تحل اليوم، ذكرى ميلاد الفيلسوف الألماني آثر شوبنهاور، الذي ولد في 22 فبراير عام 1788م، ورحل في 21 سبتمبر عام 1860م. لاحظ شوبنهار من خلال تفكيره الكثير أن الوجود يقوم على أساس من الحكمة والخبرة والغائية، وأن كل شيء في الوجود دليل صادق على إدارة الفاعل وقدرته وحكمته وخبرته وإتقانه. دفع مزاج شوبنهاور به إلى اختيار نوعية معينة من الكتب، وكان اختياره منصبا على دراسة بوذا ثم كتب الديانة الهندية، وتعمق لديه الإحساس بأن الحياة شر، وأن الحياة ليس فيها إلا الألم والمرض والشيخوخة والموت، والديانة الهندية تقوم على أن الحياة قائمة على أنواع من الشرور الطبيعية والخلقية. في الحديث عن غريزة الجنس، لشوبنهاور موقف خاص جدا من هذه الغريزة، وموقفه هذا كان أساسا لمواقف بعض الفلاسفة، وسندا لمذاهبهم، وتحديدا مذهب فرويد في علم النفس ومدرسته التي قامت على أساس من التركيز على دافع الجنس. إن شوبنهاور يعلي من شأن الدافع الجنسي لدى الإنسان والحيوان، ويجعل منه الركيزة الأساسية التي تدور عليها حياة الفرد والجماعة، بل يجعل منه الأساس الأوحد الذي تدور عليه الحياة عند كل الكائنات، وبخاصة الإنسان، ومن ثم فإن الجنس هو مفتاح السلوك الإنساني، وعلى أساس منه يمكن تفسير كل سلوك إنساني من الألف إلى الياء. وتقوم فلسفة شوبنهاور على بعض الأمور الأساسية، ومنها: 1- أن الوجود عبارة عن المادة المطلقة، فليس في الوجود سوى المادة. 2- أن العلم عبارة عن (إرادة وفكرة). 3- الإرادة الكلية في الطبيعة عنايتها تنصب على الحفاظ على الحياة في الأنواع، ولذلك تهتم بالإبقاء على الأنواع في النبات والحشرات والحيوان والإنسان، وهي في اهتمامها بالنوع، لا تلقي بالاً إلى الأفراد الذين تطحنهم الآلام، ويعذبهم الشقاء، ويغرقون في بحار المآسي والشرور. 4- الموت هو عدو الإرادة الكلية، وهو الذي يحاول أن يقضي على الحياة والأحياء، ولكن الإرادة الكلية تهزمه عن طريق غريزة الجنس التي تدفع الأحياء إلى التزاوج والتناسل، وبذلك تعوض الإرادة عن طريق النسل ما يأخذه الموت، وتبقي الحياة والأحياء تحقيقاً لرغبة الإرادة الكلية. 5- الحياة كلها، بل الوجود كله شرور وأحزان ومشقات وآلام، وليس في الوجود كله خير قط، ولا يعرف معنى السعادة, وأقصى ما يتصور من خير في الوجود، أن تقل شروره نوعا أو تخف آلامه هونا، الشر والشقاء والتعاسة هي جوهر الحياة، وحقيقة الوجود، وهذه الأشياء هي الجانب الإيجابي في الحياة، أما ما يسمى بالسعادة، أو اللذة، أو الخير أو غير ذلك، فليست أمورا إيجابية، بل هي أمور سلبية، بمعنى أن السعادة ليست إلا سلب الآلام، واختفاء الشقاء أو التخفيف منه قليلا، ومن ثم فلا وجود لشيء اسمه السعادة أو اللذة، ولكن هناك شقاء وتعاسة وآلام، قد تكون شديدة، وقد تخف قليلاً أو كثيراً, فيسمي الناس هذه الحالة سعادة أو لذة. 6- وسيلة الإرادة الكلية في تنفيذ غايتها من بقاء النوع في الإنسان أمران: العقل، والغريزة الجنسية. 7- عودة إلى ما قرره فيلسوف التشاؤم، من أن الوجود كله شر، فالوجود شر، لأن الألم والتعاسة هما الشيء الإيجابي، وأما ما نسميه سعادة ولذة، فهو أمر سلبي، فلا يزيد عن كونه سلبا للألم أو تخفيفا منه للحظة، ثم تنتهي تلك اللحظة ليأتي الألم من جديد. 8- لكل ما تقدم من أدلة على أن الحياة آلام، والوجود شر فيما يزعم شوبنهاور فإن الفيسلوف يدعو إلى نبذ الحياة ويرغب في الانتحار تخلصا من شقاء الحياة وشرورها. من أشهر أعماله كتاب العالم إرادة وفكرة الصادر عام 1818 (وصدر الإصدار الثاني الموسع منه في عام 1844)، ويشخص فيه عالم الظواهر بصفته نتاج الإرادة العمياء للشيء في ذاته (نومينون). بنى شوبنهاور أفكاره على الفلسفة المثالية المتعالية لإيمانويل كانت، فتبنى نظاما ماورائيا وأخلاقيا إلحاديا يرفض الأفكار المعاصرة التي سادت في عهد الفلسفة المثالية الألمانية، وكان شوبنهاور من أوائل المفكرين الغربيين الذين شاركوا التعاليم والعقائد البارزة في الفلسفة الهندية، مثل الزهد وإنكار الذات وفكرة المايا في الفلسفة الهندية (والتي تقول إن العالم الظاهري عالم غير حقيقي كما يبدو)، وُصفت أعمال شوبنهاور بأنها التجسيد الأمثل للتشاؤمية الفلسفية.