يسكن في مصر نحو 80 مليون نسمة يشغلون ما لا يزيد عن 5% من مساحة الدولة، ويعتمد كل هؤلاء على مصدر واحد فقط للحياة وهو النيل، أطول أنهار العالم الذي يغذي 10 دول في إفريقيا. لكن مصر التي وصفها هيرودوت بأنها هبة النيل، تواجه اليوم خطر فقدان حصتها الأساسية من مياهه، خاصة بعد الاتفاقيات الجديدة التي وقعتها 5 دول إفريقية تتشارك في النيل دون موافقة مصر أو السودان. ووصفت صحيفة الإندبندنت البريطانية الاتفاقية الجديدة التي وقعتها كل من إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا بحكم الإعدام على مصر، لأنها تقلل من حصة المياه التي تعتمد عليها مصر في الري والشرب بالكامل، وتعطي الدول الموقعة عليها الحق في إقامة سدود على منابع النيل. وكان اعتراض دول حوض النيل الموقعة على اتفاقية عنتيبي الأوغندية على نص الاتفاقية المصرية الموقعة في مايو 1929 مع الاحتلال الإنجليزي التي تمنع إقامة أي مشاريع مائية في دول المنبع، وتخصص لمصر نصيب الأسد من مياه النيل وتمنحها حق الاعتراض على أي مشروع قد يؤثر على نسبتها من المياه. وأوضحت الصحيفة أن دول المنبع تعاني من فقر شديد على العكس من دولة مصب كمصر، فإثيوبيا أفقر 10 مرات من مصر، وهي الأكثر تراجعا عسكريا واقتصاديا بين دول حوض النيل كافة، وربما هذا ما أدى إلى تحريك قضية إعادة توزيع مياه النيل من جديد، فبدون حصة مصر المعهودة من المياه، قد تنقلب الموازين كلية في إفريقيا. وتحت ضغط إفريقي من دول المنبع، اضطرت مصر إلى الاشتراك في مبادرة حوض النيل عام 1999 لكنها رأتها مجرد مفاوضات لتبادل المعلومات المعروفة مسبقا عن النيل، بينما اعتبرتها بقية دول حوض النيل فرصة لإعادة المفاوضات حول تقسيم مياه النيل من جديد. وبعد 10 سنوات من المفاوضات، ظهر جليا فشل المحادثات مع الجانب المصري للتنازل عن حصته المقررة في مياه النيل، وقررت بعدها الدول التوقيع على اتفاقية عنتيبي دون الرجوع إلى مصر. وعلى الفور، افتتحت إثيوبيا سدا طوله 460 مترا، ربما كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات سيعتبره مناوشة لبدء الحرب في إفريقيا! وأشارت الإندبندنت إلى أن دعم السودان لمصر ليس مضمونا، خاصة بعد محاولات جنوب السودان في الاستقلال كدولة منفصلة عن السودان. ويعتقد المحللون السياسيون أنه إذا حدث واستقل الجنوب، فسيدعم مطالب دول المنبع ضد مصر. وعلى الرغم من التصريحات التي يطلقها المسئولون المصريون حول أواصر الدم والعلاقات الإفريقية وحكم الإعدام في حالة نقص مياه النيل، إلا أن الأزمة برمتها يمكن أن يتم حلها سياسيا، بعيدا عن الخيار العسكري. ويقول ديفيد جراي الأستاذ الزائر بجامعة أكسفورد ومستشار الشئون المائية بالبنك الدولي إن "مبادرة حوض النيل رغم فشلها إلا أنها يمكن أن تقرب وجهات النظر بين دول حوض النيل بدلا من تفريقهم. والمشكلة أنه في ظل التغييرات المناخية وزيادة عدد السكان، يبدو المستقبل بالنسبة لمصر غير متوقع ومليء بالمخاطر". وأكدت الصحيفة على أن المشكلة ليست احتمالات الحرب بين دول حوض النيل، وإنما في احتمالات أن يصمد النيل أمام كل التحديات التي يواجهها من زيادة سكانية وتلوث دائم.