منذ طرح الرئيس الفرنسى ساركوزى قبل عامين مشروعه لإقامة اتحاد من أجل المتوسط بين الدول المطلة على البحر الأبيض من الجنوب والشمال، ونجح فى إقناع الرئيس مبارك بجدوى هذه الفكرة، ليصبح بحيرة سلام وتعاون لتوطيد الأمن وتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية بين أوروبا والدول العربية المشاطئة.. لم تحرز هذه الفكرة تقدما يذكر. بل ظلت تواجه من العقبات والتعقيدات الكثير، بسبب مشكلة الصراع العربى الإسرائيلى وفشل جهود السلام تحت وطأة التعنت الإسرائيلى. وقد قامت حكومة ساركوزى منذ البداية بحملة علاقات عامة واسعة للترويج لفكرة الاتحاد المتوسطى وضم دول المغرب العربى بالإضافة إلى مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل وجرجرة سوريا ولبنان، على أساس أن هذا التجمع سوف يكون بديلا لقمة برشلونة التى ظلت تجتمع وتنفض عدة سنوات دون نتيجة تذكر.. لا بالنسبة لقضية السلام ولا بالنسبة للتعاون الاقتصادى. جاء ساركوزى هذه المرة مزودا بعلاقاته الوثيقة مع إسرائيل، على أمل أن تكون مشروعات التعاون الاقتصادى المشتركة بين أوروبا ودول المتوسط أساسا لإدخال إسرائيل فى منظومة علاقات جوار ودية مع العرب، تفتح الطريق لتسهيل عملية السلام والتغلب على تعقيدات الخلافات السياسية. وهى الفكرة التى يروج لها نتنياهو الآن. بأن السلام الاقتصادى يسبق الأمن والسلام على الأرض ويسهل حل مشاكل الحدود واللاجئين والقدس وقيام الدولتين. غير أن فكرة ساركوزى قوبلت بشكوك كثيرة. ليس فقط من جانب دول عربية مثل سوريا ولبنان وليبيا التى اعتبرته فى صالح إسرائيل. ولكن أيضا من بعض دول أوروبية وجدت فى الاتحاد من أجل المتوسط إضعافا للاتحاد الأوروبى وتمييزا بين أعضائه. وكانت ميركيل مستشارة ألمانيا هى التى تصدت لساركوزى فى هذا الخلاف. وتم الاتفاق على حل وسط يسمح لأى عضو من الاتحاد الأوروبى بالانضمام، حتى بلغت عضوية الاتحاد من أجل المتوسط 43 دولة. لم تكن هذه المشكلة فى حقيقة الأمر هى التى هددت بانهيار الاتحاد المتوسطى قبل أن يبدأ وحتى هذه اللحظة، ولكن الوجود الناشز لإسرائيل وسط المجموعة العربية ولم يكن قد مضى على الغزو الإسرائيلى للبنان غير وقت قصير. فضلا عن فشل الاتحاد الأوروبى فى القيام بأى دور فى الضغط على إسرائيل من أجل السلام، عطل انطلاق المشروع إلى حيز التنفيذ. ثم جاءت الانتخابات الإسرائيلية التى أتت بالجناح الفاشى من الليكود بزعامة نتنياهو. واختيار اليمينى المتطرف ليبرمان وزيرا للخارجية لتضفى ظلالا من الشك على مستقبل الاتحاد. ولم تنجح صداقة نتنياهو وساركوزى فى تغيير سياسة العدوان الإسرائيلى. وتأجلت الاجتماعات التحضيرية والوزارية عدة مرات بسبب رفض مصر وإصرار إسرائيل على حضور ليبرمان، الذى سبق أن تفوه بعبارات مهينة ضد الرئيس مبارك. وهكذا تأجلت قمة الاتحاد من أجل المتوسط التى كان مقررا عقدها فى يونيو المقبل فى برشلونة. ولم تسفر الاجتماعات والزيارات والمشاورات عن خطوة واحدة إلى الأمام. وعلى كثرة ما طرح من مشروعات مشتركة للتعاون فقد ظلت كلها حبرا على ورق. القصة وما فيها أننا نخدع أنفسنا أو يخدعنا الآخرون بمشروعات وهمية، تخفى وراءها أهدافا لا تراعى غير مصالح إسرائيل، لتحقيق السلام الاقتصادى الذى يحلم به نتنياهو. وقد يذهب المشروع كله هباء إذا ذهب ساركوزى فى الانتخابات الفرنسية القادمة بعد عامين، وهو ما تشير إليه دلائل كثيرة!!