شوبنهاور المولود في 22 فبراير عام 1788 في مدينة دانتزيج في عائلة غنية، ظهرت مواهبه الأدبية والفكرية مبكرًا، فحولت مسار حياته، فبدلاً من أن يصبح تاجرًا كبيرًا أصبح فيلسوفًا أكبر.. شوبنهاور رغم أنه معروف بتشاؤمه الذي لا يضاهيه فيه سوى نيتشة إلا أن علاقته بالمرأة والموسيقى على النقيض من ذلك، ورغم كرهه الشديد الذي يبدو في بعض آرائه للمرأة نتيجة لكرهه لأمه إلا أن آراءه نحو الجنس الناعم بها الكثير من المنطق. أما رؤيته للبشر فمنحصرة في المزج بين الطموح الذي تدعمه الإرادة والرغبة في تحقيقه، لذلك يرى شوبنهاور أن الموسيقى ما هي إلا تجسيد فعلي للإرادة الميتافيزيقية الموجودة بداخلنا كبشر، والغالبية العظمى من الناس ذوي إحساس موسيقي طبيعي، ولأن الموسيقى تتدفق طبقًا لإحساسنا بالحياة فإنها تعبر عن قلقنا وآلامنا، أما نظرته للمرأة فمبنية على أنها تمسح ذنوب الحياة لا بالعمل بل بتحمل العذاب.. ابتداء من آلام الولادة ثم العناية بالطفل وأخيرًا بالخضوع للرجل الذي يجب عليها أن تكون له الخليلة الصبورة البشوشة.. وما على المرء إلا أن ينظر إلى فتاة تلعب مع طفل فترقص معه وتغني له طول النهار، ثم يسأل نفسه هل يا ترى باستطاعة الرجل مهما حسنت نواياه أن يحل مكانها؟ وهو يرى أن الرجل يبلغ نضوج مواهبه الفكرية والروحية قبل سن الثامنة والعشرين، بينما تبلغ المرأة نضوجها في سن الثامنة عشرة، أما سبب الميل الشديد لدى المرأة للإسراف الذي قد يصل إلى حد الجنون؛ فلأنها تفكر بقلبها، ويؤكد أنه ليس سيئًا استشارة الرجل للمرأة إذا كان يعاني بعض المصاعب كما كان التيوتيون (الألمان القدماء) يفعلون، وذلك لأن أسلوبها في التفكير مختلف تمامًا عن أسلوبهم، فالمرأة لأن قدرتها على تصور ما هو بعيد عنها أقل من قدرتهم، وبالتالي لا ترى في الأمور العارضة أكثر مما فيها في الحقيقة، بينما الرجال إذا هاجت عواطفهم يعمدوا بكل سهولة إلى الإفراط في التخيلات، ولكن العيب الأساسي في طبيعة المرأة هو افتقارها لمشاعر العدل، وهذا الافتقار ينشأ أولًا وأخيرًا عن نقص قدرتها على التفكير المنطقي والتأمل الفكري، ويزيد من هذا النقص أن المرأة لكونها الجنس الأضعف لا تعتمد على القوة بل على الحيلة والمكر، ومن طبعها انتهاز كل فرصة سانحة لتستعمل هذه القدرة مثلما يستعمل الحيوان ما لديه من قوى للدفاع عن نفسه إذا هوجم. الرجال بطبيعتهم لا يكترثون ببعضهم البعض، أما المرأة فإنها بطبيعتها عدوة لكل امرأة أخرى، والسبب في ذلك هو أن الأمزجة النسائية المتماثلة تتنافر، فبينما لا تتعدى العداوة بين الرجال حدود التنافس المهني تشمل عداوة النساء كل شيء أنثوي؛ لأن مهنة النساء جميعًا مهنة واحدة وهي الزواج. إن مزاج شوبنهاور دفع به إلى اختيار نوعية معينة من الكتب، وكان اختياره منصبًّا على دراسة بوذا، ثم كتب الديانة الهندية، وتعمق لديه الإحساس بأن الحياة شر، وأن الحياة ليس فيها إلا الألم والمرض والشيخوخة والموت، والديانة الهندية تقوم على أن الحياة قائمة على أنواع من الشرور الطبيعية والخلقية، أما سبب كرهه لأمه فيرجع إلى عام 1814 عندما اختلف شوبنهاور مع أمه وقرر الانفصال عنها والعيش وحيدًا في بيت خاص به؛ لأنه يشك أنها كانت وراء موت أبيه غير الطبيعي. وفي الحديث عن غريزة الجنس، شوبنهاور له موقف خاص جدًّا من هذه الغريزة، وموقفه هذا كان أساسًا لمواقف بعض الفلاسفة، وسندًا لمذاهبهم، وتحديدًا مذهب فرويد في علم النفس، ومدرسته التي قامت على أساس من التركيز على دافع الجنس. إن شوبنهاور يعلي من شأن الدافع الجنسي لدى الإنسان والحيوان، ويجعل منه الركيزة الأساسية التي تدور عليها حياة الفرد والجماعة، بل يجعل منه الأساس الأوحد الذي تدور عليه الحياة عند كل الكائنات، وبخاصة الإنسان، ومن ثم فإن الجنس هو مفتاح السلوك الإنساني، وعلى أساس منه يمكن تفسير كل سلوك إنساني من الألف إلى الياء.