بحسابات اليوم، تشتعل الصراعات العسكرية والحروب الأهلية وأعمال العنف فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة، فى جنوبلبنان، فى مناطق مختلفة فى سوريا، فى اليمن حيث تواصل الولاياتالمتحدةالأمريكية حملتها للقضاء على صواريخ ومسيرات الحوثيين، فى السودان بسبب القتال الدامى بين الجيش الوطنى وميليشيات الدعم السريع وميليشيات أخرى. بحسابات اليوم، إذا، يعد الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم معاناة من الدماء والدمار وأزمات النزوح واللجوء والأوضاع الإنسانية المتردية. بحسابات اليوم أيضا، تتورط فى صراعات وحروب الشرق الأوسط دول وجيوش وميليشيات وقوى خارجية فى تنوع يحد من الفرص الفعلية للتسويات والحلول السلمية. ويزيد من صعوبة الأمر ضعف المؤسسات والأدوات الدبلوماسية متعددة الأطراف وغياب ترتيبات الأمن الجماعى التى تمكن فى أقاليم ومناطق العالم الأخرى من احتواء الصراعات وإنهاء الحروب. غير أن هذا المشهد الصادم للشرق الأوسط يحجب مشاهد أخرى تبرز التواصل والتعاون العابرين للحدود بين شعوب ودول المنطقة، مشاهد تدلل على أن الصراعات والحروب ليست اختيار الناس وربما ليست قدرا محتوما إن توفرت لدى حكومات الدول الإرادة السياسية الإيجابية. • • • فعلى سبيل المثال، ومع أن منطقتنا لا تتشابه مع الاتحاد الأوروبى الذى يضمن لمواطنيه حريات السفر والعمل والعيش دون اعتبار للحدود بين دوله، إلا أن الشرق الأوسط يشهد تصاعدا مطردا فى تنقل الناس عبر الحدود إن لأسباب العمل والسياحة أو لأسباب تتعلق بالزواج العابر للحدود. وفقا لبيانات 2022، توافد على زيارة البحرين ما يقرب من 9 ملايين مواطن سعودى وأكثر من 700 ألف مواطن كويتى وحول 100 ألف مواطن إماراتى وأقل من ذلك بقليل من مواطنى عمانوقطر. وفى المقابل، توافد على زيارة السعودية فى 2022 أكثر من 3 ملايين من البحرينيين وأكثر من مليونين من مواطنى الكويت وأقل من ذلك بقليل من الإماراتيين والقطريين ثم أهل عمان بما دون النصف مليون. كما شهدت قطر رواجا لزيارتها من قبل مواطنى الخليج الآخرين، حيث قدمها أكثر من نصف مليون سعودى فى 2022 وحول 100 ألف من الكويت ومثلهم من البحرينوعمان وما يتجاوز 60 ألفا من الإماراتيين. أما عمان فزارها فى نفس العام من السعوديين حول 100 ألف ومن كل من الإماراتيين والقطريين أكثر من 50 ألفا ومن كل من مواطنى الكويتوالبحرين ما يقرب من 40 ألفا، بينما شكلت الكويت فى 2022 نقطة جذب لزيارة نصف مليون سعودى وأكثر من 20 ألفا بقليل من مواطنى البحرينوقطر. ولأن الأمر لا يقتصر على الحركة العابرة للحدود بين مواطنى الخليج، تظهر بيانات 2022 أن ما يقرب من مليونين ونصف من المصريين زار السعودية بينما وفدها أكثر من مليون ونصف من مواطنى الأردن وما يقرب من 700 ألف من اليمنيين والعراقيين وحول 250 ألفا من المغاربة و100 ألف من الإيرانيين. وإذا كان ارتفاع أعداد المترددين على السعودية يمكن أن يفسر إن بأداء المسلمين للشعائر الدينية فى الأراضى المقدسة أو بالفرص المتاحة لغير المواطنين فى سوق العمل السعودى، فإن أعداد زائرى دول الخليج الأخرى من غير الخليجيين تثبت أن الحركة العابرة للحدود فى الشرق الأوسط لها خلفيات متنوعة. فقد وفد قطر فى 2022 ما يزيد عن 50 ألفا من المصريين وذهب مثلهم إلى عمان، والأخيرة زارها فى نفس العام أكثر من 55 ألفا من مواطنى إيران وما يقرب من 20 ألفا من كل من الأردنولبنانوسوريا. أما الكويت، فتواجد بها ولأسباب مختلفة فى 2022 ما يقرب من ربع مليون مصرى وما يصل إلى 100 ألف سورى و50 ألف أردنى و30 ألف لبنانى وحول 15 ألفا من الإيرانيين. • • • وبعيدا عن الخليج الجاذب لغير مواطنيه لمستويات المعيشة الأعلى والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الأفضل من بقية الشرق الأوسط، فإن أرقام الحركة العابرة للحدود تدلل أيضا على انخراط شعوب المنطقة مع بعضها البعض بصورة متصاعدة. فى 2022، جاء إلى مصر حول 800 ألف من السعوديين و650 ألفا من مواطنى إسرائيل و300 ألف من ليبيا و225 ألفا من أهل فلسطين و200 ألف من كل من مواطنى الكويتوالأردن وحول 100 ألف سورى و70 ألفا من اللبنانيين وما يقرب من 50 ألفا من العراقيين والأتراك وما دون ذلك بقليل من مواطنى البحرينوعمانوتونسوالجزائر والمغرب. بينما لم تسجل الإحصاءات الحكومية المصرية أو الإحصاءات الدولية أعداد القادمين من اليمن أو السودان فى نفس العام، على الرغم من ارتفاعها النسبى نظرا للأوضاع الداخلية غير المستقرة فى البلدين وارتباطهما التاريخى بالمحروسة. أما الأردن، فزارها من السعوديين ولأسباب السياحة والعلاج وأمور أخرى ما تجاوز 800 ألف ومن الفلسطينيين لأسباب تتعلق بالروابط الخاصة بين الشعبين ما يقرب من 600 ألف ومن حاملى جوازات السفر الإسرائيلية ما لا يقل عن 170 ألفا ومن السوريين الذين ارتحل منهم الكثير خلال سنوات الحرب الأهلية إلى ملاذات شرق أوسطية حول ربع مليون مواطن. وجاء بعد هذه الجنسيات فى قائمة زوار الأردن المصريون بما يقرب من 200 ألف من العمالة البسيطة ومتوسطة التأهيل والسائحين ثم العراقيون بعدد يتخطى 150 ألفا، ومن وراء المصريين والعراقيين وبأرقام متفاوتة حضر أهل الكويتولبنانوالبحرينوعمانوتركيا والإمارات وقطر وليبيا تراوحت بين حول 80 ألفا من الكويت و12 ألفا من الليبيين. وتكررت ذات الصورة بالغة التنوع فيما خص لبنان التى يعمل بها المصريون ويفدها الإيرانيون والعراقيون والأردنيون والأتراك لعديد الأسباب ويصلها الخليجيون للسياحة والدراسة وغيرها ويتواجد بها السوريون كوجهة ارتحالهم الأساسية، وحيث تتراوح الأعداد المسجلة فى 2022 بين ما يتجاوز مليون ونصف من السوريين و155 ألفا من العراقيين و40 ألفا من المصريين وبين 30 ألفا من مواطنى الأردنوتركيا. • • • على الرغم من عديد الأزمات السياسية، لم تخرج إيران من دائرة الزيارات العابرة للحدود فى الشرق الأوسط حيث وفدها فى 2022 ما يقرب من مليونين من العراقيين وأرقام متفاوتة من الخليج وتركيا تتراوح بين 70 ألفا من مواطنى السعودية وحول 30 ألفا من الأتراك. كذلك لم تخرج تركيا من ذات الدائرة حيث حضر إلى أراضيها فى نفس العام ملايين الإيرانيين لأسباب مختلفة ومئات الآلاف من عرب الخليج والعراقيين والمصريين واللبنانيين وأهل المغرب العربى وحول 100 ألف من مواطنى إسرائيل. واجتذبت إسرائيل فى 2022 ما تخطى 20 ألفا من مواطنى تركيا وما دون خمسة آلاف من المصريين والمغاربة. أما فى المغرب العربى وبعيدا عن ليبيا التى لا تتوفر بشأنها إحصاءات حكومية أو دولية عن وافديها من شعوب ودول الشرق الأوسط، اجتذبت الجزائر فى 2022 ما يقرب من نصف مليون من مواطنى تونس وعشرات الآلاف من المغاربة والليبيين والأتراك (مرتبين عكسيا من حيث العدد). أما المغرب فاقترب عدد القادمين إليها فى 2022 من السعوديين والإسرائيليين من 70 ألفا بينما دارت أرقام مواطنى تونسوالجزائروتركيا بين 30 و40 ألفا وتدنت الأرقام فيما خص المصريين والإماراتيين إلى ما دون 25 ألفا. وأخيرا، شكلت تونس مقصدا حيويا لما يقرب من مليونين من الليبيين ومليون ونصف من الجزائريين و50 ألفا من المغاربة وبضعة آلاف من تركيا والسعودية ومصر وغيرها. تظهر كافة هذه البيانات والأرقام أن شعوب الشرق الأوسط تتحرك ولأسباب عديدة عبر الحدود بكثافة تعنى أن التواصل والتعاون فى منطقتنا هو أيضا حقيقة قائمة حتى وإن حجبت رؤيتها خرائط الدماء والدمار التى ترتبها الحروب والصراعات المستمرة. بل وتدلل على ذات الحقيقة التى يمكن أن يؤسس عليها السعى إلى ترتيبات للتنسيق والأمن الإقليمى بيانات وأرقام أخرى تتعلق بالتبادل التجارى والاستثمارات بين دول الشرق الأوسط، بل ومعدلات الزواج العابر للحدود بين الشعوب.