رصدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، انتشار الإعلانات بشكل كبير في الشوارع المصرية وعلى أسطح المباني العالية وعلى الأرصفة التي أصبح السير عليها ضربا من المستحيل، حتى أن الإعلانات وصلت لأشرعة المراكب في النيل! يقول المهندس طارق والي خبير التراث الذي عمل مع الحكومة المصرية لتنظيم الإعلانات في شوارع القاهرة، إنه من المستحيل السيطرة على الإعلانات الآن، لأنه يمكن لأي فرد أن يضع أي إعلان في أي مكان في مصر. وأشارت الصحيفة إلى أن مشكلة اللوحات الإعلانية الضخمة التي أصبحت تملأ القاهرة لا تكمن فقط في كونها تسبب تلوثاً بصرياً، وإنما لأنها غيرت كليا من شكل المدينة التي كانت تتسم فيما مضى بالمآذن التاريخية والقباب الفنية الإسلامية الرائعة. الآن أصبح الناس يعرفون المباني بإعلاناتها بل ويسمونها باسم المنتج المعلن عنه فوقها! وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن مشكلة الإعلانات الضخمة توضح جانبا من مشاكل الحياة المصرية التي أصبحت الفجوة فيها متسعة للغاية ما بين الطبقة الغنية والطبقات الفقيرة. وفي السنتين الأخيرتين، عبر طوفان الإعلانات عن نمو اقتصادي في مصر مقتصر على شريحة صغيرة من الناس، أصبحوا يعتبرون القانون مجرد عقبة يمكن التغلب عليها، وينظرون للحقوق من منطلق نسبي باعتبارها خاضعة للسلطة، ويعتبرون أن قوة المال والعلاقات يمكنها أن تتغلب على كل شيء. من جانبه، اعتبر الكاتب والسيناريست بلال فضل: "أن الإعلانات تعبر عن الفوضى والأسلوب العشوائي المسيطر على مصر، فكل شيء صار معروضا للبيع، لذا ما الذي يمنعهم من وضع إعلان في أي مكان؟" وعلى الرغم من أن مشكلة الإعلانات تبدو صغيرة بالنسبة للقاهرة التي يعاني معظم سكانها من تدني الدخل العام ومشاكل الصحة، فإن لوحات الإعلانات الضخمة ساعدت على تعميق إحساس المصريين بعدم الانتماء والاغتراب. فمن ناحية هم يرون كل يوم إعلانات عن منتجات تعبر عن زيادة وثراء في اقتصاد مصر، لكنهم في نفس الوقت لا يملكون ما يعينهم على الحياة بشكل مقبول، لذا فهم يشعرون أنهم يعيشون في بلد ليست لهم، يذهب ثراؤها لآخرين غيرهم. ويستنكر الكثير من المواطنين توقف الحكومة عن الاهتمام بالشوارع والسماح للشركات باستغلال كل المساحات المتاحة في كل المناطق للإعلانات. واتهم العديد منهم الحكومة بالحرص على مصالحها المادية دون النظر إلى مصالح الناس أو رغبتهم في أن يجدوا حتى رصيفا خاليا للسير عليه بدلا من السير في نهر الشارع بين السيارات معرضين أنفسهم للخطر، ناهيك عن التلوث البصري الذي أصبح سمة عامة للقاهرة.