المتابع المدقق للسياسة الخارجية المصرية، قبل ثورة وبعدها، خاصة أزاء منطقة الخليج العربى، لا يستطيع إلا أن يؤكد بأن مصر دولة خليجية بامتياز. فمنذ عصر النهضة وتولى محمد على باشا حكم مصر حتى الرئيس المعزول محمد مرسى، ومنطقة الخليج فى صدارة وأولوية السياسة الخارجية المصرية حتى أن الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك كان سريع التحرك مع كل ما يمس الأمن القومى الخليجى من مصادر تهديد محتملة أو قائمة بالفعل، من خلال قيامه بزيارات مباشرة لبعض الدول الخليجية أو التدخل الدبلوماسية أو عبر استخدام القوات المسلحة. ويتضح الدور المصرى فى منطقة الخليج أكثر من خلال الدور الذى لعبته مصر فى دعم استقلال الكويت عام1961 ،وفى محاولة نزع فتيل الأزمة بين الكويتوالعراق قبيل الغزو العراقى، ومشاركة مصر فى حرب تحرير الكويت، وهى المشاركة التى شجعت وسمحت لبعض الدول العربية الآخرى بالمشاركة بعد ذلك ثم بلورت الموقف القائم على تحرير الكويت دون دخول الأراضى العراقية ودون المشاركة فى الحرب على العراق فيما بعد، كما انضمت إلى مجموعة 6+2+1 التى تحولت فيما بعد إلى 6+3+1 دول الخليج الست ومصر، والأردن، ثم العراق، وأخيرا الولاياتالمتحدة المعنية بأمن الخليج، وأخيرًا، الترتيبات الأمنية المشتركة والمناورات العسكرية المصرية السعودية فى البحر الأحمر بعد ظهور عمليات القرصنة على السفن السعودية والمصرية، بالإضافة إلى الدعم المعنوى الذى قدمته مصر للبحرين فى فى أحداث 14 فبراير 2011 وفى هذا الإطار، تستند علاقات مصر بدول الخليج داخل النظام الإقليمى العربى إلى ثلاث مفاهيم المفهوم الجغرافى الذى يشير إلى أن مصر دولة مجاورة لدول الخليج العربي، والمفهوم الاستراتيجى الذى يؤكد أن مصر دولة خليجية، نتيجة ثوابت الجغرافيا ومتغيرات التاريخ، ومفهوم الأمن الإنسانى، حيث الأعداد الكبيرة من العمالة المصرية فى دول الخليج العربى. حيث شهدت سبعينيات القرن العشرين هجرة أعداد كبيرة من المصريين إلى دول الخليج العربى، وفى الموجة الثانية لعمل المصريين بالخارج بعد الموجة الأولى التى بدأت فى عشرينيات ذلك القرن لدعم نهضة هذه الدول، وجسدتها إعارات من الحكومة المصرية للنهضة بالتعليم، ولتنظيم الجمارك، أو لدعم الإدارة الحكومية وكانت مصر تتحمل أغلب أو كل نفقاتهم ورواتبهم. وبالرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة لعدد المصريين فى الخارج لدى الجهات الحكومية المصرية المختصة، وأماكن هجرتهم، فإن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء قدر فى مارس 2011 بأن عدد العمال المصرية فى الوطن العربى حوالى 5 مليون . فعلى سبيل المثال، تقدر العمالة المصرية فى الكويت بحوالى 270 ألف شخص ولكنهم فى الحقيقية يتجاوزن 400 ألف شخص، أما فى السعودية فالتقديرات الرسمية تقول إن حجم الجالية المصرية فى حدود 971 ألفا، بينما الجالية المصرية فى السعودية تؤكد أنها الأكبر حجما فى المملكة بتعداد يصل إلى المليون ونصف شخص، وفى الإمارات تقول التقديرات الرسمية إن عدد المصريين 95ألفا بينما الرقم الحقيقى يصل إلى 120ألف شخص، أما فى قطر فيصل عدد المصريين إلى 118ألف شخص بينما توجد 3 دول بكل منها أقل من 20 ألف مصرى وهى البحرين وعمان واليمن. وبالطبع فإن التقديرات الحالية عن المصريين بالخارج عمومًا، وفى الخليج خصوصًا، تجاوزت ال 7 ملايين مواطن مصرى، ومن ثم فإن هذا الوجود المصرى فى الخليج يعد مهمًا لمصر، لأنه يمثل جسرًا للتواصل الإنسانى والاجتماعى بين أبناء الشعب المصرى وأبناء الشعوب الخليجية، مما يكون على المدى البعيد أساسًا لقبول عام يمهد لتبادل أوسع للمصالح المشتركة بين الجانبين كما أن لهذا الوجود المصرى مردود إيجابى على ميزان المدفوعات، إذ إن تحويلات المصريين فى الخارج فاقت قيمة الصادرات المصرية بثلاث مرات خلال الفترة من 1984 إلى 1994 ويضاف إلى جملة الاعتبارات السابقة للربط بين الأمن القومى المصرى والخليجى المصالح الاقتصادية المشتركة، ويحسب لدول الخليج العربى الوقوف إلى جانب الشعب المصرى فى أزمتها الاقتصادية التى مر بها منذ اندلاع ثورة 25 يانير حتى هذه اللحظات، سواء بالدعم المباشر من وقود ومحروقات الطاقة إلى منح وقروض لا ترد من قبل بعض الدول الخليج وبعض المنح ذات الفوائد من بعض الدول الأخرى فى عهد محمد مرسى أو المجلس العسكرى، بالإضافة إلى التحرك الدبلوماسى الخليجى للوقوف بجانب المرحلة الانتقالية والرئيس عدلى منصور فى ظل تعنت أمريكى واضح بعد اتفاقها مع جماعة الإخوان المسلمين على ترتيبات الأوضاع السياسية فى منطقة الشرق الأوسط من جديد، بما يضمن مصالحهما على حساب شعوب المنطقة.