لم يعد الحديث في العالم العربي عن ضرورة محاربة الاتجار بالبشر مقتصِرا على نشطاء حقوق الإنسان، وإنما أصبح أيضا من بين أولويات الحكومات. فخلال السنوات القليلة الماضية، اتخذت الأجهزة الرسمية لدول عربية عديدة، وخاصة بمنطقة الخليج، عددا من الإجراءات والمبادرات، تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة التي أصبحت تثير قلق أطراف دولية عديدة. فهل الأمر مجرد ضوضاء إعلامية لتلميع الصورة أم أنها بداية واعدة لتغيير ممارسات توطدت عبر السنوات؟ يطلقون عليها تجارة عبودية القرن الحادي والعشرين، ويقصِدون بذلك ظاهرة الاتجار بالبشر، التي قدرت منظمة الأممالمتحدة، بناء على الأرباح الضخمة التي تترتب عنها، أنها تحتل المركز الثالث من مصادر دخل الجريمة المنظمة، أي بعد الاتجار بالمخدرات والأسلحة. تجارة عبودية القرن الحادي والعشرين أما منظمة العمل الدولية ومقرها جنيف، فتضعها كأكبر تجارة غير شرعية في العالم، حيث تقدر المنظمة أرباح الاستغلال الجنسي للنساء والأطفال بحوالي 28 مليار دولار سنويا، كما تقدر أرباح العمالة الإجبارية بحوالي 32 مليار دولار سنويا. وأما ضحايا هذه التجارة، فإن عددهم في العالم لا يقل عن ثلاثة ملايين سنويا، من بينهم 1.2 مليون طفل. وتتعرض المنطقة العربية، وبالأخص دول الخليج، إلى ضغوط خارجية متزايدة في مسألة الاتجار بالبشر. كان آخرها، دعوة مفوضة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي خلال زيارتها الأخيرة لدول الخليج إلى إلغاء نظام "الكفيل" المطبق على العمال الوافدين في دول مجلس التعاون الخليجي. المناطق الموبوءة وقد سبق لتقرير سابق صادِر عن نفس الجهة، أن اعتبر سوريا والسودان وإيران، دولا تنتمي إلى ما وصفها ب (المنطقة الموبوءة). أما تقرير الخارجية الأمريكية الثامن، الذي غطى سنة 2008، فقد صنف المغرب في المرتبة الثانية عالميا إلى جانب مجموعة من الدول التي لا تمتثل حكوماتها كليا للحد الأدنى من معايير قانون حماية ضحايا المتاجرة بالبشر، ووصفه بكونه بلد منتج ومولد لظاهرة استغلال الأطفال، سواء في خدمة البيوت أو في الجنس داخل ترابه الوطني. وهناك دول جاذبة للظاهرة، وهي بالأساس دول الخليج بلا استثناء، وإلى حد ما الأردن ولبنان، وهناك أخرى توصف بدول العبور، وهي الأردن والجزائر ولبنان ومصر والمغرب. أخيرا، دول مصدرة لضحايا هذه الظاهرة، مثل تونس والمغرب والأردن والسودان والصومال. ونظرا للتوسع الذي عرفه مصطلح ومفهوم الاتجار بالبشر، الذي أصبح يشمل التسول والخدمة المنزلية والسمسرة في الزواج وعمالة الأطفال والتبني والسياحة الجنسية واستغلال الأشخاص في النزاعات المسلحة ونقل الأعضاء واستخدام الأشخاص في التجارب الطبية أو في العمليات الإرهابية، فإن العالم العربي متهم بكونه يعاني من ثلاثة أنواع رئيسية من هذه التجارة. أولها، تجارة الجنس التي لا تكاد تخلُو منها أي دولة من دُول المنطقة، سواء كمُصدِّرة أو مستقبِلة أو باعتبارها دولة عُبور. النوع الثاني، الذي تَضاعَف التركيز عليه خلال السنوات الأخيرة، فهو يتعلق بنظام الكفيل الذي تخضع له العمالة الأجنبية في دول الخليج، والذي بموجبه، يفقد العامل جزءا واسعا من حريته وحقوقه، ويتحول حسب بعض التقارير إلى أشبه بالرهينة. أما النوع الثالث فيتعلق بعاملات المنازل، خاصة في دول الخليج. عمال أم رهائن؟ تذكر بعض المصادر أن أكثر من 660 ألف امرأة سريلانكية تعملن في منازل خارج بلادهن ويخضعن لإجراءات خاصة، مثل احتفاظ أصحاب العمل بجوازاتهن واحتجازهن في مكانِ العمل، وقد تحرمن من أجورهن لأشهر. على الصعيد الهيكلي، أنشأت 22 دولة عربية أجهزة حكومية معنِية بمكافحة الاتِّجار بالبشر. أما على الصعيد الحقوقي، فقد أدرج الميثاق العربي لحقوق الإنسان جريمة الاتجار بالبشر ضِمن بنوده العشر الأوائل من مجموع 53 مادة التي شمِلها الميثاق. التصدي للجريمة أولوية بارزة من جهتها، أقدمت مملكة البحرين على إلغاء نظام الكفيل أو على الأقل مراجعته بشكل واسع، فكانت بذلك أول دولة خليجية تتخلى عن هذا النمط في التعامل مع العمال الأجانب. وهناك مؤشرات عديدة تؤكد بأن بقية دول مجلس التعاون الخليجي قد تخطُو خُطوات ملموسة في نفس الاتجاه خلال السنوات القليلة القادمة. حماية الضحايا ومقاومة مرتكبي الجرائم أقدمت عشر دول عربية على خطوة لإدخال تغييرات هامة على تشريعاتها لتشديد العقوبات في هذا المجال، كما يتم حاليا مراجعة أسلوب معالجة هذه الظواهر. فبعد أن كانت العقوبة الأساسية تسلط على ضحايا هذه التجارة، بدأت تتجه الحكومات إلى التفكير في وضع السياسات والآليات التي من شأنها أن تحمي الضحايا وتقاوم من يقفون وراء هذه الجرائم.