لطلبة الشهادة الاعدادية 2025.. موعد امتحانات النقل والشهادة بمحافظة الوادى الجديد    الدولار ب50.36 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 15-5-2025    استشهاد 23 فلسطينيا بقصف إسرائيلي على خان يوس في قطاع غزة    مسؤول إيراني: طهران ستتخلى عن تخصيب اليورانيوم عالى التخصيب ضمن اتفاق مع واشنطن    واشنطن بوست: زيلينسكي اعترض على إرسال وفده إلى إسطنبول    صام "مو" وفاق مبابي، حلم الحذاء الذهبي يتلاشى عن محمد صلاح    الكشف عن نظام المشاركة في بطولة دوري أبطال أوروبا 2025-2026    مصر تتصدر منافسات ثالث أيام بطولة إفريقيا للمضمار.. برصيد 30 ميداليات    السيطرة على حريق النخيل بكورنيش مصر القديمة    الحماية المدنية تسيطر على حريق كورنيش مصر القديمة المروع - صور    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    الدكتور حسام موافي يكشف 4 أسباب للأنيميا تهدد حياة الإنسان (فيديو)    مصرع وإصابة 17 شخصاً في حادثي سير بالفيوم    جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي الترم الثاني 2025 في جميع المحافظات    موجة شديدة الحرارة يعقبها انخفاض.. بيان مهم من الأرصاد يكشف طقس الأيام المقبلة    من بينهما برج مليار% كتوم وغامض وحويط.. اعرف نسبة الكتمان في برجك (فيديو)    ريهام عبد الحكيم تُحيي تراث كوكب الشرق على المسرح الكبير بدار الأوبرا    انبعاثاتها تعادل مليار قنبلة هيدروجينية، تحذير من أقوى انفجارات شمسية تصل حرارتها إلى الأرض خلال ساعات    المجلس الرئاسي الليبي يعلن وقف إطلاق النار في طرابلس    من البيت.. طريقة استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (الرسوم والأوراق المطلوبة)    وزير الخارجية: الرئيس السيسي يقود جهودًا دبلوماسية لوقف العدوان على غزة وإيصال المساعدات    «5 استراحة».. اعثر على القلب في 5 ثوانٍ    سجل اسمه رسميا مع مايكل جاكسون وبيبر، الشامي يدخل التاريخ بإنجاز غير مسبوق بأغنية "وين"    الصفقة التي فجّرت الخلاف.. كواليس صدام حسام غالي مع كولر قبل رحيله من الأهلي    موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    تراجع أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 15 مايو 2025    سالي عبد السلام ترد على منتقديها: «خلينا نشد بعض على الطاعة والناس غاوية جلد الذات»    قطر: إسرائيل غير مهتمة بالتفاوض على وقف إطلاق النار في غزة    تحركات برلمانية لفك حصار الأزمات عن أسوان ومستشفيات الجامعة    كيف قضى قانون الجديد العمل على استغلال الأطفال وظيفيًا؟    حجز الحكم على قهوجى متهم بقتل شخص فى أوسيم إلى 13 يوليو    مصرع بطل مصر في كمال الأجسام إثر حادث تصادم بالتجمع الخامس.. ماذا حدث ؟    مصرع رجل وزوجته في حادث تصادم سيارتين أجرة ونقل على طريق طنطا- كفرالشيخ    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 15 مايو 2025    محافظ البحيرة توجه بركوب ذوي الهمم بالمجان في أتوبيسات النقل العام    بريمونتادا +90 أمام مايوركا.. ريال مدريد يؤجل احتفالات برشلونة في الدوري الإسباني    وصول حسام البدري والفوج الأول من الرياضيين المصريين إلى القاهرة    "أول واحدة آمنت بيا".. محمد رمضان يكشف أهم مكالمة هاتفية في حياته    وفاة الفنان السوري أديب قدورة بطل فيلم "الفهد"    تبرعت بمنزلها لتحفيظ كتاب الله بالمجان.. وفاة الشيخة «محاسن» أقدم محفظة قرآن بالمنيا    خالد بيبو: حمزة علاء تهرب من تجديد عقده مع الأهلي    موعد مباريات اليوم الخميس 15 مايو 2025| إنفوجراف    عدد أيام إجازات المرأة وفقًا لقانون العمل الجديد    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    ترامب ل أمير قطر: لدينا أفضل المعدات العسكرية وأنتم تشترون الكثير منها    الكويت: سرطان القولون يحتل المركز الأول بين الرجال والثاني بين الإناث    وكيل صحة الدقهلية يشيد بجهود الآطقم الطبية والإدارية في شربين    أخبار × 24 ساعة.. مجلس الوزراء: رسوم عبور قناة السويس تُحصل بالعملات الأجنبية    وكيل تموين الإسماعيلية تتفقد صوامع القمح بالقنطرة شرق    محافظ الدقهلية: لن أترك ملفا دون حل وأؤمن بأن الإعلام شريك أساسى فى خدمة المواطن    الرئيس يتابع تنفيذ المشروع القومي لبناء الإنسان    الخارجية الأمريكية: ترامب يريد تحسن الوضع الإنسانى المتفاقم فى قطاع غزة    توسعات ل«إيجاس وهاربور إنرجي» في استكشاف الغاز ب«حقل دسوق»    ب«3 دعامات».. إنقاذ مريض مصاب بجلطة متكاملة بالشريان التاجى في مستشفى شرق المدينة بالإسكندرية (صور)    «الرقابة الصحية» تشارك بالنسخة الأولى من المعرض العربي للاستدامة    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية العامة الفصل الدراسي الثاني 2024-2025 في البحيرة    دار الإفتاء توضح الأدعية المشروعة عند وقوع الزلازل.. تعرف عليها    براتب 7 آلاف ريال .. وظيفة مندوب مبيعات بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعيدوا إلى مصر يومها الدراسى
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 01 - 2025

هل لاحظت عزيزى القارئ أن الانتظام فى اليوم الدراسى لم يعد أمرا أساسيا؟ فى المدارس الحكومية أو الخاصة أو حتى المدارس الدولية يغيب الطلبة يوما أو اثنين أو أكثر من المدرسة أسبوعيا فى المرحلة الابتدائية، وهذه الظاهرة تزداد فى إعدادى وثانوى حتى إن هناك فصولا فى الثانوية العامة الحكومية لم تفتح منذ سنوات، فمعظم هؤلاء الطلبة يعتمدون على الدروس الخصوصية لتحصيل المادة العلمية وبالتالى لم يعد الحضور فى المدرسة مهما.
بدأت هذه الظاهرة عندما اتخذ أصحاب القرار خطوات لتحقيق حلم وحق هام للإنسان المصرى وهو توفير مكان فى المدارس لكل طفل مصرى. لكن بدون الاستثمار فى المدارس والتوسع فى تخريج معلمين وتوفير موارد لإدارة هذه المدارس بمستوى يحافظ على التعليم المصرى، وبدلاً من معاملة هذه القضية كمشروع قومى يحمى الوطن ويبنيه لأجيال ويحقق لمصر منظومة تعليمية يستحقها شعب مصر وتتناسب مع دورها التاريخى كرائدة للعلم والثقافة فى الوطن العربى، كان الأسهل والأسرع والأكثر شعبوية لأصحاب القرار هو تقسيم اليوم الدراسى إلى فترتين بغرض استيعاب أضعاف أعداد الطلاب، وبجرة قلم انخفضت عدد الحصص وساعات الدراسة للطالب المصرى إلى النصف على حساب تعليم جيد، فاستبدلنا جودة التعليم بإتاحة تعليمية كاذبة، فمن حق كل مصرى مكان فى المدرسة لكنه أصبح لا يتعلم.
مع الوقت لم يعد هذا التدخل كافيا فزادت أعداد الطلبة فى الفصول بما جعل العملية التعليمية فى ظل انخفاض الساعات الدراسية هزلية للطالب والمدرس وأصبح كلاهما مدركا تماما أن الذهاب إلى المدرسة ما هو إلا تمثيلية وأن التعليم الحقيقى يحدث خارج المدرسة (إذا سمينا الدروس الخصوصية تعليما).
• • •
ما أود أن أركز عليه فى هذا المقال هو تأثير هذا على الشخصية المصرية وتكوين الأسرة، فهذا الطالب حرم هو وزملاء جيله الحياة المدرسية النظامية التى تؤسس للشخصية والتى تشارك الأسرة فى التربية التى تربط بين شباب الجيل الواحد فتكون تجاربهم ومهاراتهم والكثير من قيمهم موحدة، لأنهم عاشوا وتشاركوا طفولة مشابهة، ففى المدرسة يتعلم الطفل الاختلاف، فزملاؤه المسلمون والأقباط، ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية متباينة لكن فى إطار الزمالة والطفولة يكونوا صداقات. هذه الطفولة تنتهى عند 18عاما هى فرصتنا فى بناء جيل متجانس يرى ويسمع ويحترم الاختلاف يربطه حبل تعليمى وثقافى ومفاهيم هوية متشابهة.
طابور الصباح يعلمنا النظام واحترام دور من سبقنا والصبر على دورنا (هذا الصبر الذى لا نرى له أثرا فى مجتمعنا اليوم)، جرس الحصة يعلمنا احترام المواعيد، الواجب المدرسى يعلمنا تسليم عملنا فى موعده وإتقانه، فسحة الأكل تعطى فرصة للمدرسة أن تؤثر على اختياراتنا وميولنا الغذائية والصحية، حتى دورات المياة فى المدرسة النظامية (وهذا ليس خيالا وإنما هو فى صميم التربية والتعليم) تعطينا فرصة لتعليم جيل كامل النظافة الشخصية والوقاية من الأمراض وخصوصية الجسد، من المريلة نتعلم أن نهتم بمظهرنا وهندامنا أياً كانت ظروفنا الاجتماعية، فالمريلة تجمعنا لكن نظافتها وانضباطها يتم مراجعتهم.
فى المدرسة يتعلم الطالب أنه جزء من الكل فهو ليس محور الكون، نتعلم أن نرفع يدنا وننتظر دورنا لنتحدث وأن نستمع إلى زملائنا ولا نندفع لفرض إجابتنا عليهم. هى فرصة لمن ليس لديه حظ الاشتراك فى نادى رياضى ليمارس الرياضة ويتعلم اللعب فى فريق ومعنى المنافسة الشريفة. ودرس الرسم نتذوق فيه الفن وفيه تكتشف المواهب التى ستحرم منها مصر إن لم ينتبه لها المعلم الشغوف، كذلك حصة الموسيقى. كلها حصص تم الاستغناء عنها أو اختصارها بسبب قصر اليوم المدرسى.
• • •
مع انهيار اليوم المدرسى النظامى انعدم دور المعلم التربوى فهذه الظروف يستحيل معها خلق تواصل إنسانى مع الطالب، فالأعداد وقصر مدة اليوم الدراسى حرمت المدرس من ممارسة جزء مهم من مهنته وهو ما أذى المهنة كثيرا. دور المعلم فى تشكيل الشخصية عابر للزمان والمكان منذ تجمع طلاب المعرفة حول شخص عنده الموهبة والكرم لكى يوصل مخزونه العلمى وحكمته الإنسانية إليهم. كان الأستاذ يملأ فراغ الأسرة حين تتعرض للأزمات وفى عصرنا هذا الملئ بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية مازال هناك احتياج كبير لملء هذا الفراغ الذى فقدناه. تحول المدرس إلى مقدم خدمة فى المدرسة والدروس الخصوصية والمجمعات التعليمية المسماة بالسناتر، هدفه تحصيل طالبه على الدرجات وليس العلم، أما هو فهدفه دخل يؤمن به حياة كريمة لأسرته، وفقد شغف المهنة وحلاوتها.
انعكس هذا على البيت المصرى فأصبح السهر حتى الساعات الأولى من النهار القاعدة وليس الاستثناء، أصبحت النوادى تضع مواعيد التمرين للفرق الرياضية فى المساء فيعود الطفل منها بعد العاشرة مساء، كذلك الدروس الخصوصية، غير مراعية احتياج الطفل للراحة وكأن المعلم والمدرب والآباء مُحِىَ من ذهنهم دورهم التربوى فى تنظيم يوم الطفل.
نتج عن هذا جيلين ونحن على وشك الدخول فى الجيل الثالث، تخرجوا من مدارس أعطتهم شهادات لكنها لم تشارك فى تربيتهم. فهم لم يتعودوا على الانضباط ولا على الالتزام بموعد تسليم العمل، يحسون أن الاستيقاظ مبكرا ثقيل عليهم وأن إدارة الوقت شعار لا معنى له، فجرس الحصة لم يترك علامة فى ذاكرتهم. تقييم الأداء والاعتزاز بجودة ما يفعلونه سواء كان دراسة أو مهنة أو حرفة لا يترجم إلا إلى أرقام (إما درجات أو فلوس) لأن فى طفولتهم لم يرتبط الجهد إلا بالأرقام فلم يتذوقوا طعم الفصل الدراسى وإثراء المعلم وإعجاب الأصدقاء بهم. حتى التقييم فى امتحانات المدارس كثيرا ما يشوبه التساهل وأحيانا الغش الفردى أو الجماعى وهو فى الثقافة المدرسية منذ عدة أجيال مقبول إلى حدٍ كبير وتم التطبيع معه على أنه نوع من الفهلوة من الغشاش والجدعنة ممن يغش منه. وبالتالى يصل الطالب إلى سن العمل وهو يرى فى التقييم غلاسة وفى الدقة حسوكة.
• • •
هذه المهارات والقدرات فقدها المجتمع المصرى فى رأيى بسبب انهيار اليوم المدرسى. فقد الطفل طفولة سعيدة، والشاب فرصة تحقيق مراده فى الدنيا، وفقدت مصر مخزونا هائلا من الطاقة والموهبة والذكاء بسبب تربية أجيال من المصريين خارج منظومة تعليمية ترعى وتربى وتلعب دورا فى الوالدية يدا بيد مع الأسرة.
أظن أن حل أزمة التعليم فى مصر لا علاقة لها بالمناهج ولا بدخول أو خروج إحدى المواد من المجموع، الحل هو إعادة الطفل المصرى إلى المدرسة بشكل حقيقى وليس صورى؛ ثمانية ساعات يوميا خمسة أيام فى الأسبوع عشرة أشهر فى السنة لمدة الاثنى عشر عاما التى يتشكل فيها وجدانه وشخصيته.
أعيدوا إلى مصر مدرستها.. تعيدوا إلينا الأمل فى الغد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.