الدكتور محسن صالح عميدا لكلية الآثار لمدة ثلاث سنوات    وكيل الأزهر: القضية الفلسطينية يجب أن تشغل موقعًا مهمًا في نفوس الشباب    مواعيد امتحانات الفصل الدراسي الثاني للمرحلة الإبتدائية بكفر الشيخ    مجلس مدينة الحسنة يواصل إزالة الآثار الناجمة عن السيول بوسط سيناء    مكافحة العدوى الطفيلية ب«طب القصر العيني»    محافظ قنا يضع حجر الأساس لمحطة مياه الكلاحين بقفط    تطوير منطقة الكيت كات أبرزها.. تفاصيل لقاء محافظ الجيزة رئيسَ "التنمية الحضرية"    السيسي يؤكد ضرورة التركيز على زيادة احتياطي النقد الأجنبي وخفض مديونية الموازنة    «فتحي»: «السياحة» تواكب التطورات التكنولوجية في المواقع الأثرية والترويج للمنتجات    عاجل- الرئيس السيسي يجتمع مع رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي ووزير المالية    وزير الخارجية: كل ما يتردد عن توسيع العدوان الإسرائيلي على غزة مرفوض تماماً    الرئيس اللبناني يتسلم دعوة من نظيره الفرنسي للمشاركة في قمة نيس    القوات الروسية تستهدف نقطة تمركز مؤقتة للجيش الأوكراني بصواريخ موجهة    نتنياهو: تابعت الهجوم على الحوثيين من مقر سلاح الجو وسنواصل العمل ضدهم    باكستان: استخدام الهند اتفاقية نهر السند كورقة ضغط غير مقبول    اتصال هاتفى لوزير الخارجية والهجرة مع المفوض الأوروبي للاقتصاد    الزمالك يستقر على توجيه الشكر ل عبدالواحد السيد مدير الكرة    الزمالك: نعمل على سداد مستحقات بوطيب وباتشيكو لحل أزمة القيد    في ذكرى وفاته ال23.. المايسترو صالح سليم حاضر في قلوب الأهلاوية وإرثه يلهم الأجيال    الأرصاد تكشف موعد ذروة ارتفاع درجات الحرارة    ضبط 12 طن مصنعات وأجزاء دواجن منتهية الصلاحية يتم إعادة تدويرها بمصنع بالخانكة    تعليم السويس يعلن جدول امتحانات الشهادة الإعدادية    18 مايو.. بدء محاكمة مرتضى منصور في اتهامه بسب خالد يوسف وزوجته    المشدد 5 سنوات ل3 أشخاص بتهمة استعراض القوة في المنيا    أحمد سعد يشعل الأجواء في حفل افتتاح أحد المشروعات المصرية بالعراق |صور    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    داليا البحيري تشارك جمهورها مقطع فيديو من زيارتها لأسوان    مركز السينما العربية يكشف عن برنامجه في مهرجان كان السينمائي ال78    عن ويلات الحروب.. عرض «قضية أنوف» بالمهرجان الختامي لنوادي المسرح (صور)    6 عروض بمشاركة دول عربية وأجنبية بالدورة الثانية من «SITFY-POLAND» للمونودراما    أبرز اللقطات من داخل عزاء زوج كارول سماحة | صور    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    الصحة: تقديم الخدمات العلاجية ل339 ألف مواطن من خلال القوافل الطبية خلال الربع الأول من العام الجاري    محافظ أسوان يترأس اجتماع المجلس الإقليمى للسكان    زيادة السولار والبنزين تعمق من انكماش أداء القطاع الخاص بمصر بأبريل    البيئة: خط إنتاج لإعادة تدوير الإطارات المستعملة بطاقة 50 ألف طن    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    كم يوم متبقي حتى عيد الأضحى 2025 ؟    شوبير: الأهلي استقر على مدربه الجديد من بين خمسة مرشحين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 6-5-2025 في محافظة قنا    فضيحة جديدة بسبب سيجنال ووزير الدفاع الأمريكي.. إليك الكواليس    قرار عاجل من التعليم لإعادة تعيين العاملين من حملة المؤهلات العليا (مستند)    مدير التأمين الصحى بالقليوبية تتابع جاهزية الطوارئ والخدمات الطبية بمستشفى النيل    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    ضبط (18) طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    فاضل 31 يوما.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    إيران: نحتاج الطاقة النووية للاستخدام السلمى وعلى الطرف الآخر إثبات حسن نيته    صور حديثة تكشف أزمة بسد النهضة، والخبراء: التوربينات توقفت وإثيوبيا تفشل في تصريف المياه    «الصحة» تستعرض إنجازات إدارة الغسيل الكلوي خلال الربع الأول من 2025    السعادة تغمر مدرب جيرونا بعد الفوز الأول بالليجا منذ 3 أشهر    رحيل بيسيرو يكلف خزينة الزمالك 7 ملايين جنيه ومفاجأة حول الشرط الجزائي    «العمل» تعلن عن 280 وظيفة للشباب بالشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية    ما علاقة الشيطان بالنفس؟.. عالم أزهري يوضح    تشغيل وحدة علاجية لخدمة مرضى الثلاسيميا والهيموفيليا في مستشفى السنبلاوين العام بالدقهلية    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كولومبيا وغزة.. الانتفاضات الطلابية مجددا
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 04 - 2024

بعد (56) عاما عادت جامعة كولومبيا العريقة فى مدينة نيويورك إلى مركز اهتمامات الرأى العام بإلهام الاحتجاج السياسى وتأثيره على مجريات الحوادث. فى عام (1968) ولد جيل أمريكى جديد يعترض ويحتج على جرائم الحرب فى فيتنام، ويرفض التجنيد فى الجيش الذى يرتكبها على بعد آلاف الأميال.
كان ذلك داعيا إلى وقف تلك الحرب بعدما افتقدت ظهيرها الشعبى داخل الولايات المتحدة.
نفس الأجواء الغاضبة بنفس المكان تتكرر الآن تحت عناوين جديدة تستنكر التورط فى حرب الإبادة الجماعية والتجويع المنهجى بغزة المحاصرة، تطلب وقفا مستداما لإطلاق النار ووقفا آخر لأى استثمارات فى شركات تدعم إسرائيل بالتكنولوجيا العسكرية.
كان ذلك المطلب الأخير تطورا غير مسبوق فى السياسة الداخلية الأمريكية يضع مستقبل العلاقات مع إسرائيل بين قوسين كبيرين.
«ليس من السهل تجاهل جثة طفل بين ذراعى أمه، ليس من السهل تجاهل الجياع وهم يتدافعون بحثا عن رغيف خبز والرصاص يطلق عليهم، وليس من السهل إزالة الحطام بعد تعرض شاحنات المساعدات لإطلاق النار ومقتل عمال إغاثة إنسانية».
كان ذلك تلخيصا إنسانيا أوردته صحيفة «نيويورك تايمز» لدواعى الغضب السياسى، الذى اجتاح الأجيال الجديدة.
فى المرتين على اختلاف الأزمان والعناوين، نصبت خيام فى الحرم الجامعى، جرت صدامات واقتحامات واعتقالات دون أن توقف زخم الغضب. وفى المرتين امتدت التظاهرات والاحتجاجات من كولومبيا إلى كافة جامعات النخبة الأمريكية.
نحن أمام جيل جديد يصطدم مدفوعا بمثله العليا مع مؤسسات الحكم، البيت الأبيض ومجلسى الكونجرس والمدعين العامين وحكام الولايات مستندين إلى رؤساء الجامعات، الذين أخذوا يلوحون بالقبضة الأمنية. حسب قراءة «تشارلز بلو» فى ال«نيويورك تايمز» فإن الجيل الغاضب على حرب فيتنام أنضجته حركة الحقوق المدنية.. والجيل الغاضب على حرب غزة اكتسب وعيه من الحركات الاحتجاجية ك«احتلوا وول ستريت» و«حياة السود مهمة». بأثر ذلك الصدام تبدو أمريكا عند مفترق طرق فى إدارة صراعاتها بالشرق الأوسط.
سوف يأخذ الصدام مداه قمعا واعتقالا وإغلاقا إداريا وعقابا للأساتذة الذين يدافعون عن حق الطلاب فى التعبير عن آرائهم بحرية.
أى صدام مع المستقبل خاسر مقدما. هذه حقيقة مؤكدة. لا يوجد غضب خارج سياق مجتمعه. وهذه حقيقة أخرى. وفق استطلاع أخير فى صفوف الحزب الديمقراطى فإن (53%) يعارضون إرسال المزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل. التطور لافت بذاته رغم ما أبدته المؤسسة التشريعية بجناحيها الجمهورى والديمقراطى من استعداد للمضى بعيدا فى دعم إسرائيل وغض البصر عما يحيق بأهالى غزة من عذاب فوق طاقة بشر على التحمل.
كان دخول رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» على خط المساجلات الأمريكية الداخلية باتهام الطلاب ب«معاداة السامية» صبا للزيت على النيران المشتعلة فى الصدور، فهو بشخصه وتصرفاته وجرائمه يلخص كل ما يكرهه الجيل الجديد، خاصة بأوساط اليهود الأمريكيين. بالتزامن نشأت حركة احتجاج فى جامعة السوربون الفرنسية ضد تورط الرئيس «مانويل ماكرون» فى الحرب على غزة وتعرضت للقمع.
القمع هو المحرك الأول للتصعيد. كلما أمعنت السلطات فى القمع تزايدت مشاعر الغضب. الذين لا يقرأون التاريخ يرتكبون الخطأ نفسه مرة بعد أخرى. تلوح فى الأفق مقدمات موجة جديدة من الحركات الطلابية بأنحاء مختلفة من العالم تكاد تقارب مستويات غضب شباب أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضى. فى عام (1968) نشأت حركات وانتفاضات طلابية، أهمها وأكثرها دويا الفرنسية والأمريكية والمصرية. اكتسبت انتفاضة مايو فى فرنسا تأثيرها الواسع من الأفكار التى صاحبتها والرموز الثقافية والفكرية التى شاركت فيها، ومن الأثار الاجتماعية التى ترتبت عليها.
لكل حركة طبيعة وأسباب تختلف عن الأخرى، لكن يجمع بينها الغضب على ما هو حولها وأمامها وخلفها. انتشرت فى تلك الأيام مسرحية الكاتب البريطانى «جون أوسبورن»:«انظر وراءك فى غضب» رغم أنها كتبت فى الخمسينيات - كأنها بدلالات عنوانها ثورة جامحة على الماضى بكل إرثه. شاعت كتابات الفيلسوف الألمانى «هربرت ماركوز» عن دور الطلاب فى صناعة التاريخ، واحتلت صور الثائر الأممى «أرنستو تشى جيفارا» جدران المدن الجامعية رمزا للتمرد على سطوة النظم. بدأت تظهر مجلات الحائط على جدران الكليات الجامعية بأقلام «فلوماستر» وروح متمردة. وقد استوحيت من الثورة الثقافية فى الصين.
كانت مجلات الحائط فى وقتها وظروفها ثورة فى حرية التعبير عما تختلج به النفوس دون رقابة، أو مصادرة. ثورة أتاحت أوسع فرص ممكنة للحوارات المفتوحة. فى فبراير من ذلك العام الغاضب تبدت فى مصر صدمة واسعة على خلفية أحكام مخففة بحق المتسببين فى هزيمة يونيو (1967) من سلاح الطيران. خرجت تظاهرات فى جامعة الإسكندرية تحتج على الأحكام. تطورت مطالبها إلى تعبئة موارد البلاد لخوض حرب تحرير سيناء المحتلة وتوسيع المشاركة السياسية فى صناعة القرار. وكانت التظاهرات الطلابية عام (1972)، التى انطلقت من جامعة القاهرة، بحجمها وأثرها، إعلانا مدويا عن ميلاد جيل جديد.
ارتبطت لحظة الميلاد مع نداء استعادة الأراضى المحتلة بقوة السلاح ورفض المماطلة فى اتخاذ قرار الحرب. كما ارتبطت بصورة «الفدائى الفلسطينى»، الذى وجد هويته فى بندقيته على ما أنشدت «أم كلثوم» من كلمات «نزار قبانى». بدت الانتفاضة قوية ومباغتة كأن غضبا مكتوما قد انفجر.
بدأت الشرارة فى كلية الهندسة وانتقلت بشرعية غضبها إلى كليات أخرى ومن جامعة القاهرة إلى جامعة الأزهر، ثم إلى جامعات ثالثة ورابعة وخامسة. السيناريو نفسه يكاد يتكرر الآن بحذافيره فى جامعة كولومبيا، إنها الروح الجامعية الشابة فى كل مكان.
فى العام التالى (1973) تحركت فى جامعة القاهرة انتفاضة طلابية جديدة، كما لو أنها استئناف لانتفاضة (1972). انتقلت الانتفاضة الجديدة بأجوائها إلى الجامعات المصرية الأخرى تحت نفس المطالب: تهيئة الجبهة الداخلية للحرب وتوسيع المشاركة فى صنع القرار. جرت تظاهرات واعتصامات وتكرر سيناريو اقتحام قاعة الاحتفالات الكبرى بقوة الأمن المركزى واعتقال أعداد كبيرة من القيادات الطلابية، سرعان ما كان يجرى الإفراج عنهم- كما جرت العادة فى تلك الأيام.
أطلقت اتهامات عشوائية تصف جماعات الشباب ب«القلة المندسة» كتلك التى تتهم الاحتجاجات الأمريكية الجديدة بأنها معادية للسامية، أو أن «حماس» تقف وراءها!! كان ذلك ادعاء لا دليل عليه، إذ تشارك جماعات يهودية عديدة فى الاحتجاجات.
بأثر التضامن الجيلى وقوة الضمير الإنسانى تمددت التظاهرات واتسع نطاقها واضطر البيت الأبيض إلى استبعاد اقتراح رئيس مجلس النواب باستدعاء الحرس الوطنى لقمعها. لا يمكن مصادرة المستقبل ولا الحجر على الغضب ولا الاستمرار فى حرب إبادة غزة دون ردات فعل غاضبة وعواقب وخيمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.