يستعد مجلس النواب لطى صفحة أزمة الإيجار القديم، إذ تصل تعديلات مشروع القانون إلى محطتها الأخيرة فى الجلسة العامة الأسبوع المقبل للموافقة عليها، ثم تصديق الرئيس وصدورها فى الجريدة الرسمية. مرّ المشروع بمناقشات مطوّلة وجلسات استماع شارك فيها خبراء قانون ومحافظون وممثلون عن الملاك والمستأجرين. وأمام الانتقادات الكثيفة التى واجهت بها الحكومة مشروعها، ومع توجيه رئاسى بمراعاة البعد الاجتماعى، قدّمت الحكومة نسخة معدّلة حسّنت بعض جوانب النسخة الأولى، لكنها أبقت على أخرى، وربما خلقت مشكلات جديدة. القيمة الإيجارية
استجابت الحكومة لضغوط النواب وممثلى المجتمع فيما يتعلق بضوابط رفع القيمة الإيجارية، بعد أن نصت النسخة الأولى على زيادات وصلت إلى عشرين ضعفًا فى المدن بحد أدنى ألف جنيه دون مراعاة الفوارق بين المناطق الجغرافية أو طبيعة العقارات. وجاءت التعديلات لتقر بتقسيم المناطق إلى مميزة، ومتوسطة، واقتصادية، على أن تُشكَّل لجنة فى كل محافظة لتقييم الوحدات وفقًا لطبيعة الشارع، والحى، وحالة البناء. ووفق المشروع المعدّل، يدفع المستأجر فى المناطق المميزة عشرين ضعف الأجرة الأصلية بحد أدنى ألف جنيه، وفى المناطق المتوسطة عشرة أضعاف بحد أدنى 450 جنيهًا، أما فى المناطق الاقتصادية فيدفع 250 جنيهًا كحد أدنى. وتُزاد القيمة سنويًا بنسبة 15%.. قد تكون القيم الجديدة المقترحة للإيجارات عقبة حقيقية أمام محدودى الدخل وأصحاب المعاشات، خاصة بعد القفزة الكبيرة من مبالغ تتراوح بين 10 و20 جنيهًا إلى 250 أو 450 جنيهًا شهريًا، وفقًا لتصنيف المنطقة السكنية. ورغم أن هذه القيم لا تزال أدنى من أسعار السوق، فإنها تمثل عبئًا على شريحة واسعة من المستأجرين فى ظل غياب أى آلية لدعم الإيجار لغير القادرين. يظل من المؤكد أن للمالك حقًا دستوريًا فى الحصول على مقابل عادل لملكه، وهو ما أقرّه حكم المحكمة الدستورية العليا فى 2024، الذى قضى بعدم دستورية تثبيت الأجرة لمدد غير محددة. غير أن هذا لا يعفى الحكومة من مسئوليتها الاجتماعية فى دعم الفئات غير القادرة على تحمّل هذه الزيادات، وهو البعد الذى غاب عن مشروع القانون بشكله الحالى.
أزمة الإخلاء
رغم مد الفترة الانتقالية لتحرير العلاقة الإيجارية إلى سبع سنوات بدلًا من خمس، إلا أن المادة الخاصة بالإخلاء ما تزال تثير جدلًا واسعًا، فإنهاء العقد بعد سبع سنوات من صدور القانون، لم يفرق بين المستأجر الأصلى وبين الجيل الممتد له العقد، وهو ما رفضت اللجنة البرلمانية تعديله رغم مطالبات باستثناء المستأجرين الأصليين من هذا النص. ويزيد من حدة الأزمة غياب بيانات دقيقة توضح نسب من تنطبق عليهم هذه المادة، لا سيما كبار السن وأصحاب المعاشات الذين استقروا فى مساكنهم لعقود طويلة. ورغم تعهد الحكومة بتوفير بدائل سكنية، فإن فكرة الإخلاء فى حد ذاتها محل خلاف، لما لها من أثر اجتماعى عميق على استقرار الأسر، خصوصًا فيما يتعلق بانتقالهم لمناطق جديدة وظروف معيشية مغايرة تمامًا لما اعتادوا عليه. قد تكون الحلول الحكومية مقبولة بالنسبة للجيل الممتد له العقد فى الأجيال الأصغر سنًا، إلا أن إنهاء عقود المستأجرين الأصليين، الذين أبرموا الاتفاق بإرادة حرة، يُعد تدخلًا تشريعيًا غير مبرر. وتزداد الأزمة تعقيدًا حين نتحدث عن المسنين المهددين بإخلاء مساكنهم فى سن متقدمة، للانتقال إلى أطراف المدن أو الظهير العمراني، إذا تمكنت الحكومة أصلًا من تنفيذ تعهداتها فى ظل أزمة تمويل حادة. حسنًا فعلت الحكومة بإدراج بند يضمن أحقية المستأجرين فى الحصول على بدائل لسكن لائق، سواء كان إيجارًا أو تمليكًا، لكن تبقى علامات الاستفهام قائمة حول قدرة الدولة على تنفيذ هذا الالتزام، خاصًة مع بلوغ عجز الموازنة 1.5 تريليون جنيه فى العام المالى 2025/ 2026، كما أن شريحة واسعة من المستأجرين، وعلى رأسهم أصحاب المعاشات، قد لا تتحمل كلفة الإيجار أو أقساط التمليك للوحدات المطروحة. مصير الوحدات المغلقة
فجرت الحكومة أزمة جديدة بمحاولتها معالجة ملف الوحدات المغلقة، التى يقدر عددها بنحو 1.879 مليون وحدة وفق بيانات جهاز التعبئة والإحصاء فى تعداد 2017. نصّ المشروع على إخلاء الوحدة إذا أُغلقت دون مبرر لمدة عام، أو إذا ثبت امتلاك المستأجر لوحدة أخرى تستخدم لنفس الغرض، كما أتاح للمالك التوجه إلى قاضى الأمور الوقتية لاستصدار قرار بالطرد، على أن يكون قرار القاضى نافذًا لحين الفصل فى الدعوى، حتى فى حال طعن المستأجر. أثار هذا النص مخاوف واسعة من تحوله إلى أداة لإخلاءات غير منضبطة، قد تشمل مستأجرين يغلقون وحداتهم بسبب السفر أو ظروف العمل بالخارج، ويُجبرون على خوض نزاعات قضائية طويلة لاستعادة وحداتهم. سؤال اللحظة
يظل مشروع القانون غير مرضيًا للملاك والمستأجرين فى آن واحد رغم وجود تحسن فى النسخة الأخيرة المعروضة على البرلمان، فالملاك يطالبون بتحرير العقد بعد ثلاث سنوات فقط، أما المستأجرون يسيطر عليهم الخوف والقلق من فقدان الاستقرار والأمان. يحتاج المشروع إلى تعديلات جوهرية لتقليل الأضرار، فيما يسير القانون فى اتجاه محسوم تقوده الحكومة وتدعمه كتلة الأغلبية، فى مقابل معارضة محدودة لا تملك قوة التأثير. وبينما ينتظر عشرات الآلاف من المستأجرين ما ستسفر عنه الجلسة العامة، يبقى أقصى ما يمكن توقعه – فى هذا السياق – هو «هدية سياسية»من حزب الأغلبية قد تتمثل فى مدّ المهلة الانتقالية إلى عشر سنوات بدلًا من سبع. فهل يفعلها حزب «مستقبل وطن»؟