نجاح كوريا الشمالية، في إطلاق أول أقمارها الاصطناعية للتجسس بعد محاولتين سابقتين فاشلتين يغير كثيرا في معادلة القوى بين بيونج يانج من ناحية وواشنطن وسول وطوكيو من ناحية أخرى. ففي السنوات الماضية، طورت كوريا الشمالية ترسانة صواريخ بعيدة المدى تستطيع الوصول إلى الأراضي الأمريكية، وبالطبع إلى كوريا الجنوبية واليابان، لكنها كانت تفتقر إلى الإمكانيات اللازمة لتحديد ومتابعة وضرب أهدافها بدقة في الدول الثلاث، لكن القمر الاصطناعي الذي وضعته في مداره حول الأرض قبل أيام يمكن أن يوفر لها هذه الإمكانيات بحسب المحلل الاستراتيجي الأمريكي بوريس كلينجنر المتخصص في الشؤون الكورية واليابانية في مركز الدراسات الآسيوية بمؤسسة هيرتيدج فاونديشن الأمريكية. وأعلنت كوريا الشمالية، أن قمرها الاصطناعي تمكن من مسح القواعد العسكرية الأمريكية في جزيرة جوام، وتعهدت بإطلاق المزيد من أقمار التجسس والاستطلاع "خلال فترة زمنية قصيرة". ومن ناحيتها، ردت كوريا الجنوبية بتعليق تنفيذ بعض بنود الاتفاقية العسكرية لشبه الجزيرة الكورية والتي تستهدف منع نشوب صدام مسلح بين الجارتين. وفي 21 نوفمبر الحالي، أجرت بوينج يانج ثالث محاولة لإطلاق قمر التجسس العسكري ماليجيونج-1 باستخدام صاروخ الفضاء شوليما-1، بعد محاولتين في مايو وأغسطس الماضيين. وفي يناير 2021، أعلن الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج أون، اعتزام نظامه تطوير قمر اصطناعي للتجسس. وفي أبريل الماضي، أكد كيم أهمية امتلاك عدة أقمار تجسس في مدارات مختلفة من أجل توفير معلومات حية ومباشرة عن السيناريوهات والتحركات العسكرية للأعداء. وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، قال كلينجنر الذي عمل خلال الفترة من 1996 إلى 2001 كنائب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي.آي.أيه) لقطاع كوريا، والمسئول عن تحليل المعلومات السياسية والعسكرية والاقتصادية والرئاسية في كوريا الشمالية وتقديمها للرئيس الأمريكي وكبار المسؤولين في واشنطن، المفارقة أن إطلاق القمر الاصطناعي الكوري الشمالي جاء في نفس اليوم الذي انتقدت فيه كوريا الشمالية كلا من الولاياتالمتحدةوكوريا الجنوبية بسبب عسكرة الفضاء "بصورة متهورة"، واصفة اعتزام سول إطلاق قمر اصطناعي للتجسس بأنه "استفزاز عسكري بالغ الخطورة". ومن المحتمل أن تكون روسيا، قد قدمت لكوريا الشمالية تكنولوجيا حسنت قدرتها على إطلاق القمر الاصطناعي، مقابل شحنات الذخيرة الضخمة التي قدمتها الأخيرة للأولى التي تخوض حربا في أوكرانيا منذ فبراير الماضي. وقال مسئول عسكري كوري جنوبي، إن روسيا أرسلت إلى كوريا الشمالية محرك صاروخي يعمل بالوقود السائل ويزن 80 طنا قبل القمة الروسية الكورية الشمالية في سبتمبر الماضي. وسافر مهندسون، روس إلى كوريا الشمالية بعد القمة. وذُكر آنفا ردت سول، على إطلاق بيونج يانج لقمرها الاصطناعي بتعليق الالتزام ببعض بنود الاتفاقية العسكرية الشاملة لعام 2018 والتي رحب بها في حينه الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي باعتبارها خطوة رئيسية نحو تحسين العلاقات مع بيونج يانج. وبعد ذلك أعلنت حكومة الرئيس الحالي يون سوك يول، تكرار انتهاك بيونج يانج للاتفاقية، وانتقدت بنودها والتي قلصت أنشطة حلفاء سول في الاستطلاع والتدريبات العسكرية. وأعلنت الحكومة، اعتزامها تعليق العمل بالمادة الأولى والبند الثالث من الاتفاق حتى تستأنف عمليات الاستطلاع الجوي على امتداد المنطقة منزوعة السلاح بين شطري شبه الجزيرة الكورية. ورغم أن إطلاق كوريا الشمالية لأية صواريخ باليستية يمثل انتهاكا لعدد من قرارات الأممالمتحدة، فمن غير المتوقع أن يصدر مجلس الأمن الدولي أي قرار ضد إطلاق القمر الاصطناعي الأخير بسبب الفيتو (حق النقض) المحتمل من جانب كل من روسيا والصين. لذلك على الولاياتالمتحدة تكثيف جهودها لتنفيذ العقوبات الأمريكية والدولية على بيونج يانج والعمل المنظم مع المجتمع الدولي؛ لتطبيق العقوبات على الجهات الكورية الشمالية والروسية والصينية التي تنتهك قرارات الأممالمتحدة وتسهل انتهاكات بيونج يانج. ويرى كلينجنر، الذي شغل منصب رئيس فرع كوريا في الاستخبارات المركزية الأمريكية أنه على واشنطن مواجهة التهديد العسكري الكوري الشمالي المتزايد من خلال تعزيز التعاون الأمني مع سول وطوكيو، وتشجيع الدولتين على تحسين تعاونهما الثنائي. وفي العام الماضي، استأنفت الولاياتالمتحدة التدريبات العسكرية الكبيرة مع كوريا الجنوبية، ونشر قواتها في المنطقة. واستأنفت سول وواشنطن وطوكيو تدريباتهما العسكرية الثلاثية. وهذه الإجراءات تعزز القدرات الدفاعية وقدرات الردع للدول الثلاث في مواجهة التهديدات الكورية الشمالية. وأخيرا يمكن القول إن القمة الثلاثية التاريخية مهدت لقادة الولاياتالمتحدة واليابان وكوريا الجنوبية في كامب ديفيد في أغسطس الماضي الطريق أمام تعاون عسكري واقتصادي وتكنولوجي أكبر بقيادة أمريكية، لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ولكن سيحتاج القادة الثلاثة لتفعيل الاتفاقيات الأمنية التي توصلوا إليه، ورصد المزيد من الموارد والإمكانية لمواجهة تطور القدرات العسكرية الصينية والكورية الشمالية التي أظهرها إطلاق القمر الاصطناعي الأخير.