تنسيق الجامعات.. كل ما تريد معرفته عن برنامج المعلوماتية الطبية بجامعة حلوان    «التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع 3 جمعيات في القليوبية وكفر الشيخ    النائب أحمد فرغلي يعلن رفضه لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2025/2026    وزير الإسكان: ملتزمون بتذليل العقبات أمام المطورين والمستثمرين    الوكالة الدولية للطاقة الذرية:التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل يؤخر العمل نحو حل دبلوماسي    حقيقة استبعاد محمود تريزيجيه من مباراة بالميراس البرازيلي    «الداخلية» تقرر السماح ل42 مواطنًا مصريًا بالحصول على جنسيات أجنبية    أرق الصيف.. كيف تحمي نفسك منه؟    رئيس «النواب» ينتقد تغيب وزيري المالية والتخطيط خلال مناقشة الموازنة: لا نقبل الأعذار    المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: قطع الاحتلال للاتصالات والإنترنت جريمة مدروسة ومقصودة لعزل القطاع    رئيس مجلس النواب يضع مجموعة قواعد لمناقشة مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية    ميدو: الأهلي أضاع فرصة التأهل.. وزيزو غير جاهز بدنيًا    شوبير يكشف سبب تبديل زيزو أمام إنتر ميامي وحقيقة غضبه من التغيير    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    محافظ سوهاج يدعو المواطنين للإبلاغ عن وقائع الغش في امتحانات الثانوية العامة بالأدلة    اليوم.. محاكمة 29 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية فى المقطم    في أول زيارة لماسبيرو.. "المسلماني" يستقبل هدى نجيب محفوظ قبل افتتاح استديو نجيب محفوظ    بعد أزمة تواجدها في العراق.. إلهام شاهين: أخيرا هنرجع مصر    قصر ثقافة أبو سمبل يشهد انطلاق برنامج "مصر جميلة" لاكتشاف ودعم الموهوبين    وزير الزراعة يفتتح ورشة العمل الأولى لتنفيذ استراتيجية إعلان كمبالا للبحث والتطوير الزراعي في أفريقيا    الصحة: إصدار 19.9 مليون قرار علاج مميكن من الهيئة العامة للتأمين الصحي خلال عام    صحة الشرقية تطلق قافلة طبية بالمجان لأهالي العزازية ضمن المبادرات الرئاسية    وزير التعليم العالى: بنك المعرفة المصري تحول إلى منصة إقليمية رائدة    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    الإعدام شنقا لجامع خردة قتل طفلة وسرق قرطها الذهبى فى العاشر من رمضان    الدخول ب 5 جنيهات.. 65 شاطئًا بالإسكندرية في خدمة المصطافين    السيسي لا ينسي أبناء مصر الأوفياء.. أخر مستجدات تكريم الشهداء والمصابين وأسرهم    انخفاض الطماطم.. أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    خلافات زوجية في الحلقة الثالثة من «فات الميعاد»    شام الذهبي تطمئن الجمهور على نجل تامر حسني: «عريس بنتي المستقبلي وربنا يشفيه»    حكم الصرف من أموال الزكاة والصدقات على مرضى الجذام؟.. دار الإفتاء تجيب    معلق مباراة الأهلي: الحماس سبب تريند «تعبتني يا حسين».. والأحمر كان الأفضل (خاص)    أسعار النفط تقفز وسط تصاعد المخاوف من تعطل الإمدادات    مستقبل صناعة العقار في فيلم تسجيلي بمؤتمر أخبار اليوم    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    موريتانيا.. مظاهرات منددة بالعدوان الإسرائيلي على إيران وغزة    الاثنين 16 يونيو 2025.. البورصة المصرية تعاود الارتفاع في بداية التعاملات بعد خسائر أمس    مستشار الرئيس للصحة: مصر سوق كبيرة للاستثمار في الصحة مع وجود 110 ملايين مواطن وسياحة علاجية    ترامب يصل إلى كندا لحضور قمة مجموعة السبع على خلفية توترات تجارية وسياسية    استكمالا لسلسلة في الوقاية حماية.. طب قصر العيني تواصل ترسيخ ثقافة الوعي بين طلابها    حالة الطقس اليوم في الكويت    أحمد فؤاد هنو: عرض «كارمن» يُجسّد حيوية المسرح المصري ويُبرز الطاقات الإبداعية للشباب    الرئيس الإيراني: الوحدة الداخلية مهمة أكثر من أي وقت مضى.. ولن نتخلى عن برنامجنا النووي السلمي    إيران تنفذ حكم الإعدام فى مدان بالتجسس لصالح إسرائيل    انتصار تاريخي.. السعودية تهزم هايتي في افتتاحية مشوارها بالكأس الذهبية    تضرر شبكة الكهرباء فى وسط إسرائيل بسبب الضربات الإيرانية    مدرب بالميراس يتوعد الأهلي قبل مواجهته في مونديال الأندية    "عايزة أتجوز" لا يزال يلاحقها.. هند صبري تشارك جمهورها لحظاتها ويكرمها مهرجان بيروت    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    كريم رمزي يكشف تفاصيل جديدة عن توقيع عقوبة على تريزيجيه    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    إيران تعلن اعتقال عنصرين تابعين للموساد الإسرائيلى جنوب طهران    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نكبة ممتدة وهدية ميلاد
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 05 - 2010

تكمل إسرائيل بعد أيام قليلة العام الثانى والستين من عمرها. أطلق الفلسطينيون والعرب آنذاك على التطورات التى انتهت بإعلان نشأة دولة إسرائيل فى 15 مايو 1948 على معظم الأراضى الفلسطينية وصف «النكبة». لكن «النكبة» قد امتدت معنا إلى يومنا هذا،
وأخشى أن أقول إن وضعنا الاستراتيجى بات أسوأ مما كان عليه فى عام «النكبة» الأولى، فعلى الأقل لم تكن القوة الإسرائيلية قد تبلورت على نحو ما هى عليه الآن، ولا كانت مصادر دعمها الخارجى قد رسخت وتعددت وانسحقت أمام الإرادة الصهيونية كما هو الحال الآن.
لا يقلقنا بلوغ إسرائيل سن الثانية والستين فى حد ذاته، فمن المنظور التاريخى لا تعدو هذه العقود أن تكون سوى لحظة فى تاريخ البشرية، وقد دامت تجارب استيطانية فى الوطن العربى والقارة الأفريقية قرونا، وإن كنا يجب أن نقلق لأن إسرائيل الآن هى المفارقة التاريخية الوحيدة أو الاستثناء التاريخى الوحيد فى عالم اليوم للاستعمار الاستيطانى.
لكن أخطر مصادر القلق الفلسطينى والعربى يجب أن ينبع من الوضع الاستراتيجى بالغ السوء الذى وضع الفلسطينيون والعرب أنفسهم فيه دون أن يهتموا ببلورة خيارات محددة تسمح لهم بالتحرك إلى الأمام.
يتمثل هذا الوضع الاستراتيجى بالغ السوء لكل من الفلسطينيين والعرب فى ميزان القوى شديد الاختلال بينهم وبين إسرائيل، وهو ميزان قوى لا يمكن على هذا النحو أن يفضى إلى تسوية متكافئة ناهيك عن أن تكون عادلة بين الفلسطينيين والعرب من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى، ويعنى هذا أن الحديث عن تسوية قادمة محتملة لابد وأن يتلازم مع وصفها بأنها سوف تكون مذلة للفلسطينيين والعرب طالما أنها تتم فى إطار ميزان قوى شديد الاختلال بينهم وبين إسرائيل.
ولذلك فإن نقطة البداية فى التحرك إلى الأمام ينبغى أن تتمثل أولا فى العمل على تصحيح هذا الاختلال الشديد، ولتحقيق هذا الهدف وسائله المتعددة كالمقاومة المسلحة التى يجفل البعض منها أو يزدريها أو يصاب عند سماعها بما يشبه أمراض الحساسية التى تصيب جلد الإنسان، ولعل هذه الاتجاهات إزاء المقاومة المسلحة مردها أن الدول والقوى الرافضة لها سوف تجد نفسها فى موقف شديد الإحراج نظرا لقعودها عن دعم مقاومة تحظى بتأييد الرأى العام العربى ومساندته، كما قد يرجع السبب إلى أن البعض قد آثر حياة الوداعة والسكينة حتى بات يرتجف من فكرة عودة «الحروب الإقليمية» التى تهدد أمنه ورفاهيته، مع أن حياة الوداعة والسكينة هذه لم تحفظ أمنا، ولا هى حققت رفاهية اقتصادية، وأخيرا وليس آخرا قد يكمن السبب فى روابط دولية تحول دون أن يتجاسر ذلك البعض على تأييد المقاومة.
غير أن تصحيح الخلل فى موازين القوى ليس دالة فى المقاومة المسلحة وحدها، وإن كانت دون شك آلية أساسية من آلياته، فهناك العصيان المدنى الذى لعب على سبيل المثال دورا أساسيا فى تصفية النظام العنصرى فى جنوب أفريقيا، بل إن المقاومة السلمية المطلقة قد مكنت غاندى من تحرير الهند من الاستعمار، ويمكن أيضا فى هذا السياق أن نشير إلى آليات الضغط الدبلوماسى والملاحقة القانونية والحملات الإعلامية، لكن المشكلة أن أعداء المقاومة المسلحة هم فى حقيقة الأمر حتى وإن باللا وعى أعداء مقاومة الاستعمار والاحتلال بصفة عامة، ولذلك فهم لا يجدون فى أنفسهم حاجة إلى التفكير فى بدائل جديدة للحركة.
لذلك فإن المشكلة الحقيقية أن أحدا لا يفكر فى أى شكل من أشكال المقاومة أصلا، بل إن المقاومة الفلسطينية صاحبة المصلحة الأولى فى تصحيح الخلل غائبة عن الساحة، ويعود انتقال المقاومة الفلسطينية من حالة الحضور فى منتصف ستينيات القرن الماضى وإلى وقت قريب إلى حالة الغياب فى الوقت الراهن إلى قصة مؤلمة ومحبطة جوهرها استدراج النضال الفلسطينى إلى شرك «السلطة فى ظل الاحتلال» الذى ابتلعته فصائل المقاومة الفلسطينية الرئيسية الواحدة تلو الأخرى منذ اتفاقية أوسلو 1993 وحتى الآن.
ففى إطار فكرة «السلطة الفلسطينية الوطنية فى ظل الاحتلال» خرجت «فتح» كبرى حركات المقاومة الفلسطينية من حالة المقاومة إلى حالة أخرى من «التكيف» مع الوضع الراهن والعمل على الاستفادة منه إلى أقصى حد. هكذا تحول رجال المقاومة إلى قوة شرطة تحفظ الأمن والنظام داخل الأراضى الفلسطينية التى تحتلها إسرائيل، مع قدر عال من التنسيق الأمنى معها. وهو تحول يجعل من مرحلة أوسلو مرحلة من مراحل تطور استعمار فلسطين وليس تحريرها، ومن لديه شك فى هذا فليقارن هذه التطورات بمثيلتها فى الخبرة الاستعمارية البريطانية فى جنوب اليمن.
ظلت «حماس» فى أعقاب أوسلو وما أفضت إليه على النحو السابق ترفع شعار المقاومة وتمارسه، ثم قررت أن تبنى «نموذجها الإسلامى» الخاص، مع أن هذا النموذج لا يمكن أن يستند إلى ركائز حقيقية إلا إذا كان أساسه النجاح فى إنجاز المهمة الوطنية الجامعة، وعليه قررت «حماس» المشاركة فى انتخابات المجلس التشريعى لعام 2006، وفازت بالأغلبية فيها، فأصبح من حقها تشكيل الحكومة، وفقدت بذلك كما حدث لفتح قبلها الميزة الأساسية لحركات التحرر الوطنى، وهى ميزة الكر والفر، والاحتماء بالشعب وليس بمقار حكومة معروف أن إسرائيل تستطيع أن تنسفها نسفا، وهو ما قامت به بالفعل فى عدوانها على غزة أواخر 2008 وأوائل 2009.
ثم وقعت الطامة الكبرى وانقلب الخلاف فى الرؤى بين فتح وحماس إلى صدام مسلح فى 2007 ترتب عليه انقسام ما بقى من فتات أرض فلسطين بين الحركتين، فانفردت «حماس» بالحكم فى غزة، وانفردت فتح بالسلطة الوطنية فى الضفة الغربية. ليست ظاهرة الخلاف بين فصائل التحرر الوطنى بغريبة،
وتكاد حركة تحرر وطنى واحدة ألا تكون قد أفلتت من زلل الانقسام بين فصائلها، ووصل بعضها فى هذا الصدد إلى حالة مزرية من استنزاف القوى، لكننى أزعم أن ما حدث فى غزة وأدى إلى الانقسام الراهن بين فتح وحماس يمثل الحالة الأولى من نوعها فى حركات التحرر الوطنى العربية المعاصرة. ولا يخفى بطبيعة الحال المردود الاستراتيجى السلبى لهذا التطور على النضال الفلسطينى من أجل استخلاص حقوق الشعب الفلسطينى.
فى ظل التطورات السابقة غابت «المقاومة» عن الساحة تماما، فقيادة فتح مكبلة بالتزاماتها التعاقدية مع إسرائيل، وهى صاحبة نظرية فاوض وافشل ثم فاوض وافشل ثم فاوض وافشل، على النحو الذى يذكرنا بالنجم الكوميدى الراحل محمد عوض فى دور الصحفى فى مسرحية «أصل وصورة» عندما أخفق فى أن يقابل المهراجا الهندى فأخذ يختلق حديثا أجراه معه تخللته عبارات مثل «وظل يفكر ويفكر ثم ظل يفكر ويفكر حتى نام وهو يفكر......» إلى آخر هذا الحوار الذى أضحكنا كثيرا فى حينه لكن محاكاته فى السياسة الآن لابد وأن تصيبنا برعب هائل من المستقبل الفلسطينى والعربى إن ظل محكوما بهذه الرؤية التى تجعل المفاوضات أيديولوجية فى حد ذاتها كما يقول الدكتور عبدالستار قاسم أستاذ الفكر السياسى بجامعة القدس.
أما «حماس» فما زالت ترفع شعار المقاومة نظريا، لكنها عمليا مشغولة بمواجهة تحديات الحصار الجائر على غزة، وتدبير رواتب الموظفين (هل سمع أحد عن مشكلة كهذه فى أى حركة تحرر وطنى أخرى؟)، وهى مسكونة فيما يبدو بفكرة بناء نموذج إسلامى ناجح يمكن أن يشع على المنطقة، أو على الأقل ينتظر حدوث تطورات مواتية فى هذه الدولة أو تلك من دول المنطقة على النحو الذى يساعد على تخليق ميزان جديد للقوى، وهو تفكير مشروع، لكن مشكلته الأولى أنه غير محدد لأن ما تحلم به حماس قد يحدث أو قد لا يحدث أبدا، وقد يحدث بعد مدة تكون إسرائيل قد أنجزت فيها من الخطط ما يعقد مهمة حركة التحرر الفلسطينية أكثر بكثير مما هى عليه الآن.
أما الفصائل الأساسية الأخرى فى النضال الفلسطينى فهى رافضة لما يحدث وبأشد الألفاظ، لكن مشكلتها أنها لا تقدم خيارا عمليا، وأنها عودتنا أن تقبل لاحقا بالأمر الواقع وتشارك فيه. وأما الرأى العام الفلسطينى فيحتاج دراسة موضوعية خاصة، وثمة شهادات وتقارير تشير إلى أن وطأة المعاناة قد تجعل ابن غزة يحلم بمجرد أن يرمم بيته الذى أصيب فى العدوان والعودة إليه، أو حتى يحلم بالحصول على اسطوانة غاز، كذلك فإن المعاناة نفسها قد تجعل ابن الضفة يرضى بأقل تحسن فى حياته اليومية، والسؤال بطبيعة الحال يثور حول موقع القضية الكبرى من اهتماماته فى ظل ظروف كهذه.
ويضاف إلى ما سبق أن تلك الفكرة الجهنمية القاضية بتأسيس سلطة وطنية فى ظل الاحتلال قد باعدت أغلب الظن بين الشعب الفلسطينى وقياداته، لأن الغضب الناجم عن مصاعب الحياة اليومية يتجه إلى «السلطة الفلسطينية» أيا كانت وليس إلى «الاحتلال» الذى هو السبب فى كل مصائب الفلسطينيين.
هكذا تقلص النضال الوطنى الفلسطينى بحيث بات يقتصر على مجموعات من الشرفاء تخرج ظهر كل يوم جمعة مع مسانديها من النشطاء الأجانب تعلن رفضها الاحتلال وممارساته فى هذه القرية الفلسطينية أو تلك، غير أن هذه المجموعات التى ينحنى المرء أمامها احتراما وإجلالا ليس بمقدورها أن تحمل على عاتقها مسئولية تصحيح الخلل فى ميزان القوى.
ثم يأتى دور الأطراف العربية التى أعلنت منذ سنوات (وبالتحديد فى المجلس الوزارى فى يوليو 2006 الذى انعقد بمناسبة العدوان الإسرائيلى على لبنان) أن عملية السلام قد ماتت، وهذا شىء طيب، لكن الخيارات العربية ما زالت تنحصر فى مجلس الأمن الذى لا يمكن أن يحقق للفلسطينيين والعرب ما تقاعسوا هم عن تحقيقه، ومؤخرا أظهرت تلك الأطراف «تشددا» حين أعطت المفاوضات غير المباشرة التى يفترض أنها تجرى الآن بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بوساطة أمريكية مهلة أربعة أشهر فقط كى تحقق أهدافها،
وهو تشدد فى غير موضعه، لأن قضايا الصراع أعقد بكثير من أن تحل فى أربع سنوات وليس أربعة شهور، غير أن الأهم هو أن العرب لا يملكون بعد مهلة الأربعة شهور سوى العودة مجددا إلى مجلس الأمن فى تلك الحلقة المفرغة الخبيثة. وهكذا يعانى الفلسطينيون عمليا لا من انقسام صفوفهم فحسب وإنما من عدم وجود ظهير عربى قوى وفعال لهم.
فى تجارب التحرر الوطنى كانت هناك مراحل عظيمة للمقاومة الشعبية ضد الاحتلال فى بدايته، لكن الاحتلال تمكن لاحقا من إجهاضها وإدامة احتلاله إلى أن تفجرت بعد حين حركة مقاومة لاحقة استفادت من الدروس السابقة للنضال ضد الاستعمار، وثابرت حتى أنجزت هدفها وحققت الاستقلال لشعبها.
ولا يريد المرء أن يتصور أنه بعد كل هذه المعاناة التى صادفها الشعب الفلسطينى، والأداء البطولى لمقاومته منذ منتصف ستينيات القرن الماضى، والمساندة العربية لهذه المقاومة من حين لآخر أن ينتهى المآل بالنضال الفلسطينى إلى أن يكون مرحلة أولية مجهضة يعقبها سبات قد يكون طويلا إلى أن تجد قوى النضال الشريفة فى الشعب الفلسطينى طريقها الصحيح إلى إنجاز مهمة التحرر الوطنى من واحدة من أشرس تجارب الاستعمار الاستيطانى فى التاريخ الإنسانى. أترى يكون هذا السيناريو المخيف هديتنا الكبرى إلى إسرائيل فى ذكرى ميلادها الثانية والستين؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.