كان القس منسى يوحنا (1899 1930م)، راعيا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمدينة ملوى، والتى كانت تتبع مديرية أسيوط بصعيد مصر ثم انتقلت إدارتها إلى مديرية المنيا. وقد عرف القس منسى بأنه كان كاتبا متميزا وخطيبا بارعا وواعظا مقتدرا، مثقفا على درجة كبيرة من الوعى، يؤمن بوحدة المصريين من أقباط ومسلمين، وكثيرا ما كان يدعو إلى الاتحاد بينهم والإخاء والجهاد فى سبيل سعادة الوطن الذى يضمهم جميعا. جاء عنه فى (موسوعة القس منسى يوحنا، الجزء الأول: سيرته) والصادر عن مطرانية ملوى فى سنة 2005، أن حزب الوفد، والذى كان يقود الحركة الوطنية المصرية ويمثلها بعد ثورة 1919، أنه كان يعقد المؤتمرات واللقاءات فى أقاليم مصر يحضرها أقطاب الوفد من السياسيين الكبار، وفى مؤتمر للوفد بمدينة ملوى كان يحضره المجاهد الوطنى الكبير مكرم عبيد، وتقرر أن يقوم أحد الأقباط ليتكلم نيابة عن المسيحيين، فوقف القس منسى يوحنا ليتكلم، فتضايق مكرم عبيد عندما رأى القس منسى يقوم ليخطب اعتقادا منه أن القس لن يتكلم جيدا، ولكن ما إن بدأ القس خطابه حتى أذهل الحاضرين وقوبل خطابه بالتصفيق الحاد لدرجة أنه من فصاحة الخطاب وبلاغة الكلام وقف مكرم عبيد وهو معجب جدا به، واحتضنه قائلا «لقد رفعت اليوم رأسنا». وكان القس منسى محبوبا من الجميع، ومقدرا عندهم، فعندما كان يلقى التحية على أحد أو على مجموعة فإنهم كانوا يهمون واقفين احتراما وإجلالا له سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين. أصدر القس منسى يوحنا، والذى درس بالمدرسة الإكليريكية بالقاهرة وكان متفوقا بين زملائه، العديد من المؤلفات المتميزة فى موضوعاتها وغزارة مادتها، فى تفسير الكتاب المقدس والعقيدة واللاهوت والتأملات الروحية والتاريخ. ولعل من بين أشهر وأبرز تلك المؤلفات التى ألفها كتابه المعنون (تاريخ الكنيسة القبطية)، والذى يعتمد عليه الكثير من الباحثين، مع مراجع أخرى، فى دراستهم لتاريخ الكنيسة المصرية منذ نشأتها فى أواسط القرن الأول الميلادى وحتى بدايات القرن العشرين، وهو يقول فى مقدمته موجها كلامه للقراء الأقباط «فى هذا الكتاب نقف على تاريخ آبائك الأبطال وأجدادك العظماء الذين تمسكوا بالمسيحية ودافعوا عنها دفاعا مجيدا رفع شأنها وعظم اسمها وخلد لهم ذكرا حسنا انتشر أريجه وذاع فى الأنام خبره. فلك أن تقارن بين غيرتهم الوقادة على حفظ كرامة دينهم وبين فتورك المتناهى فى أمر ذلك الدين. وبين سعيهم المتواصل لوضع كنيستهم فى الشأو الأعلى وبين تأخرك المعيب فى هذا الميدان. فلعلك تتخذ من ذلك درسا يحملك على التعهد بالسير فى السبيل الذى يمكنك من استعادة ذلك المجد الغابر». وقد اتبع القس منسى يوحنا منهجا متميزا فى كتابه هذا حيث قسم كل فصل/ قرن إلى: تاريخ البطاركة مشاهير الكنيسة المملكة والكنيسة البدع والانشقاقات. كما أصدر القس منسى يوحنا مجلة (الفردوس)، مجلة دينية أدبية تاريخية، صدر عددها الأول فى شهر أبريل من سنة 1926، شهرية وسنتها عشرة أشهر، أى أنها كانت تصدر عشر مرات فى السنة، صدر العدد الأول منها وهو محلى بصورة «غبطة سيدنا البطريرك المعظم الأنبا كيرلس الخامس»، وصورة «نيافة الحبر الجليل أنبا توماس مطران كرسى المنيا والأشمونين». وكانت تطبع بمطبعة رعمسيس بالقاهرة. فى افتتاحية المجلة والتى جاءت تحت عنوان «مقدمة: الحمد لله على كل شىء»، كتب صاحبها يوضح الغرض من إصدار مجلته حيث قال إن «خدمة كنيستنا المجيدة من أجل أغراضنا وأسمى أمانينا. فلا نكاد نشعر مع ضعفنا وعجزنا بأن الواجب يدعونا أن نقدم أى خدمة لهذه الكنيسة التى أهدتنا نعمة الإيمان حتى نتقدم بها ملتمسين من روح الله القدوس أن يستخدمها لمجد اسمه تعالى وخلاص النفوس وبنيانها. لهذا بنعمة الله وطدنا العزم لننشئ مجلة تشترك مع باقى المجلات القبطية فى هذه الخدمة الشريفة». وتنوعت أقسام المجلة ما بين القسم الوعظى والقسم التفسيرى والقسم التاريخى والقسم الأدبى وباب للمتفرقات. وقد استمرت مجلة (الفردوس) فى الصدور إلى سنة 1930م، حيث توقفت فى هذه السنة بوفاة صاحبها القس منسى يوحنا الذى انتقل إلى السماء فى 17 مايو 1930م، عن عمر يناهز نحو 31 سنة، تاركا خلفه الكثير من المؤلفات القيمة والمقالات المتميزة. وكان لخبر وفاته صدى كبير عند محبيه، وجاء فى قصة حياته أن المواطنين المسلمين كانوا يتسابقون على حمل نعشه ويقولون لإخوتهم من المواطنين المسيحيين «دعونا نقوم بواجب الوفاء له فقد أخلص فى حياته الود لنا بمثل ما أخلص لكم، وخدمنا كما خدمكم، وليس حزننا عليه أخف من حزنكم». فقد تمتع بمحبة الجميع من حوله.