تقصت وقائع حرب لبنان الثانية فى صيف سنة 2006». لقد كانت حرب لبنان الثانية أشبه بتحذير، وكانت عملية «الرصاص المسبوك» فى غزة أشبه بإنذار، وقد دق الآن ناقوس الخطر، فهل من سامع فى القدس؟