على باب المكتبة المخصصة لمطالعات المعتقلين، التى تقع عند البوابة الرئيسية لمعسكر 4، ألقيت التحية على أحدهم فرد على بلهجة مصرية «مرحبا بك فى جوانتانامو». تجولت فى أروقة المكتبة وطالعت العناوين المصفوفة على الأرفف، عناوين ب13 لغة على رإسها العربية والإنجليزية. ما يقرب من 12 ألف كتاب، وعدد كبير من القواميس بلغات مختلفة، بينها نحو عشرين قاموسا عربىا إنجليزيا. على الأرفف مجموعة الداعية السعودى عائض القرنى «لا تحزن»، ومجموعة الكاتب المصرى خالد محمد خالد «رجال حول الرسول»، و«قصص الأنبياء» لابن كثير، وكتاب الدكتور شوقى ضيف «محمد خاتم المرسلين»، فيما يعد محاولة من قبل القائمين على المكتبة «لتليين» أفكار المعتقلين، وتوفير قراءات تقدم تفسيرات أكثر تسامحا للعقيدة الإسلامية وتعاليمها. إلى ذلك وجدت ترجمات لعدد من الأعمال الأدبية العالمية: «الكوميديا الإلهية» لدانتى، «الحرب والسلام» لتولستوى وغيرها، إضافة إلى نسخ كثيرة من كتب «سودوكو» للتسلية. أما أكثر الكتب التى يطلبها المعتقلون كما أبلغتنى مديرة المكتبة فهو كتاب الداعية المصرى عمرو خالد «الصبر والذوق». المكتبة توفر للمعتقلين عددا من أشرطة DVD لدورى كرة القدم السعودى وأفلام ديزنى الكرتونية وأفلام ديسكفرى التى تعرض للطبيعة وحياة الحيوانات. ويحق للمعتقلين أن يطالعوا جرائد الاهرام والشرق الوسط ويو إس أيه توداىUSA Today الأمريكية مرتين إسبوعيا. ويمكن لمعتقلى معسكر 4 ومعسكر 6 أن يطلبوا كتبا بعينها أو أشرطة DVD ليشاهدوها فى الأيام المخصصة للعروض، وتمتد فترة استعارة الكتاب شهرا واحدا قابلا التجديد، كما يمكن للمعتقل استعارة من 4 إلى 8 كتب، طبقا لنوع المعسكر المنتمى إليه. المعتقلون من غير العرب يقبلون بشدة على كتب تعليم قواعد اللغة العربية والنحو والصرف وصحيح البخارى، مادفع بإدارة المعسكرات إلى توفير عدد من إساتذة اللغة العربية لهذا الغرض، واستجابت الإدارة لطلب عدد آخر من المعتقلين الراغبين فى تعلم اللغة الإنجليزية، فى معسكر رقم 4 ورقم 6 باعتبار أن المحتجزين فى هذين المعسكرين هم الأكثر انضباطا وتجاوبا مع نظام الاعتقال. ماذا يأكلون؟ تضمن برنامج الزيارة مطبخ معسكرات الاعتقال الثلاثة، وتشرف عليه سيدة أمريكية من أصل كورى فى أواسط الخمسينيات من عمرها اسمها سام. ويعد المطبخ طعام المعتقلين والجنود والحراس العاملين فيه. تقول سام: إن المطبخ لا يقدم للمعتقلين أي لحوم إلا إذا كانت مذبوحة طبقا للشريعة الإسلامية، ولا يوجد ضمن فريق العمل البالغ 80 شخصا وتشرف عليه هى أى شخص مسلم أو عربى. لم تلتق سام يوما بأى من المعتقلين الذين تعد لهم الطعام، فهى تقوم بطهو الطعام ثلاث مرات يوميا، ومرتين فقط فى أيام الصيام، ليسلم لسيارات نقل صغيرة ثم يقوم الحراس بتوصيله إلى المعسكرات على بعد امتار من المطبخ. ولكنها تتلقى أحيانا طلبات لإعداد وجبات معينة، وهى تستعين بعدة كتب طهى حتى تتمكن من إعداد الوجبات الشرق أوسطية. أصرت سام على أن يتناول الوفد الإعلامى الزائر طعام الغذاء الذى أعدته للمعتقلين، لحم خراف مفروم ومشوى، وفاصوليا خضراء وبطاطس، مع أرز وسلطة خضراء وقطعتين من البقلاوة للتحلية. فى مستشفيات القاعدة يقول الاطباء إن إصابات لعبة كرة القدم هى السبب الأول لزيارة المعتقلين للمستشفى الميدانى التى تتسع ل30 سريرا، وبعيدا عن هذه الإصابات فإن أمراض القولون هى الأكثر انتشارا بين المعتقلين. الأمريكيون وجوانتانامو فى اليوم التالى لدخوله البيت الأبيض، اتخذ الرئيس الأمريكى قرارا تاريخيا بإغلاق معتقل جوانتانامو خلال عام واحد، وقوبل القرار بارتياح من منظمات حقوقية، كما لاقى ترحيبا فى أوساط الرأى العام، خاصة وأن اسم معسكرات الاعتقال فى جوانتانامو ارتبط فى أذهان الكثيرين بانتهاكات حقوق الإنسان. وتدل استطلاعات الرأى فى الولاياتالمتحدة أنه منذ افتتاح هذه المعسكرات فى عام 2002 انقسم الرأى العام الأمريكى حولها. وأما اليوم فالاهتمام الرئيسى لفئات واسعة من الشعب الأمريكى، حسب نفس الاستطلاعات، ترتبط إساسا بكيفية معاملة المعتقلين فيها. فى شهر فبراير من العام الجارى، أجرت شبكة سى بى إس CBS استطلاعا كانت نتيجته أن 49% من الشعب الأمريكى يرى أن غلق معتقل جوانتانامو لن يؤثر فى أمن وسلامة الولاياتالمتحدة. بينما قال 4% فقط أن غلقه سيدعم أمن البلاد، أما من رأوا فى إغلاقه تاثيرا سلبيا على الأمن الأمريكى فلم تتجاوز نسبتهم 39%. وفى نفس الشهر أشار استطلاع آخر أجرته محطة سى بى إس CBS إلى أن 46% من الأمريكيين يعتقدون أن استمرار وجود معتقل جونتانامو هو أمر جيد، ورفض 44% استمراره، واتخذ10% موقفا حياديا. وتباينت نتائج هذه الاستطلاعات مع استطلاعات أخرى جرت فى وقت سابق من العام الجارى أو السنوات الماضية، عبر فيها الرأى العام عن رغبته فى الإبقاء على معسكرات الاعتقال كضمانة للأمن الأمريكى ومكافحة «الارهاب». هل تنشىء أمريكا جوانتانامو جديد؟ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وما شهدته من فظائع داخل معسكرات الاعتقال فى أوروبا أو اليابان أو حتى داخل الأراضى الأمريكية، لم يحظ أى معتقل بما حظى به معتقل جوانتانامو من سوء السمعة. وجاء توقيع أوباما أمرا بإغلاقه فى غضون عام، من تاريخ توليه الحكم، ليثير أسئلة أكثر مما يوفر من إجابات. قرار الإغلاق لا ينسحب على القاعدة البحرية الأمريكية بخليج جوانتانامو، والموجودة منذ أكثر من 100 عام وبالتحديد منذ عام 1903. فهذه القاعدة ستبقى بنفس مهامها فى مكافحة تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية من دول أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، إضافة لمهام إمداد وتموين الأساطيل الأمريكية بالمحيط الأطلنطى. وما سيتم إغلاقه هو ثلاثة معسكرات اعتقال يحتجز بها ما يقرب من 240 معتقلا. ومازال الجدل دائرا فى الأوساط الأمنية والحقوقية الأمريكية حول مصير المعتقلين، ويبدو أن بعضهم سيطلق سراحهم أو على الأقل سيتم نقلهم للاحتجاز فى أوطانهم الأصلية، ولكن بعض المعتقلين قد يبقى رهن الاعتقال فى الولاياتالمتحدة، خاصة من تعتبرهم الإدارة الأمريكية «خطيرين للغاية». غير أن الإبقاء على البعض رهن الاحتجاز قد يواجه بعقبات أبرزها أن الإدارة الأمريكية لن يكون بوسعها اتخاذ الإجراءات القانونية الحاسمة ضدهم، بالنظر إلى عدم توافر الأدلة الكافية لإثبات تورطهم فى أعمال تهدد الأمن الأمريكى أو لعدم اعتراف المحاكم الأمريكية بما تقدمه الجهات الأمنية من أدلة فى حال توافرها خاصة مع الدفع باحتمال أن تكون هذه الأدلة انتزعت تحت التهديد. وتشكل هذه الفئة، معضلة حقيقية أمام الرئيس أوباما، إذ إن محاكمتهم أمام المحاكم الأمريكية قد تؤدى إلى الإفراج عنهم بدعوى عدم كفاية الأدلة أو أنها تم انتزاعها بطرق غير مشروعة. وزير العدل الأمريكى إيريك هولدر زار مؤخرا جوانتانامو، وذكر أن بعض السجناء قد يفرج عنهم داخل الولاياتالمتحدة، وأن آخرين قد يقدمون للمحاكمة أمام المحاكم الأمريكية، يجرى هذا فى وقت أوقفت فيه إدارة أوباما المحاكم العسكرية الخاصة لمدة ثلاثة أشهر، انتظارا لعملية مراجعة لما ينبغى أن يكون عليه مصير السجناء بعد بحث كل حالة على حدة. وكانت عدة دول أوروبية قد أعلنت استعدادها لاستقبال سجناء جوانتانامو، إن كان ذلك سيسرع بإغلاق المعتقل. ولم تصدر عن السعودية واليمن وأفغانستان، وهى الدول التى لها العدد الأكبر من المعتقلين، تصريحات حاسمة حول مدى استعدادها لاستقبال المعتقلين بعد إغلاق جوانتانامو. وكانت مجلة نيوزويك الأمريكية قد أشارت مؤخرا إلى أن هناك عددا من العوائق تحول دون تنفيذ قرار إغلاق جوانتانامو، أولها يتعلق بالتعقيدات المتوقعة للتفاوض مع الأوطان الأصلية للمعتقلين فى حال اتخاذ القرار بإعادتهم لبلدانهم سواء للاحتجاز أو بعد الإفراج عنهم، وثانيها يتعلق بصعوبة إيجاد أماكن لاحتجاز المعتقلين الذين ستقرر الولاياتالمتحدة إبقاءهم بسبب خطورتهم وصعوبة بناء أماكن لهذا الغرض داخل الولاياتالمتحدة فى الفترة القصيرة المتبقية على موعد الإغلاق. ثالث هذه الأسباب يتعلق بخشية الإدارة الأمريكية أن تضطر للإفراج عن بعض المعتقلين المرتبطين بأحداث الحادى عشر من سبتمبر، لعدم وجود أدلة كافية يمكن على أساسها أن تتم إدانتهم من قبل المحكمة الفيدرالية، وهناك بالفعل 90 معتقلا مازالوا يمثلون أهمية استخباراتية عالية، ولا يتوقع أن تفرج عنهم الإدارة الأمريكية.