لأول مرة.. دعم المعمل المشترك بمطروح بجهاز السموم GC/MS/MS    محافظ المنيا: إنهاء أغلب مشروعات "حياة كريمة" بحلول 30 يونيو الجاري    اليوم.. آخر موعد للتقدم لترخيص 50 تاكسي جديد بمدينة المنيا    تفاصيل حادث مدينة باساو جنوب ألمانيا    رسالة جديدة "غير معلنة" من طهران للوكالة الدولية للطاقة الذرية    السيسي يتلقى اتصالًا من رئيس وزراء باكستان للتهنئة بعيد الأضحى ويؤكد تعزيز التعاون بين البلدين    لبنان يحذر مواطنيه من التواصل مع متحدثي الجيش الإسرائيلي بأي شكل    شاهد| بالأحضان.. أول لقاء بين إمام عاشور وزيزو بعد انضمامه للأهلي    إقبال على شواطئ الإسكندرية في ثاني أيام العيد -صور    استعدادات مكثفة لتأمين مركز أسئلة الثانوية الأزهرية في كفر الشيخ    رئيس جامعة القاهرة يتلقى تقريرا عن أداء مستشفيات جامعة القاهرة خلال عيد الأضحى    شريف منير يوجه رسالة لابنته أسما بعد عقد قرانها على شاب من خارج الوسط الفني (فيديو)    كل عام ومصر بخير    مانشستر سيتي يحسم صفقة آيت نوري    عيّد بصحة.. نصائح مهمة من وزارة الصحة للمواطنين حول أكل الفتة والرقاق    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش    حركة فتح: مصر تؤدي دورًا محوريًا في القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية    رجل يقود سيارة ويدهس حشدا في مدينة باساو الألمانية    سيجارة أشعلت النيران.. مصرع أربعيني أثناء تعبئة البنزين في قنا    مصرع سيدة أسفل عجلات قطار فى البحيرة    السيسي ورئيس الوزراء الباكستاني يؤكدان أهمية تعزيز التشاور والتنسيق تجاه القضايا الإقليمية والدولية    نائب الرئيس الأمريكي: إسرائيل تحاول تدمير حماس لأنها تلقت ضربة موجعة    مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بإقليم جنوب الصعيد الثلاثاء    سلمى صادق واندريا بيكيا وشريف السباعى فى أمسية ثقافية بالأكاديمية المصرية بروما    القومي للمرأة ينظم لقاءاً تعريفياً بمبادرة "معاً بالوعي نحميها" بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس    فى موسم الرحمة.. مشاهد البر تتصدر مناسك الحج هذا العام.. أبناء يسيرون بوالديهم نحو الجنة بين المشاعر المقدسة.. كراسى متحركة وسواعد حانية.. برّ لا يعرف التعب وأبناء يترجمون معنى الوفاء فى أعظم رحلة إيمانية    إعادة هيكلة قطاع الكرة داخل الزمالك بخطة تطويرية شاملة.. تعرف عليها    هدية العيد    "أكلات العيد".. طريقة تحضير الأرز بالمزالكيا    اللحوم بين الفوائد والمخاطر.. كيف تتجنب الأمراض؟    المركزي الأوروبي يقترب من إنهاء دورة خفض الفائدة    بعد تخطي إعلان زيزو 40 مليون مشاهدة في 24 ساعة.. الشركة المنفذة تكشف سبب استخدام ال«ai»    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    إعلام إسرائيلي يدعي عثور الجيش على جثة يعتقد أنها ل محمد السنوار    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب اليونان    مها الصغير: أتعرض عليا التمثيل ورفضت    مجدي البدوي: تضافر الجهود النقابية المصرية والإفريقية للدفاع عن فلسطين| خاص    المالية: صرف المرتبات للعاملين بالدولة 18 يونيو المقبل    الصناعة: حجز 1800 قطعة أرض في 20 محافظة إلكترونيا متاح حتى منتصف يونيو    رونالدو: الحقيقة أنني لن أتواجد في كأس العالم للأندية    الأحزاب تستغل إجازات العيد للتواصل مع الشارع ووضع اللمسات الأخيرة على قوائم المرشحين    بشرى تتألق بإطلالة صيفية أنيقة في أحدث جلسة تصوير لها| صور    محمد سلماوي: صومعتي تمنحني هدوءا يساعدني على الكتابة    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    البابا تواضروس الثاني يعيّن الأنبا ريويس أسقفًا عامًا لإيبارشية ملبورن    تعرف على الإجازات الرسمية المتبقية فى مصر حتى نهاية عام 2025    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    الداخلية ترسم البسمة على وجوه الأيتام احتفالا بعيد الأضحى| فيديو    الأحوال المدنية: استمرار عمل القوافل الخدمية المتنقلة بالمحافظات| صور    لبنان.. حريق في منطقة البداوي بطرابلس يلتهم 4 حافلات    وزارة النقل: الأتوبيس الترددى يعمل طوال أيام العيد فى هذه المواعيد    البحيرة.. عيادة متنقلة أمام النادي الاجتماعي بدمنهور لتقديم خدماتها المجانية خلال العيد    شعبة الدواجن تعلن هبوط أسعار الفراخ البيضاء 25% وتؤكد انخفاض الهالك    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    وزير الزراعة يتابع أعمال لجان المرور على شوادر وأماكن بيع الأضاحي وجهود توعية المواطنين    إجابات النماذج الاسترشادية للصف الثالث الثانوي 2025.. مادة الكيمياء (فيديو)    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المَخْرَج
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 04 - 2025

فى السنوات الأخيرة من الدراسة الشاقة، كنا نتحدث عن الفرص العملية والعلمية المطروحة أمامنا بعد التخرج من كلية الطب، وقليلنا يفكر فى معادلة شهادته للسفر. انقلبت الآية فى يومنا هذا رأسا على عقب، فنسبة عظمى من الطلاب تفكر منذ السنة الأولى فى الحصول على المعادلات الأجنبية؛ تمهيدًا لتأسيس حياة كاملة فى بلد آخر.
• • •
أعداد الأطباء الذين يغادرون وطنهم هربًا من العسف، وغياب التقدير المادى والمعنوى على حد سواء؛ بات لافتًا للأنظار. نقصُ الأطباء أزمةٌ حقيقية، والمَخرَج لا يكون بإنكارِها أو المُزايدة على هؤلاء المسافرين والمهاجرين عبر اتهامهم بالجحود؛ فالواقع يعرفه الجميع ويعرفون أيضًا أن الطبيبَ مُهان؛ يُطلَب منه حدٌ أدنى من المظهر يحفظ مكانته وماء وجهه؛ لكنه لا يجده، ويُطلَب منه أفضل أداء؛ لكنه لا يُدعَّم بأبسط الإمكانات والأدوات؛ بل يُضطَر بعض الأحيان لطلبها من المريض وذويه. المَخرَج يتمثَّل فى خلق مَنظومَة صِحيَّة متكاملة ومُنصِفة؛ تهيىء للأطباءِ مناخًا سليمًا يعملون من خلاله، وتضمن للمواطنين فى الوقت ذاته حقوقهم على الدولة.
• • •
المَخرَج اسم مكان من الفعل خَرَج، الفاعلُ خارجٌ والمفعول مَخروج منه وعنه وإليه، والمصدر خروج، أما الخرجة فاسم المرة الواحدة من الفعل، وتذكر قواميس اللغة العربية أنها الهجمة الشديدة، كذلك فإنها تكنى رحلةَ المرء الأخيرة نحو المدفن. يحتاج الفعل «أخرج» إلى مفعول به؛ فيقال على سبيل المثال: أخرج التلميذ المُدرس عن شعورِه، وأخرج الرَّجلُ المَحفظةَ من جَيبه. الفاعلُ مُخرِج بكسر الراء، والمفعول به مُخرَج بفتحها، والكلمتان مُستخدمتان فى سياقاتٍ متباينة؛ فهناك مُخرِجو الأفلام الذين يقومون على صناعتها ويُعدّون أهم عناصرها، وهناك مُخرَجات للجلسات التى تنعقد بهدف الوصول إلى استنتاجات ثم حلول.
• • •
شاركت منذ أعوام فى تقديم كتاب بعنوان «الخروج فى النور» يُوثِّق شهاداتِ الأيام الأولى من ثورة الخامس والعشرين من يناير. لم تكن مشاركتى بالكلمات إنما بالرسوم. عثرت على نسخة فى مكتبتى وأنا أبحث عن أحد المراجع؛ فجذبنى المحتوى ورحت أقرأ من جديد شهادة مُوقَّعة من صبى جزار فى العشرينيات من عمره: «أجمل حاجة حصلت فى حياتى إنى عشت وصنعت الثورة مع ناس مصر، وإن شاء الله ما حدش حيقدر يضحك علينا أو يستغلنا أو يحبسنا مرة تانية».
• • •
تسأل امرأة رجلًا هاتخرجنى فين النهارده؟ تتأهب لمعرفة الردِّ وإصدار حكمٍ حاسمٍ على اختياره؛ فإما رضاء وسرور أو سُخط واستياء. يختلف تقييم «الخروجة الحلوة» من شخص لآخر؛ نزهة لطيفة على الأقدام تمثل عند بعض الناس ذروة السعادة، وأكواب من الشاى فى مساحة خضراء مهندمة؛ تصبح رغم تواضعها غاية المراد، ولا عجب أن يغدو مطعم ذو نجوم خمسة مثار اعتراض؛ ما ضاقت النفسُ وكَربَت.
• • •
المَدخل والمخرج لافتتان على أبواب المتاجر الكبرى؛ لكن العرف جرى لدينا على أن يدخل الزبون ويخرج من كليهما كيفما شاء، وبالمثل فى عربات قطار الأنفاق، وفى كل مكان له قاعدة يمكن كسرها. ثمة مخارج مُخصَّصة لحالات الطوارئ فى أماكن بعينها، من بينها عيادات الطب النفسي؛ حيث تنص المرجعيات على وجود بابين، أحدهما لدخول المرضى والزائرين، والثانى ليهرب عبره الطبيب ما تطلبت الظروف. يبدو الأمر مضحكًا؛ لكنه للحق من الضرورات؛ إذ يوفر الحماية فى حال وجود خطر أو تهديد صريح.
• • •
إذا تورَّط الواحد فى ما لا يريد؛ بحث عن مَخرَج آمن، وإذا صادفته أزمةٌ مُستحكِمة بحث عن السُّبل التى تتيح له الإفلات منها. قد يكون المَخرجُ واضحًا إنما غفل عنه صاحب المُشكل، وقد يكون الموقفُ عويصًا يتعذر الفكاكُ منه. يفتش الناسُ عما يخرجهم من الأزمة الاقتصادية الخانقة؛ فتصادفهم طرقٌ سُدَّت بفعل فاعل.
• • •
«الخوارج» فرقة ظهرت فى عهد النبى محمد وأثارت لغطًا كبيرًا بقى حتى يومنا هذا؛ ثار أفرادها على عثمان بن عفان وأصبحوا من شيعة علىّ، ثم تمردوا على علىّ وسيطروا فى مناطق عدة؛ لكنهم هزموا بعدما انهكتهم الانقسامات الداخلية. فى التاريخ حكايات كثيرة حول الخوارج والسائد بين عموم الناس أن لقبهم هذا بمنزلة اتهام؛ لا يسلم فى العادة صاحبه.
• • •
ثمَّة أشخاصٌ هادئون لا يتكلمون إلا قليلًا ولا يعلقون على آخرين ما لم يطلب منهم صراحة التعليق. يفضلون السكوت والإنصات ومتابعة ما يجرى؛ فإن خرج أحدهم عن صمته كان الحدث كبيرًا، يستحق كسر الحاجز القائم. ينتظر بعض الناس خروج العملاق الصينى عن صمته العظيم؛ وكأن فيه نجدة وإغاثة، والحق أن التطلع لمجىء المنقذ؛ ليس إلا مَسلك الضعفاء والمستكينين.
• • •
بعض الأحيان يعتذر الواحد بسبب عجزه عن التصرف فى أمر ما؛ خرج من يده ولم يعد خاضعًا لإرادته، وأحيانًا يحدث ما هو خارج الحسابات والتوقعات؛ فيسبب الارتباك ويفسد الترتيبات. التفكير خارج الصندوق قد يُذلِّل الصعابَ ويُعيد الأمورَ لنصابها، بينما التزام القضبان قد يُعوِّق المسير.
• • •
قد يكسر المرءُ طوقًا أحاط بجيده ويخرج عن طوع المُتحكِّم فيه. التعبير مجازىٌّ ولا شكّ فما من طوق ملموس ولا عنق مُقيَّد؛ إنما صورة تشى بما يعانيه المرء من اختناق. الخروج عن السيطرة تحررٌ وانعتاق، وخطوة أولى نحو الاكتفاء وتحقيق الذات.
• • •
فى فيلم «أيام الغضب»، غنى نجاح الموجى: «الداخل عندنا مفقود والخارج من هنا مولود، سلم لنا بقى ع الترماى». المكان المقصود مَصحَّة نفسية وتاريخ عرض الفيلم نهاية الثمانينيات، والحق أن الكلمات باتت تنطبق على أمكنة أخرى.
• • •
تشعبت الأزمة التى يمُر بها العالم وتقلَّصت مَخارجها. أزمتنا فى المنطقة العربية تبدو الأسوأ بين قريناتها؛ فوضع المفعول به قاعٌ عطن كئيب، والظن ألا مخرج على الأصعدة كافة إلا بالمقاومة، أما التراجع؛ فدعوة استسلام مُخزية ونداء انهزام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.