الإدارية العليا تحجز 48 طعنا على نتيجة 30 دائرة ملغاة بانتخابات النواب لجلسة 24 ديسمبر    رئيس الوزراء يتفقد غدا مشروعات حياة كريمة بمحافظة الجيزة    الدنمارك: مستاؤون من تصريحات المبعوث الأمريكي لجرينلاند    أمم أفريقيا 2025| التشكيل المتوقع لمنتخب مصر في مباراة زيمبابوي    السجن المشدد 7 سنوات لغفير بتهمة ضرب أفضى إلى الموت بالإسكندرية    موعد ومكان عزاء الفنانة سمية الألفى اليوم الإثنين    رئيس جامعة القاهرة يجري سلسلة لقاءات رفيعة المستوى بالصين لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي    محافظ المنيا يوجّه بتوسعة المركز التكنولوجي النموذجي بملوي وصرف مساعدات عاجلة لحالات إنسانية    هبوط المؤشر الرئيسي للبورصة بنسبة 0.6% بختام تعاملات جلسة الإثنين    محافظ الإسماعيلية يعلن موعد تشغيل مدرستي الفنية التجارية والإمام علي للغات    وزارة شئون القدس تطالب بتدخل دولي عاجل لوقف هدم منازل المقدسيين    ماهر نيقولا: إسرائيل توظف الملف الإيراني كورقة تفاوض وليس تمهيداً لضربة قريبة    رئيس الشيوخ يهنئ الشعب المصري بمناسبة العام الميلادي الجديد    الحكم أحمد الغندور يتوجه باستغاثة لرئيس الجمهورية بعد استبعاده من القائمة الدولية للتحكيم    فابريزو رومانو: مطالب الأهلي تعطل انتقال جمزة عبد الكريم إلى برشلونة    أمم إفريقيا - مؤتمر الطرابلسي: نعلم حجم الضغط على حسام حسن في مصر    وزير الاتصالات: استثمار 3.3 مليار دولار لرفع كفاءة الإنترنت أدى لزيادة السرعة 16 ضعفا    الانتقام المجنون.. حكاية جريمة حضرها الشيطان في شقة «أبو يوسف»    حملات مرورية.. رفع 43 سيارة ودراجة نارية متهالكة    حداد ودموع في طابور الصباح.. مدرسة بمعصرة صاوي تنعى تلميذين لقيا مصرعهما في حادث الطريق الإقليمي    الخطيب يبحث مع وزير التجارة الكوري تعزيز العلاقات الاستثمارية    إطلاق حملة "ستر ودفا وإطعام" بالشرقية    ريهام عبدالغفور: ترددت في قبول دوري بفيلم "خريطة رأس السنة"    حكم المسح على الشراب الخفيف أثناء الوضوء.. دار الإفتاء توضح    مدبولي: الرئيس السيسي وجه بسرعة تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل في جميع المحافظات    مدبولي: توجيهات من الرئيس بإسراع الخطى في تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل    محافظ المنوفية يتفقد مركز خدمة عملاء مركز معلومات شبكات المرافق بقويسنا.. صور    رئيس جامعة سوهاج يلتقي الفريق الطبي المُنقذ للطفل «يوسف» ويشيد بجهودهم    كنز بطلمي يخرج من باطن الأرض محافظ بني سويف يتفقد أسرار معبد بطليموس الثاني بجبل النور بعد أكثر من عقد على اكتشافه    تأجيل اعادة إجراءات محاكمة متهم بخلية اللجان النوعية بالمرج    جامعة قناة السويس تكرّم قياداتها الإدارية بمناسبة التجديد    مصر تواصل تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة إلى قطاع غزة    غرف دردشة الألعاب الإلكترونية.. بين التفاعل الرقمي وحماية الأطفال    الأزهر يشارك في احتفالية اليوم العالمي للغة العربية بجناح وورش للخط العربي وجولة لطلابه بمتحف الحضارة    اتحاد المهن الطبية: 30 ديسمبر آخر موعد للاشتراك في مشروع العلاج    وكيل الأزهر يحذِّر من الفراغ التربوي: إذا لم يُملأ بالقيم ملأته الأفكار المنحرفة    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظتي الجيزة القاهرة    وزير قطاع الأعمال: نحرص على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي    جيفرى إبستين.. العدل الأمريكية تدافع عن النشر الجزئى وعودة صورة ترامب المحذوفة    البيت الأبيض يكشف عن الأموال التي حصلتها أمريكا من الرسوم الجمركية    وزير الثقافة ورئيس صندوق التنمية الحضرية يوقّعان بروتوكول تعاون لتنظيم فعاليات ثقافية وفنية بحديقة «تلال الفسطاط»    شعبة الملابس الجاهزة تكشف ارتفاع الصادرات بأكثر من 21% منذ بداية 2025    الهلال يخشى صحوة الشارقة في دوري أبطال آسيا النخبة    روائح رمضان تقترب    موعد مباراة بيراميدز ومسار في كأس مصر.. والقنوات الناقلة    بعد خصومة 6 سنين.. ساحة شيخ الأزهر بالأقصر تشهد جلسة صلح بين عائلتين.. مباشر    الداخلية تفتتح قسمًا جديدًا للجوازات داخل مول بالإسكندرية    فى ظل تعقد الموقف .. غموض مصير عبد القادر من البقاء مع الأهلي واللاعب يقترب من بيراميدز    نائب وزير الصحة والسكان يعقد اجتماعاً مع وفد رفيع المستوى من دولة ليبيا    أسعار السمك اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    مستشار رئيس وزراء العراق: تقدم ملحوظ فى ملف حصر السلاح بيد الدولة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    حصاد 2025 جامعة العاصمة.. 7 آلاف طالب وافد و60 منحة دراسية جديدة    ويتكوف: روسيا لا تزال ملتزمة تماما بتحقيق السلام فى أوكرانيا    «المهن التمثيلية» تكشف تطورات الحالة الصحية للفنان إدوارد    أستاذ بالأزهر يوضح فضائل شهر رجب ومكانته في ميزان الشرع    أمم إفريقيا – محمد الشناوي: هدفنا إسعاد 120 مليون مصري بكأس البطولة    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شرق النخيل.. كيف تحولت أحلام جيل الستينيات إلى كابوس؟
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 01 - 2025

فى عام 1967 ذاقت مصر مرارة الهزيمة التى تحولت إلى حزن خيم على وجوه المصريين وندبة فى قلوبهم، وكان لكل منا طريقة فى التعبير عن ذلك الحزن، فمنا من قرر عدم المواجهة والانعزال تمامًا عن الشأن العام وكأن لا شىء مما حدث أو يمكن أن يحدث يعنيه، حالة إنكار كما يسميها أطباء علم النفس الآن، ولكن بطبيعة شعبنا الذى يرفض الانصياع لمرارة الهزيمة كان هناك هجوم على من واجه الهزيمة بالإنكار ونعتهم بالضعف والتخاذل وأن لا فائدة مرجوة منهم، بل هم السبب الحقيقى الذى يحول بيننا وبين الخروج من دوامة الهزيمة، وما زاد الأمر سوء فى مفارقة غريبة، أن من اختار العزلة كان يعترف أن لا فائدة مرجوة منه بالفعل فلا يزيده الهجوم عليه سوى رغبة أكبر فى الاستسلام.
ولكن يظل السؤال: كيف عاش هؤلاء وسط ضجيج تلك المرحلة التى كان كل ما فيها يطالبهم بالمقاومة؟ وهل كانت النكسة هى هزيمتهم الوحيدة؟ أم أنهم أبناء هزائم صغرى كتلتها الحرب ووضعتها فى حجمها الحقيقى الذى لا يستطيعون مواجهته؟ فى رواية شرق النخيل أول الأعمال الروائية للكاتب الراحل بهاء طاهر التى كتبها عام 1985، ثم أعادت دار الشروق إصدارها عام 2009 وحتى الآن، يحاول طاهر أن يرصد تلك الحالة، ويقف على أسباب الهزيمة الاجتماعية والثقافية لا العسكرية التى لم يتطرق إليها من الأساس. تتشابك خيوط الرواية بين يدى بطل معلوم الهوية أو كما يعرف فى عالم الأدب بالراوى العليم الذى يحدد لك صوته ملامحه بدقة وكأنك تراه بالرغم من أنه لا يعرف خلال الأحداث باسم محدد، وهو ما فعله الكاتب أيضا كناية عن أن من عاشوا حياة البطل فى تلك المرحلة كثر، تتشابه ملامح حياتهم حد التطابق فما الفائدة من ذكر أسمائهم والتجربة ما زالت آثارها حاضرة وبقوة بل هى التى شكلت الحاضر والمستقبل أيضا. يستيقظ البطل فى أحد الصباحات على صخب خارجى لا يستطيع الهرب منه حتى فى نومه، فقد رحل أحد جيرانه والشارع بأكمله يقيم سرادق كبير، لا يعير البطل الأصوات أو الحدث أى اهتمام، ولكن ظلت أصوات السرادق على اختلافها حاضرة فى خلفية أغلب مشاهد الرواية، فلم يكن السرادق فى جوهره سوى تعبير عن حالة الحزن التى كان يعيشها وطن بأكمله فى كل منزل فقد شهيد أو لديه جندى لا يعرف مصيره، تسير الحياة اليومية بطبيعتها لكن الحزن يطل من الوجوه ويتسلل من بين الكلمات، كلمات الأغنيات والأفلام والأحاديث الجانبية التى لا تسفر سوى عن شجارات فالجميع يفتش عن شىء يفرغ فيه شحنة الحزن الغاضبة. يتجاهل الراوى صوت السرادق ليقع فريسة لصوت ذاكرته التى تعيده إلى القرية، إلى أهله، يتذكر والده الذى يرسل له خطابات لاذعة اللهجة تلومه على رسوبه الجامعى، يتذكر حكاية العم وابنه حسين، كان الأخير صديقه الحقيقى الأول والوحيد، الذى رحل هو ووالده فى يوم واحد دفاعا عن أرضهم التى أرادت أحد العائلات الاستيلاء عليها. حادثة مروعة أبعدته عن القرية وأهلها وأورثته شعور بالتخاذل فهو لم يستطع أن يساعدهم سوى باقتراح محاولة للتفاوض قد تنهى هذا الخلاف، ولكن حسين أصر على أن الحقوق لا تقبل التفاوض. وفى هذا الرفض القاطع يتجلى الفرق بين حسين وبعض الأصوات التى يعكسها الكاتب من خلال اقتراح البطل للتفاوض، فإذا خضع الحق للتفاوض لا يعنى ذلك سوى أنه تشكيك مباشر فى أحقيتك فيه، وأنك تقدم دليل آخر يؤيد كذبة من يعتدى عليك، ليصبح ظلمه يقين ثابت فى قلبه، فالمعتدى يعرف أنه معتدى مهما بدا عكس ذلك وكلما زادت المقاومة ازداد عنفه لأن الحقيقة تتضح جلية أمام عينيه تؤرقه وتنذره بأنه آجلا أم عاجلا خاسر، والتفاوض يساعده على تصديق كذبته. وبناء على ذلك رفض حسن ووالده هذا الحل فكانت نهايتهم التى شهدتها القرية بأكملها، النهاية المنطقية التى نشاهدها حتى الآن يوميا على شاشات التلفاز كمصير حتمى لأصحاب الحقوق. لكن فى ذلك الزمن وبالنسبة للبطل فقد وضعنا حسين هو وأمثاله ممن يدافعون عن أرضهم ومبادئهم بحياتهم فى مأزق حين أدرك البطل أن لا مفر من اشتباك لاسترداد الحق والأخذ بالثأر العالق فى رقبته، ولكن كيف يمكنه أن يفعل ذلك وقد ترك كل شىء وهرب من البداية؟ فحين ينظر إلى نفسه من زاوية ما حدث فى القرية يدرك أنه تخاذل وحين ينظر من زاوية النكسة يشعر بهزيمة أكبر منه، هزيمة جيل بأكمله. ومن ذكريات القرية يهرب إلى صخب الجامعة ومظاهرات الطلبة من أصدقائه الذين يمرون عليه ويقذفونه بنظرات ازدراء وسخرية فلا يعيرها أى اهتمام وكأن العالم أصبح ضده عدا سمير وليلى. سمير رفيق الجامعة والسكن، واحد ممن فجرت فيهم الهزيمة طاقة للتفاعل مع الأحداث ومحاولة تصحيح الأوضاع حتى وإن لم تكن فى يده فيكفيه أن يصرخ برغبته بالكتابة والخروج فى المظاهرات، كما كان مثال لمن ترك قرية عاش فيها عالم محدود إلى عالم أوسع، فلم يخرج من القرية خروج المنبهر بالمدينة، بل كان رحيله عنها فرصة للمعرفة والانفتاح على كل القضايا الإنسانية فى العالم. أما ليلى فهى فتاة جامعية بسيطة جمعت بينها وبين البطل قصة حب حولتها إلى شخص آخر، من فتاة ينتظرها مستقبل مضمون فى وظيفة مناسبة وحياة اجتماعية هادئة إلى فتاة شغوفة بالقراءة والمشاركة فى العمل العام خاصة بعد الحرب، ولكن ليلى فى جوهرها وموضعها الروائى كانت نموذجًا لمن تفتحت عقولهم على يد بطل الأحداث ثم جاءت الهزيمة لينزوى ويشعر بالذنب تجاه ليلى، نعم فقد تحول إلى مجرم فى حقها حين أيقظها من نعيم الجهل يمنيها بأحلام عظيمة ثم جاءت النكسة، هكذا كان يرى دوره فى حياتها، ولكن ولسخرية القدر ظلت ليلى على إيمانها بالحلم، إيمان يعمق شعوره بالخيبة، ولكن ألا تعد صحوتها وشعلة الحياة فيها هى الأمل الذى بفضله صمد هذا الجيل.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.