مر 25 عاما على موافقة مجلس مدينة نيويورك للموازنة واستخدام الأراضى، برئاسة العمدة إدوارد كوش، على تقليل الحاجة إلى مقالب القمامة عن طريق توفير مرافق لحرقها واستخدامها كطاقة. وفى الوقت نفسه، اتخذت المدينة الخطوات الأولى فى برنامج لإعادة تدويرها. ومنذ ذلك الحين، ترتفع تكاليف التخلص من القمامة بمعدل أكبر من معدل التضخم، بل أصبحت الحاجة إلى سبل أفضل للتخلص من الفضلات أكثر إلحاحا. وقد تحول برنامج إعادة التدوير الوليد إلى النظام الفعال الذى تعرفه المدينة اليوم، لكن لم تقم أبدا محطات لتحويل النفايات إلى طاقة. وبدلا من هذا، قام العمدة رودلف جيوليانى، فى عام 2001، بإغلاق آخر مقلب للقمامة، ومنذ ذلك الحين ترسل المدينة كل رطل من القمامة التى لم يعاد تدويرها وتجمعها البلدية إلى مقالب خارج المدينة تذهب 15 % منها إلى محطة لتحويل النفايات إلى طاقة فى نيوآرك، لكن معظم الكمية ترسل إلى مناطق تجميع فى بنسلفانيا الغربية، وأوهايو الشرقية، وفيرجينيا وساوث كارولينا. وفى هذه الأماكن، تشغل قمامة نيويورك مساحة تقدر ب140 هكتارا سنويا. وينتج عن تحلل قمامة مدينة نيويورك إطلاق نحو 1.2 مليون طن مترى سنويا من غاز ثانى أكسيد الكربون وأشباهه غاز الميثان بالأساس إلى الغلاف الجوى. والأهم هو أن الوقود اللازم لسحب 11 ألف طن من النفايات لمسافة مئات الأميال لستة أيام فى الأسبوع تخلف 55 ألف طن إضافى من الانبعاثات الحرارية سنويا. وإذا أضفنا المخلفات التجارية التى تجمعها عربات النقل الخاصة إلى المجموع، فإن نقل قمامة مدينة نيويورك إلى المقالب يستهلك من الوقود سنويا نصف ما يستهلكه أسطول سيارات التاكسى فى المدينة الذى يعمل على مدار 24 ساعة يوميا. ويصل إجمالى الانبعاثات السنوية الناتجة عن نقل النفايات إلى المقالب إلى نصف ما تطلقه كون أديسون لإنتاج الكهرباء اللازمة للمدينة. ومنذ أن بدأت نيويورك فى تصدير نفاياتها، زادت ميزانية الصرف الصحى بأكثر من الضعف، من أقل من 600 مليون دولار فى 1997 إلى 1.3 مليار دولار فى ميزانية العام الحالى. وخلال الأعوام السبعة الماضية، تجاوزت تكاليف عقود القمامة 90 مليونا، ما يعادل أجور رجال الإطفاء أو الممرضات أو المدرسين ممن يعملون وقتا كاملا. فما الذى علينا عمله إذن؟ بداية، على نيويورك أن تحاول تقليل كمية النفايات التى يخلفها مواطنوها عن طريق فرض رسوم، مثلا، على جمع القمامة، على ألا يسرى هذا على نواتج إعادة التدوير. ومن الممكن إعادة تدوير كثير مما يتبقى أو تحويله إلى سماد؛ إنها أقل الوسائل تكلفة لمعالجة النفايات وأكثرها محافظة على البيئة. لكنها لا يمكنها أن تتصرف فى كل ما يلقى به الناس. وتدعو خطة المدينة للتصرف فى النفايات الصلبة إلى نقل بقية النفايات بالقطار بدلا من عربات النقل. لكن فى حين تستهلك القطارات ثلث ما تستهلكه السيارات من وقود، وتبعث بثلث كمية الانبعاثات التى تنبعث من السيارات، فهى تستهلك بالرغم من ذلك 3.5 مليون جالون من وقود الديزل، وتبعث 50 ألف طن من الغازات الدفيئة وتكلف ملايين الدولارات وكل هذا من أجل إبعاد قمامة نيويورك خلال العام. ومن الممكن أن نتصرف فى الأمر بطريقة أفضل. إذ يجب معالجة ما يحتاج إلى معالجة من قمامة نيويورك فى محطات لتحويل القمامة إلى طاقة التى لا يقتصر عملها على إنتاج الطاقة بل وكذلك توفيرها بأسعار أرخص وبطريقة أقل تلويثا للبيئة من المقالب. (عقد المدينة مع نيوآرك هو الأقل كلفة من بين كل أعمال التخلص من القمامة، ويسبب واحدا على 45 من انبعاثات غازات الصوبة الزجاجية المنبعثة من نفايات المقالب). وإذا ما أرسلت كل النفايات غير المدورة إلى محطات محلية لتحويلها إلى طاقة بدلا من المقالب البعيدة، فستوفر المدينة وقود الديزل وتولد من الطاقة ما يكفى لاستهلاك 145 ألف منزل وتتفادى بذلك إهدار نحو ثلاثة ملايين برميل من النفط لتوليد الكهرباء. ويعود تعثر التحرك باتجاه التخطيط لاستخدام النفايات فى توليد الطاقة إلى غياب الإرادة السياسية. لكن العمدة مايكل بلومبرج، فى مدة عموديته الأخيرة ومع تحرره من القيود الانتخابية، أمامه الفرصة لوضع خطط جديدة لإقامة نظام دائم للتصرف فى النفايات قابل للاستمرار لعقود من الزمان. وحيث إنه من غير الممكن إقامة كل المحطات فى وقت واحد، يمكن أن تجمع الخطة بين كل من التقنيات الراسخة وتلك التى بدأت تظهر للتو. وأكثر محطات تحويل النفايات إلى وقود انتشارا وحدات الحرق الصغيرة، ومولدات الكهرباء البخارية التى تستخدم النفايات كوقود (بدلا من الغاز أو النفط أو الفحم) عادة ما تكون كبيرة الحجم نسبيا. والأنواع الجديدة من المحطات كتلك التى تعالج النفايات بالبلازما الساخنة لإنتاج غاز وقود اصطناعى، أو تلك التى تستخدم التحلل اللاهوائى لإنتاج الميثان يمكن إقامتها على مساحات صغيرة. وقبل أكثر من عقد مضى، تعهد عدد من بلدان الاتحاد الأوروبى بالتوقف عن دفن أى شىء باستثناء المواد الخاملة (كالزجاج المكسور وأنقاض البناء) التى يصعب إعادة تدويرها، أو تحللها، أو حرقها. وبالتحرك فورا لاتخاذ خطوات لإنجاز الهدف نفسه، يمكن لنيويورك تقليل مقالب قمامتها المكلفة بنسبة 90 % أو أكثر. وهذه هى الطريقة المسئولة الوحيدة لكى تتخلص المدينة من نفاياتها. عمل نورمان ستايسل مفوضا للصرف الصحى لمدينة نيويورك فى الفترة من 1978 1986. وبنيامين ميلر هو مؤلف «مصير الأرض: قمامة نيويورك، خلال الأعوام المائتين الماضية»، وعمل مديرا لشئون التخطيط بإدارة الصرف الصحى فى الفترة من 1989 1992. New York Times Syndcation