عندما تقول إسرائيل إن صاروخين كانا يستهدفان ميناء إيلات ولا تعرف من أين انطلقا فهناك لغز، وعندما تسارع كل من مصر والأردن إلى نفى انطلاق الصاروخين من أراضيهما فإن اللغز يزداد صعوبة. الصاروخان اللذان سقط أحدهما فى مستودع بالعقبة الأردنية، والثانى فى مياه خليج العقبة صباح الخميس الماضى، يبدو أنهما يشيران إلى أن العلاقة الراهنة بين إسرائيل من جهة ومعسكر الاعتدال العربى تعانى من أزمة حقيقية. فعندما يعلن وزير الخارجية المصرى من بيروت أن القصة الإسرائيلية بشأن صواريخ سكود، التى تقول تل أبيب إن دمشق أمدت بها حزب الله هى قصة ملفقة وكاذبة، فهذا موقف مصرى لافت، وعندما تعلن القاهرة على لسان أكثر من مسئول خلال الأسبوعين الماضيين أن الدعوات الإسرائيلية المتكررة لرعاياها بالخروج من سيناء بدعوى وجود تهديدات إرهابية ليست صحيحة وهدفها الوحيد ضرب السياحة المصرية.. فهذا يعنى أن ما كان مسكوتا عنه، ويقال فى الغرف المغلقة قد صار يتم الجهر به. الأمر بالنسبة للأردن أكثر لفتا للنظر.. فوسائل الإعلام الأردنية شككت فى القصة الإسرائيلية نفسها، وجرت تسريبات رسمية تفيد بأن عمان تعتقد أن تل أبيب تخترع هذه القصص كى تغطى على جوهر تشددها وعدم رغبتها فى السلام، بل سربت عمان معلومات تقول إن إسرائيل سبقت وحاولت الادعاء بوجود تفجيرات تستهدف وفودها المسافرة إلى الأردن وتبت أن ذلك لم يحدث. إذن عندما تبرئ الأردن القاعدة وحزب الله وحماس وتلمح لدور تل أبيب، فالأمر يحتاج إلى وقفة للبحث والتأمل. أن تكذب إسرائيل فهذا ليس جديدا، وأن تتوتر العلاقات بينها وبين القاهرة وعمان فقد حدث ذلك من قبل، لكن ربما هناك شىء ما يحدث تحت السطح، خلاصته أن ما يسمى بمعسكر الاعتدال العربى فى طريقه كى يفيق من الوهم ويكتشف أن إسرائيل لن تعطى شيئا للمعتدلين أو المتطرفين، ومثلما فعلت أن تعطى شيئا لتقويم بيل كلينتون، فهى لن تفعل الشىء ذاته مع باراك أوباما.. ثم إنها أولا وأخيرا ما الذى يجبرها أن تعطى للعرب حقوقهم وهم لا يطالبون بها أصلا.. ما الذى يدفعها للتنازل إذا كانت الضغوط عليها لا تتجاوز البيانات والخطب. للأسف الشديد وقعنا نحن العرب فى وهم كبير خلال العامين الماضيين حينما تصور بعضنا أن العلاقة مع تل أبيب أكثر دفئا من العلاقة مع حماس ودمشق وطهران. لست من الذين يزعمون أن الأطراف الثلاثة الأخيرة هم أسراب من الملائكة، لكنهم فى النهاية ومهما بلغت التناقضات هم أقرب إلينا من إسرائيل. شخصيا أتمنى أن تستمر إسرائيل فى نصح رعاياها لعدم زيارة مصر، حتى لا يدنسوا أراضينا، وأتمنى أن نستيقظ لوضع خطة عاجلة تجعلنا ننفصل عنهم سياحيا وألا تصبح السياحة فى سيناء قائمة على السياحة الأجنبية التى تصل إسرائيل أولا. الغريب أنه عندما تلتقى أى مسئول مصرى على انفراد يقسم لك بأغلظ الأيمان أن عدونا الرئيسى والأول هو إسرائيل.. وعندما تسأله ولماذا لا نتصرف على هذا النحو يصمت.. متى نستيقظ من هذا الكابوس؟!