نشرت جريدة النهار اللبنانية مقالا للكاتب سركيس نعوم، يوضح فيه أن إزالة العقوبات الأمريكية عن سوريا قد تشكّل نقطة تحوّل سياسية واقتصادية كبرى، تفتح المجال أمام الاستثمارات العربية والدولية، وتدفع باتجاه إعادة إعمار البلاد، وتسهيل التطبيع الإقليمى والدولى، ضمن شروط أمريكية صارمة تتعلق بمحاربة الإرهاب وإعادة الاستقرار، وذلك بدعم واضح من حلفاء واشنطن فى المنطقة.. نعرض من المقال ما يلى: إلغاء العقوبات الأمريكية على سوريا سيفتح باب الاستثمارات الخليجية والعربية فيها، ومن شأن ذلك بدء عملية إنهاض اقتصادها وحضها على تطبيع العلاقة مع لبنان، وبدء محادثات التطبيع مع إسرائيل، والإفساح فى المجال أمام حكومتها لجمع القاعدة الشعبية المتناحرة والمنقسمة حولها. فى أى حال، إن بطء وتيرة التعافى والتقاتل، أو بالأحرى التناحر الداخلى والاعتداءات الإسرائيلية، يعوق التقدم فى سوريا. دونالد ترامب كان أول رئيس للولايات المتحدة منذ 25 سنة يلتقى قائدا أو زعيما سوريا فى المملكة العربية السعودية. كان ذلك بعد يوم من إعلانه رفع العقوبات المتنوعة كلها عن سوريا. وقد أكد ذلك بيان أصدره البيت الأبيض وأشار بوضوح إلى الاجتماع الذى ضم ترامب وولى العهد السعودى محمد بن سلمان والرئيس التركى رجب طيب أردوغان والرئيس الشرع. قال البيت الأبيض أيضا إن ترامب طلب من الشرع ترحيل المقاتلين الفلسطينيين من سوريا وتطبيع العلاقات مع إسرائيل ومساعدة الولاياتالمتحدة فى محاربة «الدولة الإسلامية» وتحمّل مسئولية مراكز احتجاز مقاتليها وعائلاتهم فى شمال شرق سوريا. وقال ترامب على ما نقلته وسائل الإعلام إن واشنطن ستنظر فى تطبيع علاقات بلاده مع سوريا. ما العوامل التى دفعت ترامب إلى اتخاذ المواقف المذكورة أعلاه؟ يجيب باحث جدى فى مركز أبحاث أمريكى لديه القدرة على الوصول إلى المعلومات من مصادرها فى بلاده والخارج: «أتى إعلان ترامب بعد أشهر من إقدام حلفاء أساسيين للولايات المتحدة مثل العربية السعودية وتركياوسوريا نفسها على التحرّك الجدى للوصول إلى النتائج المذكورة أعلاه. فأنقرة والرياض اضطلعتا بدور أساسى فى الضغط من أجل الحصول عليها. وقالت الأولى إن رفع العقوبات الساحقة عن سوريا سيدعم الاستقرار الإقليمى، وسيمكّن اللاجئين من أبنائها من العودة، ويضغط على نفوذ الانفصاليين فى منطقة نفوذهم جنوبسوريا. فضلا عن أن ذلك يفتح الباب لعلاقات تجارية أكثر عمقا مع سوريا. والرياض وضعت «التطبيع» مع سوريا جزءا من خطة استقرار أوسع يقودها العرب، وتعد بإعادة بنائها وإزالة ديونها للبنك الدولى، ولكن طبعا إذا سهّلت واشنطن ذلك. فى الوقت نفسه أظهرت سوريا إرادتها التعامل مع الشروط الأمريكية للتطبيع، ومن بينها طرد المقاتلين الأجانب وخصوصا الذين منهم «يخدمون فى الجيش السورى»، ومنع عودة الدولة الإسلامية»، إضافة إلى السيطرة على أماكن احتجاز أعضاء «الدولة الإسلامية» وعائلاتهم، وأخيرا الانضمام إلى «اتفاقات أبراهام» التى وُقّعت عام 2020 بين إسرائيل ودول عربية عدة وطُبّعت العلاقات بينها. وفى التصريحات الحديثة للشرع تعهد بحل تدريجى للميليشيات الموجودة فى مؤسسات الدولة السورية وإعادة المحادثات الدستورية مع الأممالمتحدة. والشرط الوحيد لذلك هو امتناع إسرائيل عن تفخيخ سياسة سوريا أو تقويضها، كما عن متابعة هجماتها العسكرية عليها. إلى ذلك كله، يقول الباحث الأمريكى نفسه إن تركيا وقطر، إضافةً إلى السعودية، تبدو الداعم والسند الأكبر لسوريا ماليا وعسكريا. ويقول أيضا إن اتفاق الولاياتالمتحدةوسوريا كان تاريخيا على علاقات ثنائية مضطربة فيها الكثير من «التشاغب». لكنهما حسّنتا علاقاتهما عام 1990 عندما انضمت سوريا إلى التحالف الذى قادته أمريكا فى حرب الخليج، وشاركت فى مؤتمر مدريد للسلام بين إسرائيل والدول العربية. إثر ذلك تدهورت العلاقة ولا سيما بعد ال2000 جرّاء دعم سوريا «حزب الله» والمجموعات العسكرية الفلسطينية، كما جرّاء تورّط سوريا الملمّح إليه فى قتل رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريرى عام 2005، ودعمها المتمردين فى حرب العراق. ازداد «الشق» الخلافى بين واشنطن ودمشق بين 2011 و2014 فى أثناء الحرب الأهلية السورية، إذ فرضت الولاياتالمتحدة عقوبات كاسحة وشاملة على سوريا ودعمت القوات المعارضة لها. عزّز ذلك مقولة إن سوريا دولة إرهابية وتدعم الإرهاب ووضعها فى إطار ديبلوماسى شبه محكم. فترامب الأول أمر بضربات جوية لسوريا مرتين عام 2017 و2018 جراء استعمالها أسلحة كيميائية فى الحرب الأهلية. أما «قانون قيصر» لحماية المدنيين الصادر عام 2019، يتابع الباحث الأمريكى نفسه، فكان جزءا من نظام عقوبات أمريكى أوسع على سوريا ونظامها السابق. كان هدفه وقف الاستثمارات الأجنبية فى سوريا، وعنى ذلك أن أى شركة عربية أو تركية تستثمر فى سوريا ستواجه عقوبات ثانوية من بينها إخراجها من النظام المالى الأمريكى. وقد شمل النظام المذكور قطاعات مهمة مثل الدفاع والطاقة والبناء والمصارف والتمويل. هل تساعد إزالة العقوبات عن سوريا فى إطلاق تعافيها الاقتصادى؟ النص الأصلى